ابراهيم محمود
قالوا: لا يدَّخر أعداء الكرد جهداً في الإيقاع بهم، بمؤامراتهم، وإثارة الشبهات حولهم، وحبْك التلفيقات، للحيلولة دون نيلهم لحقوقهم .
قلنا: وهذا كلام غير منطقي أساساً، لأن مجرد التذكير بجملة ” أعداء الكرد “، يعني عدم الإشارة إلى ما تقدم، إذ كيف يمكن تسمية العدو عدواً، وتوقع المختلف ؟ كيف يكون التحدث عن أعداء الكرد وتوقع خلاف ما ينطوي عليه مما سبق ذكره ؟ أوليس العدو هو الذي يتضمن كل ما أتينا على ذكره وما يأتي في سياقه ؟
قالوا : كان الكرد الهدف التاريخي لأعداء من جنسيات مختلفة وحتى الآن، وهم يحاولون التعتيم عليهم أو تهميشهم ؟
قلنا: وهذه ملحقة بالأولى، رغم أن ” هذه ” لها ميزتها، وهي غير مقبولة، لأن مجرد النظر في وضع الكرد تاريخياً، حتى يتراءى المشهد الكردي المتجزىء، وما يترتب على وضعية تقسيمهم من تداعيات في الحيلولة دون بروزهم قوة موحدة .
قالوا: إنه لأمر عجيب غريب، حين نفاجَأ بمجموعة من شذاذ الآفاق من الدواعش وهم يسيطرون على الموصل” بعددهم الألفي، وما دون الألف في بعض الروايات “، ويستولون على كل شيء فيها، كل شيء: الأموال والسلاح الهائل كماً ونوعاً ومصير المدينة بالكامل، ودعشنة الكثيرين فيها.
قلنا: وهذا المستهَل به بالعجيب الغريب ليس منطقياً في ضوء مستجدات المنطقة، وإذا كان وارداً قوله أو اعتماده في الحديث عما جرى ويجري بالنسبة لغير الكردي ” العربي العراقي، مثلاً في عدد لا يستهان به واقعاً “، فهو غير وارد إطلاقاً جهة القبولية بالنسبة للكردي، وما يكونه الكردي في تصريف شأن الكردايتي فيه بالضبط، إن لزِم حدود حقيقة الجاري وسيناريو التوجهات وككردي أرضاً وتاريخاً وثقافة: أولاً، هم ليسوا شذاذ آفاق وجهلة، بل في غاية الإحاطة بأدوارهم التقنية والعملية والفكرية، حيث تتهيأ لهم الأرضية بداية ونهاية خارج الموصل وداخل الموصل، كما يعلم بأمر الحدث أهله القابضون على مصائر فرق ومعداتها وغيرها في المكان والزمان، وبدءاً آخر، بل أول ما يجب أن يعلَم ثانياً: قوى عظمى متفاوتة، لحصر المنطقة في دائرة التجارب على كل المستويات، وللكرد طُعمهم الخاص: الضريبة المؤلمة، وإن كان ثمة ما يترتب على ذلك، فهو المأمول والذي يجب التيقظ ناحيته .
قالوا: وفي دائرة العجيب الغريب أيضاً، انطلقت أرتال السيارات والآليات العسكرية المسروقة محمَّلة بالعدة والعتاد العسكريين، صحبة بشر معدين لهذه الحملة الانتشارية من جنسيات لها أهواؤها صوب الجهة الجغرافية المثْبتة على خارطة العمليات في سوريا: حلب والجوار وأبعد، كوباني وأبعد، تل كوجر، وأبعد…الخ .
