وجوه قامشلي التي لم تكنْها «في زيارتي السنوية إليها صيف 2019 » – 13

ابراهيم محمود 
13- صيارفة قامشلي 
حتى الأمس القريب ” قبل أقل من عقدين من الزمن. أليس قريباً؟ ” كان من يضع قطعة نقدية ” ورقية ” من فئة الـ ” 1000 ل.س ” يعتبَر مستعرضاً ضرباً من الثراء لديه. الآن، أصبحت القطعة النقدية الورقية ” فئة الـ” 100 دولار أمريكي، لا غيرها ” محل تلك. حينها، انعدم، ولو محل صرافة واحد، علناً، في قامشلي، الآن، وكما لاحظت، هناك العشرات من محلات الصرافة، وهي فخمة بواجهاتها وديكوراتها، حيث الحرب، لا تزال هي القاعدة، والسلم الاستثناء، ولنا تصوُّر كيف تتكاثر القطط السّمان في ليل الحرب الطويل هذا !
يتطلب هذا الحدث ” الصيارفي ” أكثر من متابعة اجتماعية- سياسية- اقتصادية ونفسية، لمعرفة مستجد دولاري النَّسب كهذا. إذ كيف يمكن لدفوقات مالية، من وإلى قامشلي، خصوصاً، تقدَّر بعشرات الألوف من الدولارات يومياً، وفي زمن الحرب التي لا يؤمَن جانبها، دون السؤال عن حقيقة هذا” الداخل- الخارج، وبالعكس ” ويتكاثر ما سمّيته آنفاً بـ” قطط الحرب السمان ” ؟
أن نسمّي الجاري وضعاً طبيعياً، من خلال هذه المحلات/ المكاتب، مقارنة بأنشطة الناس الأخرى في البلد، طالما أنهم يعيشون حياتهم اليومية، تأكيداً على الأمن المستتب، فذلك أبعد من حدود مفهوم الوهم نفسه، أو مخادعة الذات. فلا بد من تحرّي الخطوط المرئية وتلك الخفية التي تضمن مثل هذه الأنشطة ” المالية ” وفي ضوء الخريطة السياسية للمنطقة والبلد ضمناً.
مدينة تفتَح أبوابها لكل صيغ التعامل: المالية وغيرها، أو تُتَّخذ قاعدة صيرفية، نظراً لاعتبارات يعلم بها ذوو النفوذ بمراتبهم” من يعملون في البيزنس “، كيف انتقلوا من مقام ” على الحديدة ” إلى مقام الوجاهة اللافتة، هي طفرة وليست بطفرة. ففي وسط جغرافي- اجتماعي- ديموغرافي، سياسي، واقتصادي كهذا، تتحول المدينة إلى بيضة القبان محكومة بقدرات هؤلاء، ليكون هناك المجال المفتوح لمعاينة كل أوجه الثراء المتوقعة، أو المنافسات التي تحيل كل شيء: الإنسان أولاً، إلى رهينة، مجرد مسهّل لتنتفخ جيوب عن بعد وعن قرب: عملاء، وسطاء، متحكمين عن بعد، أدوات عن قرب، سماسرة يضعون في حساباتهم التجارية ذات النسب الحربي ” السلمي ” في الواجهة، كل ما يمكّنهم من النفخ في الجيوب، وتحولهم إلى ذوي ألقاب معتبرة .
علينا، ولنا أن نفكر في خطوط إمدادات لدفوقات مالية هذه، لكل ما يمكن المتاجرة به، حيث ينتشر السماسرة وخدمهم وخدم خدمهم في نقاط مخطَّط لها، في ظل فلتان سعر كل شيء .
علينا أن ننظر في حمّى مضاربات العقارات ” البيوت الطوابقية ” وبطرق شتى، وفي الارتفاع غير المسبوق لأسعار المحلات المختلفة الوظائف، أسعار نارية، كأن يكون سعر المحل العادي وسط البلد” قامشلي  ” قرابة مليون دولار، والإجرة الشهرية أكثر من مائة، أو مائة وخمسين ألف ليرة سورية، وما يمكن أن يحصل، في الحراك المالي جرّاء ذلك .
أن نفكّر في عملية إدخال سيارات ” أحدث موديلات “، وما هو خفي، بضائع مهربة، مسمّومة.
أن نفكر في تلك الأماكن الخاصة لأصحاب الملايين ” ملايين الدولارات طبعاً ” ولياليهم الحمراء، وضروب المجون، أي وقد أصبحت القطط السمان ضواريَ مرهوبة الجانب .
كل شيء مسعَّر، وليس من شيء، إلا ويخضع لأكثر من مساومة، ليس من تسعيرة ثابتة، ليس من قانون يحتكَم إليه بصدد أسعار المواد، ليس من معاملة تمرّر دون إخضاعها لأكثر من عملية تسوية، وتسعيرة معينة، حسب نوعيتها، وجهتها، ووجهتها، ومغزاها .
هذه المحلات التي تشكلت فجأة كأورام سرطانية، دون أي تمهيد، أو تدريج، تعرّف إجمالاً بأصحابها، فهي، مثلما أنها ظهرت سريعاً، ستختفي سريعاً، عند حدوث ” هزة ” صغيرة، كما لو أنها لم تكن يوماً، خلاف مفهوم الصيارفة، أو مكاتب التحويلات المالية في المجتمعات التي تدقق في حساباتها، في كل قطعة نقدية، وما له صلة بغسيل الأموال الوسخ.
عندما يراد التأكد من مدى سلامة أي مجتمع، أخلاقياً، يسهل معرفة ذلك، من خلال طريقة تداول النقود، ونوعية العملة المتحكمة في السوق. وتبين الكارثي في اللعبة المريعة.
لم يصبح ” المال ” فتنة فحسب، إنما ضرب رقماً قياسياً أيضاً، حيث تعدى حدود الفتنة الوحشية هذه، فتنة مشرعنة، ومروَّج لها، ومطلوبة، ومرغوبة، حتى على أعلى مستوى. ويمكن لأي كان، أي من له صلة بالجاري، قطع الشك باليقين، عندما يراقب الحراك الداخلي لهذه المحلّات، ولو لبعض الوقت. وليحكم حينها!
……. يتبع
14- ميتات في الطريق 
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…