إتفاقية أضنة بين القانون و السياسة.. فرض عين أم أثرٌ بعد عين

عماد الدين شيخ حسن
 الإتفاقية أو البروتوكول أو المعاهدة المسمّاة ( أضنة ) نسبةً إلى المدينة التركية التي استضافتها ، حظيت في الآونة الأخيرة بنصيبٍ لا بأس به من الجدل و الاهتمام من قبل الساسة و وسائل الإعلام و عموم العامةّ و من تطالهم أثارها و تبعاتها خاصّة .
 لذلك رأينا من الأنسب أن نبحث في أسباب ذلك و مناسبته، و أن نسلّط الضوء على أهم ما يحيط بهذه الإتفاقية و مضمونها من جوانب و أبعاد، ولا سيما سياسية و قانونية، إضافةً الى بيان ما تحملها أو ما يمكن أن تحملها و تتولد عنها من آثار و تبعات مستقبلية .
 إتفاقيّة اضنة و كما نعلم كانت وليدة وساطةٍ مصريةٍ إيرانية فرضتها حالة بلوغ التصعيد و التأزم إلى أوجه في العلاقات بين سوريا و تركيّا ، نتيجةَ جملة من الاسباب و التراكمات ، لعلّ أبرزها و بإختصار كانت إضافةً إلى ماضي سلخ لواء اسكندرون في العام (١٩٣٩) عن سوريا و ضمّها الى تركيا ، مسألة المياه بين البلدين و نزاع الحصص بينهما في نهري الفرات و دجلة و بدرجة أقل أهمية منها العاصي . تلك المسائل و غيرها دفعت حينها بالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الى تقديم دعمٍ لا محدود بدءاً من منتصف ثمانينيات القرن الماضي لحزب العمال الكردستاني المناهض لتركيا ، كورقة ضغط رئيسية عليها ،الأمر الذي سبّب حرجاً و استنزافاً كبيراً لتركيا طيلة سنوات و على مستويات عديدة ، تركيا كانت هي الاخرى في المقابل تلجاّ لوسائل تستفز من خلالهاّ سوريا و تثير مخاوفها و قلقها ، كقطع المياه نهائياً عنها في بعض الأحيان ، و التقارب من إسرائيل و عقد اتفاقيات تعاون و لا سيما عسكرية معها .
 و على الرغم من بعض المساعي الدبلوماسية و الزيارات الرسمية و بعض محاولات رأب الصدع التي تخللت تلك الفترة التي سبقت الاتفاقية إلّا أنها تنجح ، بل بلغ التوتّر بين الدولتين منعطفاً خطيراً تمثّل في التهديدات التركية لسوريا بالمواجهة المسلّحة ، حيث و بالفعل حشدت تركيا قواتها البرية على الحدود السورية تمهيداً لاقتحامها . و أدرك الأسد الأب حينها جديّة تلك التهديدات ، و التي لا طاقة له بمواجهتها سنداً لفارق الامكانيات بين الدولتين من جهة ، بالإضافة إلى اسباب و ظروف اخرى داخلية و دولية ( نيل المرض من الأسد و احساسه بدنوّ أجله دفعه لصبّ جلّ تركيزه على تهيئة و تهدئة ظروف انتقال السلطة لابنه من بعده ) كل ذلك جعله يرحّب بالوساطتين المصرية و الايرانية (و ربما الاسد ذاته دعا الدولتين الى لعب دور الوسيط ) حيث دعا الوسيطين الى تسوية أساسها تعهّد سوريا بإبعاد عبد الله اوجلان زعيم الحزب الكوردستاني من أراضيها و عقد لقاءات تفاوضية ذات طابع أمني على اعلى المستويات بين الدولتين . 
و بالفعل عُقدت سلسلة لقاءات في أضنة التركية و انتهت في العشرين من تشرين الاول (١٩٩٨) باتفاق الطرفين على مضمون ما سمي باتفاقية أضنة ، ممثّلا فيها عن الجانب التركي اوغور زيال نائب الامين العام في وزارة الخارجية و عن الجانب السوري عدنان بدر الحسن رئيس شعبة الأمن السياسي . كما تزامن ذلك أيضا مع ابعاد اوجلان عن الأراضي السورية ، حيث تتبعته الاستخبارات التركية بمساعدة استخبارات دول اخرى و ألقت القبض عليه في كينيا بتاريخ ١٥/٢/١٩٩٩ . 
