اللاجئين السوريين والقانون الدولي*

 مصطفى أوسو 

خلفية:

مع بداية الأزمة السورية وتفاقمها، وامتداداتها على كل مساحة الجغرافيا السورية، وما رافقتها ونجمت عنها من استخدام القوة والعنف وعمليات القتل والاعتقال والخطف والتعذيب بحق السوريين في مختلف مناطقهم، وما أدت إليه من تخريب مدنهم وبلداتهم وقراهم، وتدمير جميع مرافق الحياة فيها. 
ومع غياب أفق الحل وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، وتحولها إلى “دولة فاشلة”، عاجزة عن حماية أمن مواطنيها، وانتشار الإرهاب في طولها وعرضها، اضطر ملايين السوريين إلى الهجرة منها باتجاه الدول المجاورة، أو إلى الدول الأوربية، بحثاً عن الأمان والاستقرار وضمان مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم. 
مفهوم اللاجئ وحقوقه في القانون الدولي:
قامت الأمم المتحدة في إطار سعيها لمعالجة قضية اللاجئين – خاصة بعد تفاقم وزيادة الأعباء الناجمة عنها خلال الحرب العالمية الثانية وما تلاها – إلى إصدار “الاتفاقية الخاصة بـوضع اللاجئين” في 28 تموز/يوليو 1951، والبروتوكول الإضافي الملحق بها عام 1967. 
وقد حددت هذه الاتفاقية، مفهوم اللاجئين وصاغت حقوقهم وبينت الأسس القانونية لقضيتهم وكيفية التعاطي معها، فعرفت مادتها الأولى “اللاجئ” بأنه: (كل شخص يوجد، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلي ذلك البلد). 
أما حقوق اللاجئين التي نصت عليها، فهي: 1- حق التقاضي أمام المحاكم (المادة 16) 2- الحق في العمل المأجور والضمان الاجتماعي (المادتان 17 و 24) 3- الحق في السكن (المادة 21) 4 – الحق في التعليم الرسمي (المادة 22) 5 – حرية التنقل (المادة 26) 6 – الحق في الحصول على وئائق السفر (المادة 28) 7- الحماية القانونية من الملاحقة بجرم الدخول غير القانوني للدول الموقعة عليها (المادة (31) 8- حظر طرد اللاجئين أو ردهم (المادتان 32 و 33). 
وإذا كانت هذه الاتفاقية موقعة من (142) دولة، إلا أنها تعتبر ملزمة أيضاً بمعايير الحماية الأساسية فيها للدول التي لم توقع عليها، لأنها جزء من القانون الدولي العام. 
اللاجئين السوريين في البلدان/الدول المجاورة:
تؤكد الأمم المتحدة أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى هذه الدول يفوق خمسة ملايين، وأن العدد الأكبر منهم يتواجد في تركيا ولبنان والأردن، وأن هناك أعداد غير قليلة منهم في العراق ومصر ودول أخرى. كما وتؤكد أيضاً إن أعداداً متزايدة من هؤلاء اللاجئين يصلون إلى تلك الدول في حالة “مروعة” و “منهكة”، وأن هناك أيضاً بوادر ومؤشرات “مقلقة” على أن رحلة الخروج من سوريا أصبحت أكثر “صعوبة” و “خطورة”، بسبب: إقفال تلك الدول حدودها بوجههم ومنعهم من دخولها بكل الطرق، بما فيها إطلاق الرصاص الحي عليهم –  تركيا الأردن – وكذلك فرض “تأشيرة” الدخول عليهم – لبنان تركيا – وتعرضهم لعمليات الابتزاز والإهانة والضرب والاعتداء على الحدود. 
أما أوضاعهم في “مخيمات اللجوء” في هذه الدول، فأنها مأساوية جداً وغير منسجمة مع ما تقرره القوانين الدولية، ففي بعض تلك “المخيمات” يمنع خروج اللاجئين منها، إضافة إلى التجاوزات التي تجري بحقهم داخلها من قبل “قوات الأمن”، مثل: الإهانة والضرب والاعتداء والتحرش، وإدخال الأطعمة الملوثة والفاسدة واللقاحات السامة، التي أودت بحياة الكثيرين منهم – الأطفال خاصة – إضافة لحوادث الحريق التي تتعرض لها خيامهم. 
ورغم حالتهم البائسة هذه وحاجتهم وعوزهم، فإن حكومات هذه الدول تتغاضى عن الاستغلال الذي يتعرض له العمال اللاجئين منهم على يد أصحاب العمل – تشغيلهم برواتب زهيدة ومتدنية – وعدم الاعتراف لهم بالحقوق المنصوص عنها في القوانين الدولية، مثل: “التأمينات الاجتماعية” أو “التعويضات.
ويشار إلى أن هذه الدول لم تمنحهم – اللاجئين السوريين – الصفة القانونية التي تنص عليها “الاتفاقية الدولية لحماية اللاجئين”، وما يترتب عليها من حقوق، ك “توفير التعليم” و “الضمان الصحي” و “لم الشمل”، متهربة من استحقاقاتها بتسميات، مثل: ( نازحون، مهجرون، ضيوف… ). 
وفي الفترة الأخيرة  وبالتزامن مع إطلاق روسيا لـ “مبادرة عودة اللاجئين السوريين” وحراكها المتصل بذلك في عدد من هذه الدول، كَثٌر الحديث فيها عن ترحيل اللاجئين السوريين، حيث قامت بعضها – لبنان والأردن وتركيا – بترحيل عدد من اللاجئين السوريين فيها بحجج “التجاوز على القوانين وإثارة المشاكل”، علماً أنه في ظل الوضع القائم في سوريا، هناك مخاوف حقيقية على أمنهم الشخصي وحياتهم. 
نستطيع القول هنا: أن حكومات هذه الدول، لا تتعامل مع قضية اللاجئين السوريين إلا من منطلق الاستغلال السياسي، ولتحقيق أجنداتها الخاصة على حسابهم، ما يؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة بدل حلها، ولعل التدخل التركي في منطقة “عفرين” خير دليل على هذا القول. 

