مقاضاة المسؤولين عن ضحايا مذبحة عام 1988 في إيران

 بقلم عبدالرحمن كوركي مهابادي*
من بين القضايا التي لاتزال غير مفتوحة فيما يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان في إيران تحت حكم الملالي هو قضية مذبحة أكثر من ٣٠ ألف سجين سياسي في عام ١٩٨٨. قضية مازال الناجون فيها يذرفون الدموع عليها ولديهم غصة في القلب منها.
في أحد اجتماعات المقاومة الإيرانية التي عقدت طيلة 5 أيام في اشرف الثالث في تيرانا، العاصمة الألبانية، وفي وسط جمهور مكون من عدة آلاف من أعضاء المقاومة و بحضور المئات من الشخصيات الدولية التي قدمت من أجل زيارة سكان أشرف والمشاركة في الاجتماع السنوي للمقاومة الإيرانية في هذه المدينة حديثة التأسيس، شارك الناجون من المذبحة الواسعة للسجناء السياسيين التي حصلت في عام ١٩٨٨ في إيران، آلامهم وأسرارهم غير المحكية مع المشاركين. وعلى الرغم من أن زوار أشرف كانوا مسرورين وسعيدين ومتطلعين للمستقبل، ولكنهم تأثروا بما سمعوه بخصوص مذبحة السجناء السياسيين من قبل نظام الملالي وحتى أن البعض همر الدموع حزنا على تلك القصص الحزينة.
هناك الكثيرون من أعضاء المقاومة الإيرانية الذين كانوا شاهدين على هذه المذبحة. وعندما كان يتحدث أي واحد منهم عما سمعه ورآه داخل سجون الملالي كان العديد من الجمهور المشارك يذرف الدموع. لأن شعور وتعبير هؤلاء الأفراد كان عما حدث خلال المذبحة التي تعتبر من وجهة نظر القضاء الدولي جريمة ضد الإنسانية وأحد الأمثلة البارزة للإبادة الجماعية، كما لو أن هذه المذبحة حدثت البارحة.
وفي الوقت الذي أطبق فيه الصمت الكامل على الجمهور الذي كان يستمع للشهود لكن وجوه الحاضرين فردا فردا كانت مرآة للوفاء للضحايا وللغضب على الملالي. هذه الوجوه كانت صورة واضحة عن هذه الحقيقة بأن الضحايا لن يتم نسيانهم و لا القتلة سيغفر لهم.
أحد الشهود قال بأن خلال أيام السجن كان يعرف خمسين امرأة من الذين تم إعدامهم وهم كانوا في مرحلة الحمل. وذكر العديد من ذكريات التعذيب الوحشي داخل السجون وحال الأطفال داخلها. وقال بأن مسؤولي السجن كانوا يعذبون حتى الأطفال حتى يجبروهم على تقديم معلومات عن آبائهم وأمهاتهم. وقدم شهادة بأن ١٥٠ شخصا من رفقائه السجن قد تم إعدامهم.
شاهد آخر أشار لعمليات الإعدام الواسعة ولشدة التعذيب وقال بأن ٧٠ شخصا من رفقائه في السجن تم إعدامهم. وشاهد آخر قال بأنه بعد خروجه من السجن من أجل مداواة كليته المتضررة وعندما عاد للسجن وجد أن جميع المسجونين في عنبره قد تم إعدامهم. وبعدها سمع أنه لم يبق أي سجين على قيد الحياة في المدن وجميعهم تم إعدامهم. خميني وجه حكما حينها للقضاة في المحافظات بعدم تحويل أي قضية لمراكز المحافظات، ويجب إعدام جميع المجاهدين في كل السجون.
ووفقا لما قاله الشهود فإنه تم إعدام العديد من السجناء الذين أنهوا فترة محكوميتهم من قبل الملالي. هذه المذبحة لم تستثني حتى الأطفال الصغار.  مدى وسرعة عمليات الإعدام المنفذة وصلت لحد، كما قال أحد الشهود، أُعدم عدة عشرات الأشخاص خلال رحلة الذهاب والعودة إلى مركز الرعاية الصحية. تحدث أحدهم عن مركز اعتقال يسمى “وحدة سكنية” وهو مكان كان يطبق فيه أشد أنواع التعذيب بحق النساء. وكما يقول الشهود فإن مذبحة السجناء لم تحدث بعد حكم المحكمة بل نفذت بعد الحكم الذي أصدره خميني من أجل إبادة مجاهدي خلق. وهذا الاثبات والوثيقة وصلت لوسائل الإعلام في وقت لاحق.
