الكـورد وأزمـة الهـويـة و الشـراكـة الحـقـيقيـة في ســوريا !!

دلـدار بـدرخـان 
– بعد إتفاقية سايكس بيكو المشؤومة والتي قضت بموجبها تقسيم تركة الرجل المريض وإنهاء الأمبراطورية العثمانية والخلافة الإسلامية ، تم مصادرة الحقوق الكوردية و حقهم في تقرير مصيرهم في إقامة دولتهم كباقي القوميات التي عاشت تحت ظل و كنف الخلافة الإسلامية ، و أُلحقت المناطق الكوردية الواقعة شرق بحر الأبيض المتوسط و جنوب سكة الحديد بالدولة السورية التي تشكلت على أنقاض تلك التركة ، و أصبحت من نصيب فرنسا التي حكمت سوريا إلى عام الجلاء 1946 و التي أشرفت على تقسيم التركة العثمانية مع بريطانيا ، و قامت بترسيم حدود الدول المصطنعة بما فيها الدولة السورية .  
– بعد مئة عام من سايكس بيكو ومواظبة الكورد على تأكيد هويتهم الوطنية السورية وتكبد العناء في ذلك دون جدوى ، وإظهار وطنيتهم في مناكب شتى ، من حمل راية الثورة ضد الإنتداب الفرنسي والمشاركة في إستلام دفة الحكم ورئاسة الجمهورية السورية بشكل سلس ومترع بروح الوطنية و المسؤولية ، و المشاركة في إرساء دعائم الدولة السورية وبنائها وحماية ترابها ، إلا أنهم لطالما أصطدموا بالنزعة القوموية و لم يكن بمقدورهم الإحتفاظ بهويتهم الوطنية التي صادرتها الأنظمة العربية الشوفينية و العنصرية المتعاقبة على حكم سوريا ، و أجادت في زرع سموم العنصرية و إثارة المخاوف والقلاقل في نفوس العرب تجاه الكورد وخلق فجوة عميقة بينهم ، فلم يتمكن الكورد من بناء شراكة حقيقية تُلزم الطرف الآخر بالإعتراف بهم كثاني قومية تعيش على أرضها التاريخية في سوريا ، و على أنهم مكون أساسي بجانب العرب ، و إثبات أن الدولة السورية تشكلت على أنقاض التركة العثمانية التي قسمت معها الأراضي الكوردية المُكنى بكوردستان أرض الكورد وحضارتهم القديمة والمعروفة في سجلات العالم والمؤرخين وحتى في السجلات الدولة العثمانية ، ولم يستطع العرب تقبل الأمر والأعتراف بالحقيقة التاريخية المكشوفة و التي لا يمكن لأحد تزويرها .
– لقد تعرض الكورد خلال مئة عام لأعلى درجات الإنكار والحرمان من أبسط حقوق المواطنة في سوريا ، ومورست بحقهم دساتير أستثنائية عديدة جعلت من الكورد غرباء على أرضهم ووطنهم ، ومواطنون من الدرجة الأخيرة ، فالأوهام و المخاوف التي تلبدت أدمغة العرب السوريين خوفاً من مطالبة الشعب الكوردي بحق تقرير مصيره والأنفصال عن سوريا وإعلان الدولة الكوردية ، حفَّزتهم على مصادرة كامل حقوقهم في الدولة إلى درجة إنكار وجودهم وانتمائهم وامتداد جذورهم إلى هذه الأرض ، وتزوير تاريخهم في المنطقة ، حتى بلغ بهم الأمر إلى منع احتفالاتهم ومناسباتهم القومية والتعلم بلغتهم الأم وفي بعض الأحيان منعهم من التكلم بالكوردية ، بخلاف الأرمن الذين سُمح لهم بالتعلم بلغتهم ومزاولة شعائرهم واحتفالاتهم دون تضييق أو خناق مع أنهم لا ينتمون إلى هذه الأرض كما الكورد ، ورغم ذلك فلا ننكر حقهم في العيش و المواطنة ولا يمكننا مصادرتها منهم ما داموا يحققون شروطه ، إلا أن الأستثناء من كل حق جرى على الشعب الكوردي وتم سوقهم إلى جحيم الويلات داخل الوطن . 
– إن قيظ العنصرية و المخاوف التي لا تزال تضجّ مضاجع العرب السوريين تجاه الكورد حتى بعد إندلاع الثورة السورية ” نظام كان أو معارضة ” لا يمكن إخفائه وإخماده بأية وسيلة كان رغم تظاهرهم بعكس ذلك ، و ستبقى ثائرة في أفئدتهم وعقولهم ولا يمكن إخماده حتى لو مضى على الوقت مئات السنين ، وسيبقى الحذر من الشعب الكوردي قائمٌ من قبلهم ، ولن ينال الشعب الكوردي كامل حقوقه في المواطنة والحرية والعيش الكريم ، وسيبقى النقص قائم لا يمكن لأي دستور ضمان الحقوق كاملةً أو ضمان تطبيقها ، وهذا واقعٌ لا مفر منه حتى لو أردنا أن نقنع أنفسنا بعكس ذلك ، فعلينا  مواجهة الحقيقة رغم مرارتها ، وكاذبٌ من يقول أن الكورد شركاء حقيقيين في الوطن وسعرهم بسعر العرب وهم مواطنون من نفس الدرجة وسيتم الأعتراف بانتمائهم ووجودهم وحقوقهم و معاملتهم على أساس الحقوق والواجبات المتساوية ، فحرف ” س ” الإستباقية في الكلمات التي يتناولها الساسة العرب السوريين بشأن الحقوق الكوردية لا يعرف خفاياها إلا الله وحده ، لأن ما تم زرعه في العقول خلال عقود من الزمن لا يمكن أن يتم إزالته لأجيال متعاقبة ، والأمر ليس بيدهم فهكذا جُبلت عجينتهم ، والخطى التي ستمشي عليها الحكومات السورية تجاه الكورد لن تتغير ولن تتبدل أبداً ، لذلك على الطرفين إن كانا حريصين على ديمومة الأخوة والتعايش البحث عن طرق بديلة و كفيلة باستمرار سوريا موحدة وقوية ذات أساسات متينة بعيداً عن نصب الأحابيل والفخاخ للبعض ، وذلك من خلال عقد شراكة حقيقية ضمن سوريا فيدرالية شأنها شأن دول كثيرة في العالم كاستراليا والولايات المتحدة الأمريكية و بلجيكا و اسبانيا و كندا و ماليزيا وفنزويلا وبلدان كثيرة لا تعد ولا تحصى وجميعها تعيش في ظل دول متماسكة وغنية بثقافتها وتراثها ، وحتى الخلافة الإسلامية كان نظامها فيدرالي وأثبت هذا النظام فعاليته في مناكب عديدة تحدث عنها الباحثون والعلماء وأكدوا على نجاحه ، وغير ما ذهبنا إليه فلن يرى الشعب الكوردي هذا النور وطعم الحرية ، وكذلك الحال لن يهنأ العرب السوريين وستبقى سوريا بؤرة توتر ، و محل نزاع قائم إلى زمن لا يعلمه إلا الله .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…