اللاجئين السوريين في الدول الأوربية والاسكندينافية:

في طريق رحلتهم الشاقة والمتعبة إلى هذه الدول، يتعرض اللاجئين السوريين للكثير من المخاطر التي تنجم عنها وقوع الآلاف من الضحايا، سواء الناجمة منها عن “الغرق في البحر”، أو “الضياع في الغابات والموت جوعاً فيها”، أو “المشاكل في مخيمات اللجوء في بعض دول العبور”، أو “حوادث الطرق وتسلق أسوارها هرباً من متابعة السلطات وملاحقتها” أو “الاختناق في السيارات والحافلات المغلقة”، ناهيك عن “العنصرية” و “الإهانة” التي يواجهونها في عدد من دول العبور – خاصة دول أوربا الشرقية سابقاً – وإذا كان صحيحاً أن من يصل من هؤلاء اللاجئين إلى هذه الدول يحصل بدرجة كبيرة  على “حقوق اللجوء فيها” بموجب القوانين الدولية، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود بعض التعقيدات والمنغصات المتعلقة ببعض القضايا، خاصة: “الإقامة” و “لم الشمل”، فقد لجأت سلطات هذه الدول في السنوات الأخيرة إلى تأخير منح اللاجئين فيها “الإقامة” وأحياناً منحهم “إقامة” لا يستطيعون بموجبها “لم شمل” عائلاتهم، بدون وجود أسباب ومبررات مقنعة لذلك، ما يشكل برأينا أيضاً مخالفة للقوانين الدولية. 

خاتمة:

عموماً الوضع الصعب والمزري للاجئين السوريين في كافة أماكن لجوئهم، يضع على عاتق المجتمع الدولي جدية العمل لتوفير مستلزمات الحماية القانونية لهم وفق القوانين الصادرة عن الأمم المتحدة، وخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 واتفاقية جنيف لعام 1951 والبروتوكول الخاص بها حول حقوق اللاجئين لعام 1967، مع أن هذه الجهود الدولية في قضية اللاجئين عموماً والسوريين خصوصاً، مهما كانت كبيرة وعظيمة، تبقى مؤقتة وغير كافية لحلها، لأنها ناجمة عن “أزمة”، لابد من حلها بشكل نهائي وشامل وفق القرارات الدولية المتعلقة بها، تؤدي في النهاية لعودتهم الطوعية إلى بلادهم. 

*نُشر في مجلة “زهرة الزيتون”

   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…