بين ذهنية «المواطَنة الكوردية» والخريف الأبدي

د. ولات ح محمد
    في مقابلة مع معارض سوري أجرته قناة رووداو الكوردية قبل شهور سأله مقدم البرنامج عن رؤية المعارضة السورية للقضية الكوردية في سوريا فأجاب الضيف بأن الكورد مكون أساسي في سوريا وأنهم يجب أن يحصلوا على كامل حقوق المواطنة. هذه الجملة الأخيرة كررتها على مدى عقود كل أنظمة المنطقة القابضة على رقاب الكورد، ناهيك عن معارضاتها التي تدعي تبنيها الديمقراطية في أفكارها وسلوكها ومناهجها وأهدافها المستقبلية. وهو كذلك ما ردده ويردده أردوغان “إخوتنا الكورد ونحن شعب واحد” كلما جاءت مناسبة.
    على الرغم من الصدمات والتصدعات التي أصابت أنظمة المنطقة ودولها وشعوبها خلال السنوات الثماني الماضية، وعلى الرغم من أن معظم ما أصابها كان نتيجة الأفكار والقناعات الشوهاء التي ترسخت لديها على مدى عقود وصارت من الثوابت غير القابلة للتحول والتبديل فإن تلك التصدعات لم تجلب معها تغييراً مهماً في ذهنية أبنائها وقناعاتهم تجاه الآخر، ولا تبدو بوادر ذلك التغيير لائحة في الأفق المنظور. 
    ما تسمى “المعارضة السورية” ادعت أنها خرجت على النظام رغبة في تغييره لأنه مستبد وغير ديمقراطي وأنها ستأتي بالبديل الذي سيجعل السوريين يتحسرون على الأيام والسنوات الفائتة من أعمارهم. ولكن عند وضع البرامج والخطط وصدور المواقف تباعاً تبين سريعاً أن تلك المعارضة تحمل بين أكتافها رؤوساً تعمل بذهنيةٍ لا تختلف قيد أنملة عن تلك التي خرجوا عليها دافعين بعشرات الآلاف من الشباب للتضحية بأرواحهم ومستقبلهم من أجل ذلك التغيير الموهوم والمزعوم. أذكّر هنا بتصريح ذلك “المعارض” العسكري البارز الذي قال يوماً بأن الكورد كانوا يحلمون في السابق بالحصول على هوية تثبت أنهم “آدميون”، مبدياً بذلك إخلاصه للمبادئ التي تربى عليها وعدم قابليته للتغيير الذي عجز عن  إحداثه حتى في لغة الخطاب والتخاطب.
    بعد كل تلك الدماء والأرواح والمآسي لم تستطع المعارضة التي تطرح نفسها بديلاً ديمقراطياً أن تفهم أن زمن العنجهية والاستعلاء وإلغاء الآخر قد ولّى وأن الحقوق المشروعة يجب أن تعاد إلى أصحابها، ولم تستطع ـ بالتالي ـ أن تنسجم مع شعاراتها المطروحة ولو جزئياً ومرحلياً ونفاقاً. ولذلك بقيت تتحدث فقط عن حقوق المواطنة للكورد، كما كان يتحدث الذي ثاروا عليه من قبل دون زيادة أو نقصان، علماً أنها حتى في هذا الحد الأدنى من الطرح لا تستطيع في الواقع العملي أن ترى الكوردي مواطناً كغيره له كامل حق المواطنة وعلى كل الصعد، لأن تكوينها الذهني غير قادر على تقبل ذلك.
    في المثال العراقي عانى المعارضون الويلات على يد نظام ديكتاتوري دموي مستبد، وكانت أراضي كوردستان على مدى عقود ومواقع شركائهم في المعارضة الكوردية الملاذَ الآمن لأولئك المعارضين الذين كانوا يطرحون شعارات ملائكية بخصوص الكورد وحقوقهم المشروعة في العراق. وعندما رحل صدام ونظامه وصار بعض أولئك “المعارضين الديمقراطيين” في الحكم مارسوا سلوكاً تجاه الكورد لا يختلف عن سلوك صدام الذي كلف تغييرُه أرواح مليون عراقي، ولكن تلك الأرواح والدماء لم تغير شيئاً في ذهنية أولئك القادة السياسيين، لدرجة أنهم بعد كل ذلك التغيير الجذري في كلٍّ من النظام السياسي والدستور، وبعد كل ذلك التحول الهائل من نظام فردي ديكتاتوري مركزي إلى نظام ديمقراطي فيدرالي، ظلوا يتحدثون بخصوص الكورد عن المساواة في حقوق المواطنة وعن “شمالنا الحبيب”…
هل عرفتم لماذا لا يأتي الربيع؟!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…