مجيد خليل شيخموس*
منذ بداية الأزمة السورية جرت مفاوضات بين المجلس الوطني الكردي(ENKS) و المعارضة السورية المتمثلة بالمجلس الوطني السوري الذي اخذ اعترافا دوليا آنذاك، ولكن هذه المفاوضات لم تصل الى النتيجة التي كان يسعى له المجلس بل كافة اطر المعارضة (المجلس الوطني السوري، وهيئة التنسيق) لم يجد فيهم المجلس ذلك الحد المرجو من مطالبه ولعل اهم نقطة اختلاف كانت حول اللامركزية السياسية (الفدرالية)، الذي يراه المجلس حلا لسورية الجديدة وضمانة لحماية الكرد في سوريا المستقبلية. وفي تشرين الثاني من عام 2012 تم الاعلان عن تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والذي انخرط فيه المجلس كعضو ممثل عن الكرد في سوريا ببرنامجه السياسي القائم على ثلاث بنود رئيسية ( الاعتراف الدستوري بالهوية الكردية وخصوصيتها ، الغاء كافة السياسات العنصرية المطبقة على الكرد من قبل الحكومات السورية التي تعاقبت على الحكم ، الفدرالية هي الحل الأمثل للقضية الكردية وسائر مكونات الشعب السوري وضمانة لها).
بالرجوع الى الوثيقة المنبثقة من الاتفاق بين الطرفين، الذي جاء في ستة عشر بندا، حيث أكد الائتلاف فيه بالاعتراف الدستوري بالهوية القومية للشعب الكردي في سوريا والغاء كافة السياسات والمراسيم العنصرية ومعالجة اثارها وتعويض المتضررين منها ، وان نظام الحكم هو جمهوري برلماني يقوم على مبدأ المواطنة واعتماد اللامركزية الادارية مع تعزيز السلطات المحلية، وايضا تطرقت الوثيقة الى الأخوة الكردية العربية والعمل المشترك والكثير من الحشو الشعاراتي ، وابدى المجلس تحفظه على مبدأ اللامركزية الادارية والتمسك بالفدرالية التي لم تذكر في الوثيقة من الاساس، وعلى الرغم من ذلك انضم المجلس الى الائتلاف وشرع بالعمل معه منذ تشكيله والى الآن. ان الهدف من هذه المراجعة هو تسليط الضوء على ما جاء من العمل والاتفاق المشترك بين الطرفين، وما هو موجود على ارض الواقع وخصوصا في عفرين الكردستانية التي تدار حاليا من قبل فصائل وميلشيات ذات غطاء سياسي من قبل الائتلاف المدعوم بدوره عسكريا من قبل قوات الجيش التركي المحتل للمدينة. ان الواقع في عفرين جاء ليضرب هذه الوثيقة عرض الحائط ، بفعل انتهاكات تلك الميلشيات التي ترتكب افظع الجرائم ضد الكرد بشكل يومي من حالات خطف وقتل وطلب فدية وتهجير وما الى ذلك من اعمال مافيوية عصاباتية، وان كانت حجتها في الدخول اصلا هو حزب الاتحاد الديمقراطي لماذا الاستمرار في هذه الانتهاكات اذا لم تكن تخفي ورائها اجندات داخلية وخارجية تهدف الى تطهير المنطقة من السكان الاصليين واغراقها بالعرب النازحين من المناطق الاخرى بشكل منظم وممنهج، الى ان اصبحت محمية او مستوطنة لا تختلف عن مشروع الحزام العربي الذي طبقه النظام في الجزيرة بهدف تعريبها وافراغها، ولكن في الحالة الجديدة هي خليط ومزيج متجانس من التتريك والتعريب على حد سواء وان اختلفت الاساليب ولكن النتيجة واحدة في المضمون ، والاخيرة افظع منها بكل تأكيد وبدعم خارجي تركي. على الرغم مما حدث وسيحدث ايضا لم يظهر لنا المجلس سوى جملة من البيانات الخجولة التي لا تقدم ولا تأخر من شيء، سوى