التقرير السياسي الشهري للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا

حدثت ردودُ أفعالٍ عديدة لدى الأوساط السياسية المعنية والمختلفة في توجُّهاتها، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا، حيث رحّبت روسيا وحلفاؤها (إيران والنظام السوري) بإعلان الرئيس الأمريكي، واعتبرته خطوة في الاتجاه الصحيح، وحتى تركيا رأت في هذا الإعلان مجالاً جديداً قد تستثمره لمصلحتها سواء في الإحلال محلها أو في تسهيل الاجتياح للمناطق الأخرى المتاخمة لحدودها، الأمر الذي أثار قلق مكوّنات المنطقة المعنية كافة (كرد، عرب، سريان) في خشية من تكرار سيناريو (عفرين ومناطقها)، لكن عدم الانسحاب المباشر لتلك القوات ما سهل الأمر أمام الإدارة الأمريكية في التصرُّف بروية وتأنٍّ بغية تجيير القرار في خدمة سياساتها الإقليمية والدولية، وفي توجيه سهام العملية نحو الخصوم ولمصلحة حلفائها الإقليميين..
في هذا السياق، فإن الإدارة الأمريكية تسعى لإعادة تركيا إلى موقعها الاستراتيجي كحليف تاريخي لها، تارة بتقديم التسهيلات اللازمة لها لطمأنتها في أمن حدودها، وأخرى تهديدها بالحروب الاقتصادية، (أي إتباع سياسة العصا والجزرة) أو سياسة التهديد والترغيب، وتركيا تعلم يقيناً أن إيران على خصام تاريخي لها، وهكذا روسيا، ولو أنها قد التقت (في استانا وسوتشي) وبشكل آني ومرحلي، بمعنى أن أمريكا تستهدف تفكيك هذا الحلف الثلاثي المؤقت (روسيا، إيران، تركيا) وبالتالي الإيقاع بين هذين الأخيرين، لدعم موقفها حيال إيران الذي قد يرتقي إلى حدّ المواجهة بينهما عبر الوكلاء الإقليميين.
تركيا من جانبها تسعى بكلِّ جهدٍ لاستغلال موقعها في التّماهي مع الجانبين الأمريكي والرُّوسي بغية تعزيز أجندتها، وهي اليوم تتّجه نحو تحقيق هدفها المنشود «بناء منطقة آمنة» حيث حازت على الموافقة الأمريكية، وتجهدُ لتحقيق التوافق في هذا الصدد مع روسيا التي تسعى لتكون المناطق المعنية تحت سيطرة النظام، لكنها على الأغلب ستحاول هي الأخرى إرضاء تركيا كي تحافظ ولو نسبياً على علاقاتهما المشتركة، ويبقى الأمر فيمن يحمي هذه المناطق؟ وهل بناء المنطقة الآمنة يحتاج إلى قرار دولي ومن ثم الحماية الدولية؟ أم يكفي التوافق الثلاثي الأمريكي التركي الروسي، وبالتالي تهيئة قوات من المعارضة الوطنية السورية لتغطية تلك المناطق في الحماية والدفاع عنها، بمعنى أن هذا الموضوع ما زال قيد التداول والدراسة العميقة، وأن هناك أكثر من سيناريو ينتظر لتوفير الحماية لتلك المناطق، وعلى العموم يبدو أن سيناريو عفرين مستبعد في التكرار والإعادة.
أما إيران، فترى أن قضايا الوضع السوري تسير في غياب دورها، أو أن جانباً هاماً منها تستهدفها ابتغاء عزلها، حيث اشترطت أمريكا ومعها إسرائيل على الجهات المعنية وخصوصاً روسيا سحب القوات الإيرانية من سوريا أو إبعادها على الأقل عن حدود إسرائيل ، فروسيا ستتولى مهمة إخراج إيران من الملف السوري لكي تحظى بحصّة من إعادة الإعمار وتطمئن الدول المانحة (الخليج) وترضي أمريكا، هذا إلى جانب المساعي للحدّ من دورها في المنطقة وخصوصاً سوريا والعراق واليمن، ومؤخّراً اتّخذت أمريكا العراق موقعاً لها لمراقبة التحركات الإيرانية عسكرياً وسياسياً، رغم احتجاج بعض المسؤولين العراقيين وفي المقدّمة منهم رئيس الجمهورية (السيد برهم صالح)، لكن دون جدوى حيث أمريكا لا تبالي، وقد تستمر في الضغط على إيران في الداخل والخارج وعلى مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث العقوبات الاقتصادية تتصاعد، مع استنهاض القوى القومية وحشود الفقراء في اعتصامات وتظاهرات مستمرّة ودائمة وفي معظم المحافظات والمناطق الإيرانية، هذا إلى جانب دعم وتعزيز دور المعارضة الوطنية سياسياً وعسكرياً.
في العراق، رغم كلّ الجهود والمساعي المبذولة من أجل توفير عوامل التآلف والتوفيق بين الأطراف والكتل السياسية سواءً لجهة دعم حكومة السيد عادل عبد المهدي أو ابتغاء الحد من قضايا الخلاف والعمل معاً من أجل خدمة العراق وتطوّره، رغم كل تلك الجهود الحثيثة تبقى هذه القضايا الخلافية في معظمها ماثلة وعائقة أمام التناول الجدّي للملفات الساخنة والهامة بما هي مسائل الفساد المالي والاداري وغيرها، هذا إلى جانب التدخُّل الإيراني وتأجيج المسائل الخلافية بين الأطراف المتنازعة والمنقسمة على نفسها بين الموالين لإيران والمُناوئين لها.