مضمون إتفاقية أضنة 
 رغم أجواء الغموض و السرية المُرادة و المتفق عليها التي أُحيطت بها الاتفاقية و ما زالت ، إلا انه يمكننا القول سنداً لما تسرّب بأنًها كانت عبارة عن نصّ معلن و أربعة ملاحق سرية . 
و يبدو أنّ الحفاظ على سريّة الملاحق الأربعة للاتفاقية و حتى النص المعلن له كان مطلباً و شرطاً أساسياً وقتها للنظام السوري تحديداً ، اضافةً الى أنّ بعض النقاط القليلة كانت سريتها تحقق أيضاً مصلحة تركية الى حدّ ما ، و لا يمكن أن نجد تفسيراً للتركيز السوري على جانب السرية إلّا في أنّ النظام كان يعي تماماً حجم سوء و خطورة ما قبل به و ما قدّمه من تنازلات لتركيا تبلغ مبلغ اعتبارها جرائم خيانة عظمى (م ٩١ من الدستور ) كونها تنازلات عن حقوق سيادية تخالف الدستور و تمس بحقوق الدولة و الشعب و مصالح البلاد العليا . 
علماً أن حرص النظام على السرية كان لاعتبارات دفع الحرج عنه و الحفاظ على ستار و قناع المقاوم و الممانع و المناضل ، اكثرمن اعتبارات الخشية من المساءلة و المحاسبة و الاطاحة به ، فرواسخ الدكتاتورية في سوريا كانت أقوى و أحصن من حدوث أمور كتلك . كما أن النظام السوري حرص على التكتّم الشديد إزاء الاتفاقية و لا سيما إعلامياً ،و الأهم من ذلك أنّ الإتفاقية لم تعرض على مجلس الشعب ، وتلك مخالفة صريحة للفقرة الخامسة من المادة (٧١) من الدستور السوري و الخاصة بصلاحيات المجلس في اقرار المعاهدات المتعلقة لا سيما بحقوق السيادة و معاهدات الصلح و غيرها ،
  في السياق ذاته نرى للمسألة بعدا آخر قانونيّ ، سنأتي على توضيحه تباعاً .
 نضيف إلى ذلك أيضاً أمراً آخراً ذو أهميّة بالغة في اعتبار السرية و اعتبارات اخرى ، و هو أنّ الاتفاقية لم تّسجل و لم تنشر اصولا لدى هيئة الأمم المتحدة . 
نأتي الآن إلى بيان بعض أهم و أبرز بنود الإتفاقية ، بإختصارِ شديد و بالقدر الذي يفي بتلبية غاياتنا من إثارة الموضوع .
 النص المعلن من الإتفاقية : 
تضمّن هذا النص ذكر وسطاء التقارب و التسوية و هما مصر و ايران و ممثليهما و مساعي البلدين ، و أيضاً ذكر أنّ الاتفاقية تأتي ضمن إطار التعاون بين البلدين في مسألة مكافحة الارهاب و ما الى ذلك . 
الملحق الأول :
 سعت تركيا من خلال هذا الملحق الى بيان و تثبيت الموافقة السورية على كل ما ورد من مطالب تركية موضوع الملحق الثاني ، و أضافت علاوة على ذلك بيان ما بلغها عبر الوسطاء من النقاط التي الزمت بها سوريا نفسها تجاه تركيا ، تلك النقاط التي كانت تتمحور حول حزب العمال الكردستاني و اعتباره منظمة ارهابية و محاربة انشطته و ملاحقة عناصره و تسليمهم لتركيا و اغلاق معسكراته و قطع الدعم الكامل عنه و التعاون الاستخباراتي و الامني مع تركيا ضده و ما الى ذلك . 
الملحق الثاني :
 و المتعلق بصورة خاصة كما اشرنا بالمطالب التركية ، هذه الاخيرة ارتكزت بصورة اساس على اعتبار سوريا دولة داعمة للارهاب و وجوب قطعها لكل علاقة بحزب العمال (كحزب ارهابي ) من دعم و ايواء وما الى ذلك من النقاط التي اشرنا اليها في الملحق الاول ، اضافة لطلبها بكف سوريا عن تحريض دول الجامعة العربية ضد تركيا ، و ايضا تأكيد تركيا لحقها في الدفاع عن النفس بشتى الوسائل و امكانية مطالبتها لسوريا بالتعويض عن الخسائر و الأرواح التي تتسبب فيها سوريا . 