وجاء في أحد التقارير المتعلقة بالمذبحة بأنه كان يتم إعدام ٣٤٩ شخصا من كل سجن يحتوي ٣٥٠ سجينا. السيد مسعود رجوي، رئيس المجلس الوطني للمقاومة، كشف في برقية أرسلها للأمين العام للأمم المتحدة بأنه فقط خلال أيام ١٤ و١٥ و١٦ أغسطس تم نقل أجساد ٨٦٠ سجينا سياسيا تم إعدامهم في سجن ايفين طهران لمقبرة بهشت زهرا”.
وهناك العديد من التقارير المتوفرة التي تظهر أن نظام الملالي قام في بدايات عام ١٩٨٨ ذاته اعتقل مجددا وبشكل واسع السجناء الذين تم إطلاق سراحهم وقام بإعدامهم مباشرة. وفي نفس الشهر الذي بدأت فيه المذبحة، كشف رئيس المجلس الوطني للمقاومة في برقية للأمين العام للأمم المتحدة بأنه خلال فترة تنفيذ الإعدامات الجماعية بحق السجناء السياسيين بدأت موجة كبيرة من الاعتقالات السياسية في مختلف المدن الإيرانية وشملت أكثر من ١٠ آلاف شخص.
ولم يكتف خميني وعملائه بتنفيذ مذبحة السجناء السياسيين بل وأقدموا في المرحلة التالية على إزالة آثار هذه الإبادة الجماعية وقاموا بتغيير ملامح العديد من المقابر الجماعية وبالتوازي مع ذلك قاموا بتهديد عوائل السجناء حتى لا يبحثوا عن مقابر ومكان دفن أبنائهم.
هذا والعديد من الوثائق الأخرى تشير إلى أن هذا كان قرارا قطعيا من أجل تنفيذ مذبحة واسعة بحق معارضي الحكومة وخاصة منظمة مجاهدي خلق التي تشكل القوة المحورية للمقاومة ضد نظام الملالي. لقد تم الحديث حتى الآن كثيرا عن سبب هذه المذبحة حيث أن قسما من ذلك يرتبط بالنظام وعملائه وبهدف شيطنة الضحايا والمقاومة الإيرانية وليس لها أي أساس من الصحة.
هذه المذبحة التي بني أساسها على فتوى واحدة أصدرها ولي فقيه الملالي خميني، لم تقتصر على داخل الحدود وداخل السجون، بل إن إرهاب الملالي ضد المقاومة وقوتها المحورية تخطى كل الحدود الدولية حيث تصدر قرار إبادة المجاهدين قائمة مخططات الأجهزة الحكومية والعسكرية للملالي. بما في ذلك السفارات والإدارات والشعب التابعة لوزارة المخابرات سيئة الصيت، قوة القدس الإرهابية وممثليات الولي الفقيه في جميع مناطق البلاد. ولهذا السبب تجد أن جميع منفذي هذه الجريمة الوحشية ما زالوا حتى الآن يشغلون مناصب في الهيئات الحاكمة لنظام الملالي.
وحقا، لماذا أقدم خميني على تنفيذ هذه الجريمة، ولماذا لا تزال قضيتها غير مفتوحة حتى الآن؟!.
نظام الشاه الدكتاتوري أعدم مؤسسي منظمة المجاهدين وبعد سقوط نظام الشاه، خميني الذي سرق قيادة الحركة سعى لإبادة المجاهدين لأنه رأى نموهم المتزايد وتوسعهم الكبير داخل المجتمع الإيراني. لأنه رأى في المجاهدين أعداء له ولتياره بشكل أساسي وذلك لاستكمال العمل غير المكتمل للدكتاتورية السابقة ولولا ذلك لقد تم إغلاق سوق المتاجرة بالدين الذي يقوده الملالي للأبد.
