د. محمود عباس
استمرت الحملة المعادية للشراكة الوطنية على مدى عقود طويلة:
أولا، لان حملتها كانوا كرداً، فتأييدها كان يعني الاعتراف بالوجود الكردي، قضية وشعبا وجغرافية.
ثانيا، لأن الوطنية على حقيقتها، وكما يقدمها الكرد، ترفض التعريب والأسلمة دستوريا، ولم يكن المكون العربي يعرف أو يعترف بوطن دون هاتين الدمغتين.
ظلت الأنظمة العربية في سوريا على موقفها الرافض مقابل إصرار الحراك الكردي على أن تكون سوريا وطن للجميع، إلى أن خرجت قضيتنا إلى الساحة العالمية، وطرحنا لإنقاذ سوريا، لا مركزيتها السياسية، وأثبتنا أن فيدراليتها هي أفضل الأنظمة لمستقبل شعوبها، وبناءها بصدق ونزاهة.
وعلى أثر هذه النقلة الكردية النوعية في الأبعاد السياسية، والتي تلتها الانتصارات الكردستانية العسكرية على أقذر منظمة إرهابية في العالم، بدأت الأطراف العروبية، المعارضة والسلطة كل من جهتها، بالتعامل مع الحراك الكردي في سوريا ولكن بأساليب جديدة ماكرة، منها كما ذكرنا سابقاً:
1 المزاودة علينا بالوطنية المرفوضة حتى قبل سنوات، ومن جهة أخرى تصعيد حملة اتهامنا بالتوجه نحو الانفصال.
2 إلى جانب غيرها من الاتهامات الجانبية الكيدية: كتهجير العرب من المنطقة الكردية، أو كما يدعون وتحت صفحات من التاريخ المحرف أنها مناطقهم، وديمغرافيتهم هي الغالبة، متناسين قرن من التهجير والتعريب والاستيطان القسري، والكل يعلم أنه هناك أكثر من خمسين مستعمرة عربية، بناها البعث في السبعينيات من القرن الماضي، وهي الأن تتجاوز المئة والخمسين، بسبب ظروف الحرب، وهي محمية من قبل الإدارة الكردية، إلى جانب قرابة المليون مهجر من الداخل السوري والرقة ودير الزور وريفيهما، يعيشون في المدن والمنطقة الكردية، ولم تظهر أية حالة اعتداء أو تهجير بحق أي فرد منهم، بل يعاملون معاملة أبناء المنطقة إن لم يكن أكثر، أما ما يتهمون به فهي حالات تلت مرحلة الصراع مع منظمة داعش وهي كانت خلايا نائمة لها، وهناك الكثير منها لا تزال تعبث بأمن المنطقة حتى هذه اللحظة.
3 الاعتداء على المكون العربي في المناطق التي حررت من داعش، وهنا يتم خلط للأوراق، وتلاعب بالمعلومات، رغم محاولات تأكيدها بالأسماء والأماكن، مع تغييب الأسباب والخلفيات. فالجرائم التي حدثت بيد القوات الكردية، كانت في بعض المناطق الكردية، وبحق الكرد، وليس بالمكون العربي أو أي مكون أخر في المنطقة، وهي مدانة، وسيحاكمون عليها يوما ما. مع ذلك ما تم في المناطق التي كانت بيد داعش، وحيث المكون العربي، لا يمكن أن نقارن ما جرى أثناء المعارك مع داعش، الذين كانوا يتمترسون خلف المدنيين وبعضهم كانوا ضحايا الصراع الدموي، بجزء بسيط مما فعله الجانبين العربيين.
بلا شك، أي اعتداء على مدني جريمة لا تغتفر، ولكن وللأسف، نقولها وبألم، في ظروف الحرب تنعدم المحاكم والمسؤوليات، وخير مثال، ما تم ويجري حتى الأن، بين المعارضة والسلطة، والتي راحت ضحيتها قرابة نصف مليون سوري، جلهم من المدنيين، وهم الأن يتحاورون على السلطة، ومسؤولية الجرائم المدنية تأتي في الدرجة الثانية أن لم تكن الثالثة والرابعة.