البقاء على الوضع الراهن ولم يتنازل حتى لوصف دخول القوات التركية الى الاراضي السورية بالاحتلال وهي وصلت الى درجة الاستيطان بفعل التغيرات الديمغرافية التي تعمل بها تلك الميليشيات الى ان اصبحت تلك المناطق التي تخضع لنفوذها وكأنها ولاية تركية بفعل اللون الاحمر الذي يزين الشوارع و المدارس وكافة المعالم ، والدم الذي يسفك في كل بقعة من عفرين. أكل هذا غير كافي لمراجعة الذات ؟! بل ما يزيد من الموقف خجلا هو ما خرج به المجلس علينا باجتماعيه الأخيريين مع الائتلاف واحدة باسم الناشطين الكرد والثانية باسم اهالي عفرين بحضور أنس العبدة الرئيس الجديد للائتلاف ونائبه وكذلك ممثلي المجلس في الهيئة السياسية، لمناقشة الاوضاع في تلك المناطق. في كلا اللقاءين اكد المجلس على تمسكه بالعمل مع الائتلاف والترويج لسياساته وهي من احد البنود في الوثيقة سابقة الذكر، وفي المقابل لم يتحدث الائتلاف سوى عن تلك الشعارات الخلبية من شراكة، وتمتين العلاقة بين المكونات السورية، وان الاتفاق بين الطرفين هي عبارة عن نقلة نوعية نحو سوريا المستقبل. ومن الملفت للنظر ان ممثلي المجلس تحدثوا وكأنهم لا يدرون بما يجري على طول الحدود السورية التركية من انتهاكات واضحة من قبل الثانية، وتحدثوا بكل رومانسية وشاعرية التي نادوا بها جمهورهم بالابتعاد عنها، وكل من يرى في الوجود التركي احتلالا، والتفكير بواقعية. لا نعلم ما هو الواقع في وجهة نظرهم، ولا نعلم هل تفضلوا يوما او استطاعوا ان صح التعبير بزيارة الواقع )عفرين) ، او كما يقال لكل نمط من المعيشة نمط من التفكير؟! ولا نعلم متى سيتم مراجعة النفس من قبل المجلس لتقييم الأداء وتقويمه، حيث لم نرى في التاريخ نموذج واحد اهتدى به طرف سياسي ما ، كما يهتدي به المجلس(السكوت والتبرير) ويمليه على انصاره بكل برودة ،ومتى يدرك ان استمراره مع الائتلاف بهذه الصيغة هو شرعية ضمنية لتمثيله للقومية الثانية في البلاد وسائر المكونات، وترويج جيد جدا لقيادته الجديدة وافعالهم ضد الكرد في هكذا اجتماعات، ولا نعلم هل من المنطق ان تقتل وتسلب وتختطف وينتهك عرضك يوميا بيد جيرانك و تخرج للناس وتعلن انها اختراقات فردية و ليس من مصلحتنا الرد عليهم وعلى من يمدهم بالتخطيط والادوات اللازمة للتنفيذ حتى لو بقدر حجمنا البسيط وامكاناتنا الكلاسيكية الهزيلة؟! ولا نعلم ما هو المنتظر من كيان يصرح لأهالي عفرين بأنه لو استطاعوا التحكم بتلك الفصائل وما يفعلونه بالمدينة، كاعتراف ضمني بعدم القدرة على ادارة منطقة فكيف سيديرون بلد؟! ولا نعلم ما دورنا في المنطقة الآمنة التي يكثر الحديث عنها في هذه الايام ونأمل الا نكون مروجين ومتفرجين ومهللين لطرف معين دون ان يكون لنا قيد انملة في النموذج الذي يحاك للمنطقة الآمنة، ولا نعلم الى متى سوف تكون لعنة الجغرافية شماعة لتعليق فشلكم، والى متى ستدركون ان القضية ونجاحها تكمن بالصراحة مع انصارها وليس بالاختباء خلف ستائر الغير، والى متى سوف يظل الكردي لاهثا لنصرة غيره بعد كل هذه التضحيات.
*خريج كلية القانون والسياسة، قسم العلوم السياسية ، جامعة التنمية البشرية في محافظة السليمانية، اقليم كردستان العراق.