ومن هنا، رأى خميني بناء وبقاء حكومته الدكتاتورية في إبادة هذا التيار وطالب قبل وفاته باقتلاع المجاهدين. ولهذا السبب أصدر حكم تنفيذ المذبحة بحقهم حتى يضمن بقاء واستمرارية حلم الخلافة للأبد. هذا الحكم كان فظيعا جدا لدرجة أن خليفته (حسين علي منتظري) لم يقبله ووقف حينها ضد خميني وقال بأن المجاهدين هم تيار فكري ولا يمكن إبادتهم من خلال قتلهم.  كلمة أدت إلى إزاحته من خلافة خميني وإلقاء القبض عليه حتى نهاية حياته.
وبهذا الشكل، فإن جريمة خميني وشرعية وأحقية المجاهدين انعكست داخل حكومة الملالي، وعجبا، أننا ما زلنا حتى الآن نرى في الغرب أن العيون أغمضت عن رؤية هذه الجريمة و الآذان سدت عن سماع أحقية وشرعية الوقوف أمام الملالي.
وحقا إلى أين وصل المجتمع الإنساني المعاصر وخاصة الحكومات والمحاكم الدولية ومجلس الأمن القومي في هذه القضية؟!. ألم يحن الوقت لفتح هذه القضية التي تتحدث عن الإبادة الجماعية الكبيرة. السجناء الذين تم إعدامهم أغلبهم من فئة الشبان الإيرانيين الذين التفوا بعد الخلاص من دكتاتورية الشاه حول منظمة المجاهدين وقائدهم المفضل مسعود رجوي، متطلعين نحو تحصيل حقوق شعبهم إحلال الحكومة الشعبية والوطنية.
وبنظرة إجمالية على السجناء الذين تم إعدامهم نرى هذه الحقيقة بأن هؤلاء المجاهدين والمناضلين كانوا مصممين وشجعانا ووضعوا حياتهم على أكفهم ولم يستسلموا أمام الملالي. وقفوا وصمدوا سجلهم التاريخ كخالدين. فهم كتبوا تاريخ شعبهم ووطنهم بدمهم وذهبت رسالتهم بعيدا وما زالت صيحاتهم في مسامع الأجيال الطويلة بأنه يمكن ويجب إسقاط الملالي. يمكن ويجب إعادة الحرية للشعب والوطن. يمكن ويجب رسم خريطة طريق لمستقبل إيران والإيرانيين من خلال التضحية والصدق والأمانة وإعادة جميع حقوق الشعب المغتصبة.
اليوم، يرى للعالم أجمع أن المجاهدين ما زالوا أحياء ولم ولن تتم إزالتهم و لم ولن يتم نسيان سجناء المذبحة. بل إن دماء السجناء ترسخت في جميع أنحاء إيران و تشكلت الانتفاضات من دماء كل سجين سياسي وسحبت نظام الملالي نحو خط النهاية.  كل سجين سياسي تم قتله في المذبحة ما يزال حيا في صورة الآلاف من أعضاء هذه المقاومة وفي حركة التقاضي التي تم الإعلان عنها من قبل رئيسة هذه المقاومة السيدة مريم رجوي، تعالت أسمائهم ورسالتهم وتم دعوة العالم كله للوقوف أمام هذا النظام الل إنساني والإرهابي.
منذ زمن طويل، لم ولم تكن طريقة وشخصية أعضاء المقاومة إلا هكذا، بأنه يجب أن يضحي بكل شئ ليجلب ويحقق كل شيء لشعبه، وهذا الأمر لا يليق أيضا سوى بعضو هذه المقاومة.
لطالما كانت حركة التقاضي لسجناء المجزرة في إيران جزءا من حركة المقاومة الإيرانية حيث تم التطرق لها في التجمع السنوي للمقاومة وستستمر حتى فتح هذه القضية في المحاكم وتحويلها لمجلس الأمن الدولي. ومما لا شك فيه، فإن فتح هذه القضية سيسرع من عملية التغيير في إيران وخاصة موضوع تغيير النظام في إيران. لأن جميع منفذي ومسؤولي هذه المجزرة ما زالوا يجلسون حتى الآن على كرسي السلطة في إيران ويستغلون الصمت وعدم الفعالية الدولية في هذا الصدد.
وقطعا لن يكون لحركة التقاضي سوى نصرا مصيرا، كما يجب تقوية وتعزيز هذه الحركة الإنسانية أكبر قدر ممكن. فهذه الحركة تسعى لتوجيه المجتمع الإنساني المعاصر نحو وظيفته الإنسانية. لأن الجميع يتحمل مسؤولية عظيمة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…