ابراهيم محمود
كأي كردي ينتشي بينه وبين نفسه، وجدتني متحمساً لنشر اعترافات لي تخص ما سبق” وهي غيض من فيض طبعاً “، لا تقتصر علي أنا وحدي، فثمة آخرون، ينطقون اللغة الأم ذاتها، مع لكنات أجنبية تشهد على أنني أحتاج إلى أكثر من وقت إضافي لأتقنها، وقد باتوا معروفين بفضل وسائل الاجتماعي ” ألا فلتنزل الرحمة على تراب ذوي الفضل من غير بني جلدتنا، ممن ابتكروها، ومنحونا فرصاً من ذهب للانتشار الانترنتي، والظهور الإعلامي السمعي والبصري، رغم أنف الذين حاولوا ويحاولون دون ظهورنا “. ورغبة مني للاعتراف بالحقيقة، كأي كردي استهلك عقوداً زمنية طويلة من عمره في سبيل قضية شعبه الكردي على طريقته إيماناً بالاختلاف، وخلاف كثيرين كثيرين، أصرّح بما يلي والتوقيع عليه :
عدم الإيفاء بأي وعد من الوعود التي سمّيتها، طوال تسميتي كادراً عقائدياً، منخرطاً في أنشطة سياسية، ومتقدماً صدارة الصفوف الأمامية للاجتماعات الكردية الشأن، وله الكلمة الأولى، والصورة الأولى، وكلمة ” ختامها مسك “. إذ ليس من مهمتي أن أفي بأي وعد، كما يتوهم الآخرون من منافسيّ العقائديين، حيث إنهم لم يشيروا إلى أي وعد مما ذكرت، ورغم ذلك يشددون على أن الكردية مفعَّلة بهم، ولأنه لم يكن في حسباني وسط هذا الحشد الكبير من العالقين في الصدارة العقائدية، أن أفي بوعد، فأضمن العمر الطويل .
لا حصر للقاءاتي مع من ينتمون إلى دائرتي العقائدية، واجتماعاتي بهم، بدعوة مني أنا شخصياً، أو بناء على اقتراحات رفاق بيننا خبز وملح عقائديان، وتحالفات خاصة للاستمرار معاً، وكلمات سر خاصة للتنادي إلى ذلك، إلى جانب لقاءات واجتماعات كثيرة جداً، مع المختلفين عنا، ومع الأكثر اختلافاً، وهم الذين كانوا المنتمين إلى دائرتي العقائدية تلك، فانسلخوا وبقيت محافظاً على جلدي. فالزئبق قدوتي الأثيرة هنا!
لقد تمكنت في السنوات الأخيرة من تحقيق نجومية عالية، جعلتني اسماً بين أسماء معتبَرة حتى خارج نطاق اللغة الكردية الأم، بفضل هذه المكرَمة الاستثنائية في سوريا، صحبة عائلتي وأهل لي، وبعض أقرب المقربين المحسوبين على دائرتي الشخصية ثم العقائدية خارج البلاد غالباً. تلك كانت فرصة غير متوقعة، اغتنتمها تأكيداً على عامل اليقظة لدي، لأكون أكثر أماناً وقدرة في التحرك هنا وهناك.
كنت مبنياً للمجهول فأصبحت مبنياً للمعلوم، كنت ربيب الجوع كثيراً، فسمنت شبعاً، وسمنت عائلتي ولمة من أهلي، ولمة أخرى من المقربين مني، وأصبحنا بالتالي، أكثر أهلية للانتقال من مكان لآخر، ونحن في بغددة، وإشراقة محيا، حليقي الذقون، ممكيجين ذكورياً، غير هيابين في لقاء أي كان على قضيتنا القومية. سمنت مالياً، من خلال عزائمي لآخرين، لتأكيد مواهبي في اغتنام الفرص كسواي.
ازددت قدرة على المناورات وفي حبْك الكلام المعسول، وحتى الإيقاع بكثيرين، إيماناً مني، كما علمتني الوقائع اليومية الكردية وغيرها، والكتب الخاصة، لذوي الاحتياجات الخاصة أيضاً، أن السياسة هي ما حققته وتوصلت إليه. إلى جانب كوني أصبحت أكثر مرونة في التعاطي مع المستجدات جرّاء تحسن وضعي الشخصي والعائلي والرفاقي الخاص، وبفضل ذوي الفضل الإقليميين والدوليين، وبت على بينة أكثر من أن الذي أقوم به، هو عين ما يقوم به آخرون من حولي، سوى أنني بذلت جهوداً أكثر، لأكسب أضواء أكثر، رغم أنف متطفلين على الكردية من أمثال محمود عباس وابراهيم يوسف وابراهيم محمود..
زادت قناعتي من أن ليس في وسعي، ولا في وسع الأكبر مني، ممن يتوهم، أو يعتقد أن الذي يشهده من تغيرات من حوله، له سهم فيها، ولهذا يدلي بتصريحات متلفزة أو صحفية، مشيراً إلى نفسه مباشرة، رغم أن التاريخ ينفي هذا كلياً. صحيح أن هناك اجتماعات أو لقاءات يجري الترتيب لها، وهناك اختلاف في المواقف والآراء إلى درجة التصادم، وحتى محاولة الإشارة إلى أمور شخصية جداً، وبأكثر من لغة، لأن الظروف تقتضي ذلك، وأن هناك من يتحدث ويشرح ويطرح أسئلة ويقدم أجوبة أو يتقدم بابتسامة مطلوبة، لكن الجاري خلاف ذلك كلياً، إذ كل شيء مخطط له، حتى أنا نفسي، ربما مخطط لي، بما يمكنني القيام به، أو قوله ضمن حدود، فأكون أكثر حذراً، وهنا أؤكد أنني أكثر حذراً وحتى فطنة من غيري فيما جرى ويجري. أليس أسلافنا هم الذين تحدثوا عن أن الذي يخضع له كردنا يحمل صفة قدرية ثابتة؟ حسن، ومن يمكنه مقاومة أو تحدي القدر لا قدَّر الله ؟ ولا بد أن الأقدر منا، ممن شتتونا يمثلون هذا القدر بالذات …
كما وعيتُ، وعاهدت نفسي وعائلتي وأقاربي، والمقربين العقائديين مني جداً، هكذا أعاهد نفسي على الاستمرار، حيث لا يمكنني أن أقوم بأي فعل يستفز الآخرين بحيث يقصيني عن هدفي الخاص، أو قول يدفع بمن لديهم القدرة سريعاً على إقصائي بعيداً عما أنا عليه، وسأحاول جاهداً الحفاظ على وزني المكتسب بالمعنيين، ولمن يفهم، وذلك هو قمة الذكاء السياسي العملي، فالكردية هي كما علَمتها وكما أعيشها، ليست أكثر من أن تحافظ على توازنك، بحيث تموت وأنت هادىء البال، ليكون حولك حشد من المعنيين بك، والمتنافسين على ذكر مآثرك، وتخصيص مناسبة سنوية عنه، وصورتك في الواجهة، وتلقَّب بالشهيد، وفي هذا، وعلى هذا، أمضي وأمضي، حباً بالقدر، وتقديراً للذين يوجهون دفة القدر ، وهذا ما يجب أن يعلم به القاصي والداني من شعبنا الكردي العظيم..