ومن الجدير ذكره أن سيادة الرئيس مسعود بارزاني في زيارته الأخيرة لبغداد قد تمكّن من حلِّ العديد من القضايا الخلافية وخصوصاً بين بغداد وأربيل، بما هي الموازنة العامة ووضع كركوك والمناطق الأخرى المسمّاة المتنازع عليها وغيرها من القضايا.
أما إقليم كوردستان، فإن النشاطاتِ مستمرةٌ وقائمة على قدمٍ وساق، سواء لجهة المسائل الداخلية الخاصة بالإقليم من حيث المتعلق منها بالبرلمان أو الحكومة أو الرئاسة المستقبلية، ويبدو أن التّوافُق قد حصل على معظم تلك القضايا، ولاسيما المُتعلّقة منها بالرئاسات الثلاث وحتى بتشكيل الحكومة المقبلة، أما لجهة القضايا الخارجية فقد أصبح الإقليم ملتقى السياسة الإقليمية وحتى جوانب دولية، حيث يقصدها وزراء خارجية الدول العظمى إلى جانب رؤساء بعض الحكومات الهامة، ومن المنتظر أن يزورها آخرون في وقت لاحق، هذا إلى جانب الوفود السياسية الأخرى من المعارضة الوطنية السورية، ومن القوى السياسية الأخرى، ما يعني أن إقليم كوردستان بطبيعته السياسية المتقدّمة شعباً وحكومة وبرلماناً، إلى جانب أن الرئيس المناضل مسعود بارزاني قد غدا مرجعاً سياسياً لشعبنا الكردي، فقد حظي باهتمام الجهات السياسية الهامة سواءً في اتخاذ القرار السياسي أو في الترتيب لمستقبل المنطقة السياسي والاقتصادي.
وفي كوردستان سوريا، رغم الجهود والمساعي الجادة التي بذلتها الهيئات واللجان المعنية لدى القوى الدولية الصديقة، ولدى مؤسسات المجتمع المدني ومنظّمات حقوق الإنسان، وحتى الهيئات المعنية التابعة لمجلس الأمن الدولي، رغم كل ذلك ماتزال معاناة شعبنا الكردي في مدينة عفرين والقرى والبلدات التابعة لها مستمرة حيث يعاني الأمرّيْن جرّاء الانتهاكات المستمرّة من لدن الأوساط الشوفينية والعنصرية المسيطرة على مقاليد الأمور من نهب وسلب ومظالم بأشكال مختلفة، كما أن المهجّرين يعانون من وطأة الشتاء ببرده وأمطاره فضلًا عن افتقارهم لأبسط مستلزمات العيش والحياة، هذا ناهيك عن الجهود الجائرة المستمرة من أجل تغيير الطبيعة الديمغرافية للمنطقة.
من جانب آخر، هناك قلقٌ سائدٌ لدى عموم مكوّنات المنطقة كما ذكرنا جراء الجهود والمساعي الدولية والإقليمية من أجل بناء المنطقة الآمنة في شرقي نهر الفرات ومناطق من كوردستان سوريا، وخصوصًا لدى أوساط معيّنة خشية ضرب مصالحها، ومن الملاحظ بوضوح أن تحرُّكات سريعة تحصل على أكثر من صعيد بغية الاتيان بخطة بديلة سواء من خلال التوافق بين النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي p.y.d وجهات أخرى، أو من خلال أمريكا في سعيٍ للتّصالُح مع تركيا، خاصة بعد إحياء اتفاقية أضنا لعام 1998 بين سوريا وتركيا، وهناك جهود إقليمية لتجمع بعض أنظمة دول المنطقة في هذا الصدد، وعلى العموم فإن الأمر أكبر من مثل هذه التحرُّكات المُريبة النابعة من خلفيات أيديولوجية أو عنصرية بحتة مضى زمنها.
في هذا الصّدد، بدا واضحاً للجميع أن البقاء للأفضل دوماً، ولا يصحُّ إلا الصحيح، وأن المرحلة تتطلّبُ منّا جميعاً سواء في حزبنا الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، أو في مجلسنا الوطني الكردي، أن نسارع الخطا باتّجاه تضافُر الجهود سياسياً ودبلوماسياً،ومجتمعيا الى تشكيل نموذج جديد وفق اتفاق سياسي وإداري وعسكري مشترك يتشارك فيها جميع مكونات المنطقة القومية والدينية والقوى والفعاليات المختلفة وبإشراف دولي تحظى باترام الجميع، وتعمل على خدمتهم وتساعد على عودة المهجرين، وتطمئن دول الجوار والمعنيين بالشأن السُّوري تمنع عودة الاستبداد، وتلقى رعاية وضمانة دولية لأنّ المستقبلَ لنهجنا نهج الكوردايتي وللمشروع القومي الكوردستاني الذي يقوده الرئيس المناضل مسعود بارزاني ..
8/2/2019 
المكتب السياسي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…