بايعنا السيد الرئيس يبيعنا السيد الرئيس

إبراهيم اليوسف
مازلت أتذكر تلك الشابة العراقية، التي استضفناها، ليوم، أو يومين، في بيتنا في قامشلي وكانت قد وصلت مع بقايا أسرتها الناجية من أحد حروب صدام حسين الأولى، بعد أن تم مقتل مايزيد عن عشرة أشخاص من أسرتها، بمن فيهم: أبوها، وأخوة وأعمام- وماعدت أتذكر التفاصيل جيداً- وكانت مع أسرتها قد قدموا من كردستان، ليتوجهوا في مساء اليوم التالي إلى دمشق، للالتحاق بمن لم شملهم، أو أمن لهم السفر إلى بلد أوربي، فراحت تكرر، أكثر من مرة، عندما يورد اسم صدام حسين:
الرئيس صدام الله يحفظه…!
فكنا ننبهها، في كل مرة، وتخجل، بيد أنها تكرر الخطأ نفسه، فحاول صديقي الذي كان يرافق بقايا الأسرة، ولربما بتكليف من الحزب الشيوعي العراقي- أن يعتذر لنا، فقلت له بحزن جد كبير:
أنا أتفهم أمرها، وأمركم جميعاً
هذه الحالة تذكرتها، تماماً، وأنا أتابع البلاغ الحربي التلفزيوني التعبوي، الذي أعده مذيع التلفزيون السوري، عبر استنطاق بعض المتداعين أو المدعوين إلى – تمثيلية السبع بحرات- في قامشلي، وكذلك وأنا أتابع مقطع فيديو لعناصر من جيش أبي شحاطة، وهم موزعون في شاحنتين ثقيلتين مسرعتين، على أحد الطرق العامة، في منطقة سري كانيي/ رأس العين، أو تل تمر، مشيدين في الحالة الأولى ببشار الأسد، أو مرددين في الحالة الثانية اللازمة المعلوكة:
بالروح بالدم نفديك يابشار….!
وإذا ذهبت أبعد من هذه الاستذكارية، وذين المشهدين المتلفزين، واستعرضت، ولو سريعاً، بما يمكن أن يصل قارىء مجرد وقفة سريعة، فإن بشار الأسد، حتى ولو لم تسل بسبب كرسيه قطرة دم سورية واحدة، فإنه مع الأشهر الأولى للثورة السورية كان قادراً على أن يسوي أمر أبناء المنطقة الكردية، بمكوناتها المتحابة، المتآخية، لولا شرور خططه وفكره الذي أنتجه: البعث العنصري، بعدم تركهم وشأنهم، بل حل كل مطالبهم، وتشكيل حالة مكانية يؤدي خلالها كل امرىء دوره: الكردي والعربي والمسيحي والمسلم وحتى الإيزيدي الكردي، إلا أنه تصرف معهم وكأنهم ورقة يانصيب، مؤجلة، ممكنة العودة إليها، إن تهيأت له سبل ديمومة سلطته، غير مكترث بالمصير المجهول الذي ستؤول إليه أحوال جميعهم.
إن الإعلام السوري، المستأسد، المضلل، يحاول أن يعيد بث الروح في صورة بشار الأسد، بعد أن تجاوزه الزمن، وبات مجرد كائن آلي، يحرك بوساطة الريموند كونترول، من خلال اعتباره منقذاً، مخلصاً، في الوقت الذي يعد هو رأس بلاء كل السوريين، وكل من تفرخ عنه وعن نظامه من معارضين له على كرسي سلطته، تبين أن كثيرين منهم يبزُّه في الجوع إلى السلطة، والعطش إلى الدم، وسرقة الناس، وابتزازهم، ولسان حال أولئك المصفقين المكرهين:
 لقد بايعنا السيد الرئيس ولكن السيد الرئيس باعنا، في منتصف الطريق، وها هو يسعى لإعادة الكردة، وهي محاولة لاستعادة مجده، لا مجد بلد جريح، مهيض الجناحين، محتل بأكثر من احتلال
أية مبايعة، ترى، لرئيس منهزم، وما استمرارية حكمه إلا لأن هناك دولاً تلقفت حكمه وباتت تمنح سلطته بعض الأنفاس الأخيرة، إلى أن يتم تسليم دفة هذه السلطة لمن يتم التوافق عليه لخدمة مشاريع جميعهم، بعد أن غدا منبوذاً من قبل جميعهم

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…