فرغم أن الجريمة مدانة على سوياتها إن كانت لشخص في غابة أو لشعب أمن، لكن أن يضعهما البعض من المثقفين العرب في خانة واحدة، بل وفي مثالنا المشار إليه، يتم التركيز على أشخاص ويتناسون موت شعب كامل، فهي ليست بأكثر من سذاجة وتلاعب بمفاهيم الناس. مثلها مثل أتهام قوات قسد أو الـ ي ب ك بقتل طفل بحضن والده وعن سابق قصد، مع ذكر الاسم، ولا أظن أن عاقل سيصدق هذه التهمة، على أن الكرد يقتلون الأطفال! فعلى مدى أكثر من مئة عام من الصراع الكردي مع السلطات العروبية، في العراق على سبيل المثال، رفضت القيادة الكردية أن تقوم البيشمركة، بعمل يخل بالقوانين الدولية أو يتم فيه الاعتداء على مدني، حتى بعد جرائم الأنفال وحلبجة، رفضت القيام بالمثل، ليس فقط مع المدنيين العرب الذين احتلوا مناطقهم في كركوك وبهدينان، بل حتى مع الأسرى العسكريين، وعلى هذا شهد الجنود الأسرى في أكثر من مناسبة. فالتهمة مرفوضة، علما أن قيادة الإدارة الذاتية أو قيادة قسد، بإمكانها أن ترد على هذه الاتهامات، وأنا هنا فقط وددت وباختصار توضيح البنية الثقافية التي ينطلق منها الكردي في صراعه مع محتليه.
رغم هذا، فالإخوة المتربصين من العرب (لا نشمل، سنأتي على هذه الإشكالية لا حقاً) يركزون على الكرد، ليس من البعد الإنساني بقدر ما هو حقد قومي.
نكرر هنا، فالأخطاء التي قامت بها هذه القوات، للكرد وحدهم الحق بمطالبتهم، والتحقيق معهم، وليست بأكثر من خباثة إلى جهالة لمؤيدي داعش أو المعارضة التكفيرية العروبية مطالبة قوات قسد أو الـ ي ب ك بالتحقيق في إشكاليات ربما حدثت بسبب ظروف الحرب الكارثية، تحت غطاء الوطنية والعيش المشترك، وفيما إذا كانت قد حدثت، فهي لم تكن أكثر من تصفية لبقايا داعش، وهؤلاء الأخوة من المثقفين العرب يتناسون، وفي خضم هذه الاتهامات، ما جرى في كوباني وغيرها من المدن والقصبات الكردية، وما يجري اليوم في عفرين، وهما خير شاهدتين على ما قامت وتقوم به هذه الفصائل العربية التكفيرية المدعية بالوطنية، مثل نسيانهم لما حل بالشعوب السورية ومدنهم المدمرة، عند حضور القضية الكردية، فلو كان لديهم قليل من النخوة الوطنية كما يدعون لوقفوا مع الكرد في بناء الوطن، وساندوا الأمان الذي أحاطوهم به، مقدمين لأجلها أكثر من 11 ألف شهيد.
اتهاماتهم هذه، وقبلها تحريفهم للثورة السورية المؤدية إلى نقل الصراع ما بين السلطة والشعب على النظام، إلى صراع طائفي مذهبي، بين السلطة والمعارضة التكفيرية، ومحاولاتهم اليوم وبسند تركي- قطري وبمساعدة شريحة من المثقفين المتلاعبين بعقولهم أو مرتزقة، نقلها إلى صراع عربي -كردي، نبهت الحركات الإنسانية العالمية والدول الكبرى، على أن المعارضات العروبية التكفيرية ليست بأفضل من السلطات التي تحاربها، ولا حملة الشعارات الوطنية من المعارضة العربية بأفضل من سلطات القوميين العروبيين…
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@mail.com
25/8/2019م