كيف تنهب المحاصيل المتبقية في غربي كردستان؟ – 2/3

 د. محمود عباس
  بالاطلاع على تقارير المؤسسة السورية للحبوب، واستعداداتها، والأرقام المطروحة، تبين وكأننا أمام سلطة إنسانية تحمل هم المزارعين، وتقف على المشاكل المحتملة وبشكل حضاري، ولا يوجد هناك شيء اسمه النهب والإجرام وتدمير البنية التحتية للشعب. ولكن ما يظهر على العلن ويجري في المراكز، وتصاريح شريحة من المزارعين، وحديث الشارع الكردي، تبين أن مجتمعنا أمام نظام أجرامي يمص دم الشعب، ويدفعه إلى الفقر ومن ثم الهجرة، وهناك إدارة كردية تصمت أو تساير الكارثة، تحت حجج لم تعد مقبولة، وعليها أن تدرك أنها أمام مرحلة مصيرية لا تقل عن مرحلة القضاء على داعش عسكرياً، مرحلة وجود أو عدمه. 
1 قال مدير فرع مؤسسة الحبوب في القامشلي، أن المؤسسة حددت مركزين للشراء جرمز والصوامع، إلى جانب مطحنتي الجزيرة في القامشلي ومطحنة الحسكة بمعدل 700 طن يوميا، لكن في الواقع هذه المراكز ظلت وهمية، فقط مركز جرمز هو الوحيد الذي فتح للشراء، وهي كما ذكرنا تستقبل المئات من قاطرات تجار الحروب وبعد أن تنتهي منهم تقوم باستقبال محاصيل الفلاحين، بعدما يتم ترضية الجميع: ضابط الدور، وموظف التقييم والسجلات، وغيرهم بالرشاوي الضخمة، والتي أصبحت شبه رسمية في مركز جرمز.
2 من أصل 41 مركزاً لتخزين وشراء الحبوب و34 صومعة معدنية، و8 صوامع بتونية كبيرة في محافظة الحسكة، ومعظمها تحت سيطرة الإدارة الذاتية، وبالتأكيد للسلطة هيمنة غير مباشرة عليهم وبإمكانهما استخدام معظم هذه الأماكن كمراكز للشراء، لكن الطرفين وكأنه بينهما اتفاق ما، لم يفتحوا سوى مركزين فقط للشراء.
3 حددت فترة عمليات صرف قيم القمح بين يوم وثلاثة أيام كحد أقصى، وفي الواقع هذه المدة هي لتجار وسماسرة المحافظ والقاطرجي، أما للفلاحين يقول البعض منهم أنه مر على يوم الاستلام أكثر من أسبوعين ولا نزال ننتظر، وهذا أسلوب أخر للرشاوي، فالذي يدفع سيستلم بشكل أسرع.
4 وذكر أن الدولة خصصت قرابة مليونين و630 ألف كيس للموسم الحالي، ذات الجودة المتدنية، والتي تؤدي إلى مشاكل إضافية للمزارعين وخسائر كميات من المحصول، وزعت نصفها على السماسرة ومافيات الحرب، فأصبحت مفقودة في مراكز الدولة، رغم أنها تدعي أنه لديها فائض في الأكياس، والمزارعون  لا يحصلون عليها، فاضطروا إلى شرائها أ من الأسواق السوداء، بضعفي تسعيرة الدولة، أي بقيمة 1400 ليرة سورية للكيس الواحد، وهي نفس الأكياس التي كان من الواجب أن يحصل عليها المزارع من المركز بـ 700 ليرة، كما وحصل تناقض بين الثمن وكيف سيقتطع من ثمن المحاصيل، ليس بسعر السوق السوداء، ولا بنصف سعر الدولة، رغم احتفاظ المركز بالأكياس، ولا يعوضون الفلاحين إلا عن جزء بسيط منه، إن لم تم تؤخذ كرشاوي.
5 لا شك ذكروا أنهم رصدوا قرابة 70 مليار ليرة سورة لشراء الشعير، و400 مليار للقمح، مع ذلك تتأخر فترة الدفع، وبالمقابل وضعت برامج للنهب بحيث سيرجع نصف هذا المبلغ إلى جيوب موظفي المركز وسماسرة السلطة وتجار الحروب، وبالتالي الفلاحون سيخرجون من عملية البيع وهم في عوز أمام الموسم القادم، من البذار والسماد وثمن الفلاحة، والأكياس، والأدوية المعقمة، إلى غيرها من الإشكاليات.
