صبري رسول
البيان الذي أصدرته ما يسمّى «هيئة الداخلية لشمال وشرق سوريا» يوم أمس 17/12/219 الذي يصادف يوم العلم الكردي ويدعو فيه إلى توحيد الخطاب السياسي الكردي، دعوة فيها مراوغة سياسية مبطنة، ستتبيّن للكرديّ نتائجه لاحقاً. ولي ملاحظات أسجّلها هنا:
1- قد يتبادر إلى ذهن القارئ من خلال العنوان أني أمثّل المجلس الوطني الكردي في هذا النّص، وأدافع عنه رغم ترهّله المزمن وسلبياته السياسية والإعلامية. بكلّ صراحة، لم يعُد لي صلة بالمجلس منذ ثلاث سنوات، أقصد صلة بمواقفه وقراراته، وأسلوب عمله في الداخل والخارج. أما السؤال: لماذا الكرة ليست في ملعبه؟ سيتبيّن الجواب من وجه نظري في حيثيات المقال.
2- يُلاحظ من الجملة الأولى للبيان أنّ القوة العسكرية هي صاحبة الطرح وليست القيادة السياسية « بناءً على المبادرة التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية» ومعروفٌ لدى (ب ي د) أنّ الذراع العسكري يتحكّم بالقرارات السياسية والعسكرية وليست الواجهة السياسية، حيث أنّ هذا التنظيم، وبخلاف الأحزاب التي تناضل في سبيل حقوق شعوبها، يضع لنفسها واجهة سياسية، وغالباً ما تكون فاشلة، ويحكمها في العمق مجموعة صغيرة من القيادة العسكرية. إذاً الطرح جاء من العسكر، الذي لن يلتزم بما يقرّره مطلقاً.
3- الملاحظة الأهم في البيان تكمن في جوهر الموضوع فجاءت الدعوة «لتوحيد الخطاب السياسي الكردي في سوريا وبناء شراكة فعلية بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي في سوريا (ENKS)» فالمبادرة الأولية جاءت من العسكر، والبيان الصادر هو من «الهيئة الداخلية»، أي الجهة المخصصة بالأمن الداخلي «قوة حفظ النظام» وتوابعها وفق المصطلحات الدارجة للكيانات السياسية، وهنا غابت الواجهة السياسية نهائياً. وهذا يدلّ على أحد أمرين: التخبّط في إصدار القرارات وتكليف دوائر لاعلاقة لها بذلك، أو عدم وضوح الرؤية والهدف من الطرح، واللجوء إلى التناغم مع نبض الشعب (توحيد الخطاب السياسي) الذي لا يمكن توحيده بدون توحيد الأهداف الجوهرية من العمل السياسي.
4- الجميع يعرف أنّ إدارة ب ي د حاولت تقويض قوة المجلس وتقييدها بالاتفاقيات السابقة (هولير1، هولير2، دهوك وملحقاتها) التي اتخذتها شكلاً وغطاء لبسط هيمنته العسكرية على الواقع، وعندما لم تستطع ترويض المجلس سياسياً تنصّلت منها ومارست كلّ أشكال العنف السياسي معه ومع الآخر المختلف عنه في الرأي والموقف، لإنهاء الحياة السياسية بكلّ تمظهراتها السياسية والمدنية، والاكتفاء بالجوقة المحيطة بهذه «الإدارة» والجوقة عبارة عن (تنظيمات مجهرية، أحزاب صنعها الأمن السوري وأخرى أسسها ب ي د ومصفقين من مختلف الأحجام).
5- هذه الإدارة لا تؤمن بـ«توحيد الخطاب السياسي الكردي» كما ورد في البيان، لأنها ترى أنّ المفهوم القومي قد تجاوزه الزمن، وأصبح من مخلفات الفكر البشري. حارب (ب ي د) هذا التوجه بشكل عنيف، حاولت عناصرُه إهانة العلم الكردي الزاهي ، أحد الرموز القومية للكُرد جميعاً، برشّ الماء عليه في يوم مماثل لصدور بيانه هذا. يوم العلم الكردي.
6- أما ما يتعلق «بتسوية ملف السجناء والمغيبين» فلن يكون هناك أي حلّ، لأن بعض المغيبين غير موجودين لدى هذه الإدارة، تم اختفاؤهم قبل الإعلان عن الإدارة ولن تعترف بهم، أو ستوجه إليهم تهم جنائية. هذا الملف أصبح شائكاً، وعلى المجلس إما ابتلاعها بمرارة وقبول تجاوزه، أو لن يكون هناك أفق مبشّر له. وستبدي لكم الأيام ما كنتم جاهلاً به.
المبادرة لم تأتِ من خلفية الحاجة الفعلية إلى توحيد القوى، أو أنّ الوضع العسكري والسياسي غيّر رؤاها فأصبح محطة لإعادة النظر لكل الملفات، فهذه الحاجة وهذه الضرورة كانت ملحة منذ سبع سنوات، ولغيابها دفع الكُرد الثمن باهظاً جداً، وسيدفعون باهظاً في قادم الأيام أيضاً. المبادرة جاءت بعد التطورات الدراماتيكية المؤلمة العسكرية والسياسية التي عصفت بالشعب الكردي. فالقيادة (أي قيادة كانت) لاتعني أن تكونَ متحمّساً وعاطفياً لصنع ابتسامة مزيفة، بل تعني أن تكون على دراية ومعرفة بمكان الخطوة وزمانها وحجمها ودراسة نتائجها.