قلنا: وهذه ملحقة بسابقتها، وموضحة للوحتها الفعلية سياسياً، إذ لا يقول بما تقدم إلا جاهل لا يعرف من الجاري شيئاً أو ينسّب نفسه إلى خانة المتجاهل أو التغابي، أو يعرّف بالدائرة الواسعة العقيدية والثقافية المشوهة التي تربى فيها أي في وسطه، ضمان أمن لسلامة أولي أمره وأصهارهم وأنسبائهم وأولياء أمورهم وهم بدرجات بالمقابل. إذ كيف يعقَل في ضوء أحدث التقنيات الرصدية الفضائية والاستخباراتية الأمنية والعسكرية، وفي المنطقة التي ألغيَت فيها الحدود بتقديرات من راسمي الحدود ومكاشفي التحركات عليها بدقة لافتة، أن تتحرك هاتيك الأرتال بطول يتجاوز كيلومترات محملة بما هو مطلوب دون الكشف عنها؟ تلك الآليات التي مَسرِح لها لتُعطى لمن يجب أن تعطى له ” لهم “، تكفي بعدتها وعتادها لفتج جبهة عريضة واسعة مع دول الجوار، وما قيل عما تقدم، ووضع على مشرحة الإعلاميين المتلفزين وأرباب السياسة المخضرمين في الدول ذات الشأن، خلاف ما هو منفَّذ حقيقة. كيف يصار إلى التعريف بداعش إرهابياً، وثمة من يلقّم داعش نفسه بالمال والعدة والعتاد، ويمكن ملاحقة حركة خنفساء الروث ذاتها، وتتبع ظل نملة إذا اشتبِه بأمرها، وعبر أجهزة تخص الصوت والحركة والحرارة.. الكترونية متطورة جداً ؟ وللكرد نصيبهم من هذه المائدة الجغرافية الغاية في الترويع وخلط الأوراق والبلبلة والضحايا …
قالوا: وفي ساعات محسوبة طويت منطقة سنجار والجوار، وهدّد إقليم كردستان، لولا رعاية أو عناية سماوية بعلامة أمريكية قبل كل شيء، كما لو أن غزوة تسونامية اجتاحت المنطقة السالفة الذكر وما ترتب عليها من حصول ويلات ونكبات وآفات وآفات تترى” بني جلدتنا الإيزيديون قبل كل شيء في مالهم وحلالهم وعِرضهم “، ومشاهد الفزع والاضطراب في المنطقة الكردية، والتحدي بالاجتياح لمّا يزل قائماً.
قلنا: وهذا غير وارد الأخذ به، على أنه مباغت. إن مجرد اعتماد هذه الرواية وتسجيلها وتوزيعها وتأكيدها، من جهة أي كان، أي كان، يعني في الحال: وجود من يغفل عن حقيقة وضعه المهدَّد أمنياً منذ أزمنة طويلة، ومن خلاله هو بالذات إعلاماً وأدبيات تاريخ، ووجود من يحاول التبرير لما حصل، درءاً للشبهات، ووجود من لا يريد الاعتراف بسلطة الغفلة وفتنتها وما هو أبعد منها في مواجهة الأعداء ومن يكونون، وما كانوا ومن سيكونون كذلك كردياً، أي بالنسبة للكرد إزاء رصديات الأعداء، في الحزام الجغرافي الملغوم وخارج الحدود العراقية المعتبَرة. لا بل إن ما نشهده حتى اللحظة من وقوع حوادث: محاولات مداهمات وتفجيرات وضحايا مختلفة، لا يمكن الإغفال عن بنيتها المهدّدة للعمق الكردي، والتي ترتبط بعامل اليقظة بالمقابل، العامل الذي يستدعي التفكير بالغزاة باعتبارهم في غاية الإحاطة بمأمورياتهم وعلوم العمليات الإرهابية، ومن يستهدفون تحديداً، وليسوا مجرد مرتزقة جهلة جرى الإيقاع بهم” أعني من يقودون العمليات “.
قالوا: وهذه كوباني استمرار لما يجري على حدود الإقليم وأبعد، وكيف تستمر المواجهة ويضطرد حجم الدمار…
قلنا: وهذه أيضاً يجب أن توضع في إطارها العملي والأخلاقي الخاص: كوباني لم يجر اختيارها اعتباطاً، والتركيز عليها ليس بالمجان طبعاً، وقصف كوباني جوياً، كما لو أن الإمداد الداعشي ينبثق من الأرض وليس من المناطق المتاحة، وهي مرصودة، مخطط له، وبالطريقة هذه: ستجد كوباني المنكوبة بجغرافيتها وأهلها قاعاً صفصفاً” خراباً “، وما يترتب على ذلك من أعباء ونفقات، ولعل” العم سام” في مقدمة من هم على علم ودراية تامين بما يجري، إلى درجة أنه يمكن القول بأن ثمة دواعشيين ذوي شأن لديهم” الكِرين كارت ” الأمريكي، أو مجازين أميركياً، أو لهم مقامهم أو وزنهم في العرف السياسي والاستراتيجي الأميركي، وفي الواجهة: أبو بكر البغدادي، الذي يُعرف في كل لحظة أين يستقر، وماذا يعمل، ومع من يتكلم، وحتى ماذا يأكل، وعلى أي جنب منه ينام، وأن دوره لم ينته بعد، كما كان أسلافه شديدو الحداثة الزمانية والجغرافية من سدنة العروبة الموجهين الطغاة: ابن لادن، الظواهري، الزرقاوي…الخ .
ملاحظة” كرداقيات” : صيغة مركَّبة، كما يلاحظ اللامندرج في سياق المقالة المحاوراتية، من ” كرد ” و” عراقيات “، وعلى هذا المنوال يمكن المد في جهات جغرافية أخرى” كرديرانيات ” و” كردكيات ” و” كردوريات “.