6 كما وأن هيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية أعلنت أنها رصدت قرابة 200 مليون دولار لعمليات الشراء، لكن ما تم، هو أن الإدارة الذاتية توقفت عن الشراء، تحت حجة شح السيولة المادية، ولا يعقل أنها صرفت المبلغ المذكور. 
7   على المزارعين والفلاحين أن يمروا على أربعة حواجز للسلطة على الأقل، حسب بعد قراهم، فعلى سبيل المثال قرى منطقة شرقي قامشلو يسلكون إما الطريق الدولي، أو من دوار الزور، والاتجاهان يمران من حارة الطي إلى مركز النظام، وعليهم أن يدفعوا لكل حاجز مبلغا دسما، وقبلها عليهم أن يدفعوا أجرة النقل بأضعاف ما كان يدفعونه في السنوات الماضية وهي تتراوح ما بين 350-450 ألف ليرة سورية للقاطرة والمقطورة، لأن معظم الناقلات محجوزة لتجار الحروب وقوافلهم القادمة من منطقتي الرقة والطبقة وربما ديرالزور، إلى جانب ما يشترونه من منطقة القامشلي، وجميعها تتجمع في المركز الوحيد المذكور (جرمز) وحيث الموظفين والدوائر التي تبدأ من بوابتها الرئيسة مسيرة الرشاوي والفساد، وقهر المواطن ونهب المزارعين.
8 ليحصل المزارعون على الدرجة المناسبة لنوعية قمحهم، ولا يأخرونهم لأيام في الدور، عليهم أن يدفعوا ما بين 100 إلى 150 ألف ليرة سورية على كل قاطرة، لضابط الدور، ومثلها لموظف التقييم، ومبلغ إضافي للذين وراء الطاولة والذين يمررون ويجهزون الأوراق، ونحن هنا لا نتحدث عن أجور العتالين، والمصاريف الجانبية، فبدون هذه الرشاوي ستظل محاصيلهم جامدة على القاطرات ليومين وأكثر أمام باب المركز، وهذا ما يحصل عادة، لأن قاطرات المحافظ وقاطرجي البالغة أعدادها يوميا قرابة المئة سيارة، تدخل إلى مركز جرمز وبدون نظام أو تحت حجة أنها حصلت عليها قبل أيام، فكل الأوراق الرسمية عندهم يختمونها شكليا إذا دعت الضرورة، وبالتالي يضطر المزارعون الكرد إلى دفع تكاليف إضافية على الحمولة، وهي قرابة 25 ألف ليرة سورية لليوم الواحد ستضاف إلى 400 -450 ألف ليرة أجرة النقل…
ملاحظة: بلغتنا ونحن بصدد نشر هذه الحلقة، أنه تم إغلاق مركز جرمز أيضا، وينشر الخبر على أنه تم باتفاق مع الإدارة الذاتية، وبدون معرفة السبب، وفيما إذا كانت مؤقتة، أم دائميه، وهل ستقوم بخدمة تجار الحروب، الذين سيفتح لهم المجال بالتحكم بالسوق وشراء المحاصيل بالأسعار التي يرغبونها، خاصة وأن معظم الفلاحين والمزارعين لا توجد لديهم أماكن مناسبة للتخزين، فسيضطرون إلى بيعها بأدنى الأسعار، وهي أفضل من احتمالية أن تحرق أو تنهب من قبل عصابات السلطة وأدواتها في المنطقة وخلايا داعش. ففي الحالة الأخيرة هل ستقوم الإدارة الذاتية بفتح مركزي محطة تربه سبيه والصوامع، أما لا؟ وإلا فإن الكارثة ستتفاقم، وعليه نطالب مسؤولي الإدارة الذاتية التصرف وبعجالة للقيام بواجباتهم، وإيجاد حلول سريعة والحد من تجار الحروب، وإلا فالتاريخ لن يرحم.
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
 mamokurda@gmail.com
10/7/2019م
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…