الملحق الثالث :
 و الذي يُعد الأخطر و الأكثر حرجاً بالنسبة لسوريا الى جانب الملحق الرابع ، حيث يعتبر الجانب السوري من خلاله بأنّ الخلافات الحدودية بين البلدين منتهية و ما من حقوق و مطالب مستحقة لدى كل دولة تجاه الأخرى . 
( مانحاً بذلك اعظم الخدمات لتركيا و طي صفحة المطالبة باللواء كأرض سورية )
الملحق الرابع :
 يُمنح بموجبه الحق لتركيا في حال فشل الدولة السورية و اخفاقها و عدم قدرتها على ضبط النواحي الأمنية بدخول الأراضي السورية حتى عمق (5 كم ) .
 اتفاقية أضنة بعين القانون : 
بعد الممهدات الواجبة أعلاه نأتي هنا الى المحور الأهم و صلب الموضوع و غايته . 
المعاهدة أو الاتفاقية كتعريف بدايةً هي اتفاق تبرمه الدول أو غيرها من أشخاص القانون الدولي ممن يملكون أهلية إبرام المعاهدات فيما بينها بغرض تنظيم علاقات قانونية دولية وتحديد القواعد التي تخضع لها هذه العلاقة ويتضمن الاتفاق إنشاء حقوق والتزامات قانونية على عاتق أطرافه.
 و تعتبر اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الموقّعة بتاريخ (٢٣/٥/١٩٦٩) و النافذة بتاريخ (٢٧/٨/١٩٨٠) إلى جانب قواعد القانون الدولي العرفية المرجع الأساس الناظم لقواعد و أصول ابرام الاتفاقيات الدولية و مضامينها و الحكم في مسائل المعاهدات بصورة عامة .
 و تكمن أهمية تلك الاتفاقية في كونها أول قانون و نص وضعي دولي يلزم الجماعة الدولية بقواعد قانونية آمرة موجودة و ذات صبغة رسمية . و بذلك دعونا نقوم على ضوء ما ورد في معاهدة فيينا و العرف الدولي بتقييم و مناقشة اتفاقية أضنة من وجهة نظر قانونية بناءَ على المعلومات المتوفرة عنها وحولها و الظروف و الملابسات التي مرّت بها . 
أولاً :  تعتبر اتفاقية فيينا أن التهديد بالقوّة أو استعمالها ضدّ دولة لحملها على التعاقد يُرتب البطلان المطلق للمعاهدة ، بصرف النظر عن اسباب و مشروعية تلك التهديدات من عدمها (المادة ٥٢ من الاتفاقية ) (( تعتبر المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا إذا تم ابرامها نتيجة التهديد باستعمال القوة أو استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الامم المتحدة )) .
 و تقرير ابطال المعاهدات نتيجة التهديد بالقوة يدخل في اطار القواعد الدولية الآمرة ، و بالتالي يخضع ايضاً لحكم المادة (٦٤) من الاتفاقية .
 و تجدر الاشارة الى ان البطلان المطلق ينهي المعاهدة و ينهي كافة آثارها بأثر رجعي . 
و سنداً لذلك …هل هناك من تهديد أبين و أوضح من التهديد التركي لسوريا حينها ، عندما حشدت كما اسلفنا الذكر قواتها على الحدود المتاخمة لسوريا و اطلقت تهديدات التدخل العسكري صراحةً ، مما استدعى دخولا مباشراً لمصر و ايران في الوساطة و وبالتالي رضوخ النظام السوري لتلك التهديدات تماماً و قبولها بالاتفاقية وبكل بنودها التي أمليت عليه .
 ثانياً : تنقضي المعاهدات او يتم ايقاف العمل بها كلياً او جزئياً في حال تمسّك طرف أو احتج بخلل جوهري ثبت ارتكابه من قبل المتعاقد الآخر . (الفقرة الاولى من المادة ٦٠ من اتفاقية فيينا ١٩٦٩ ) . (( الإخلال الجوهري بالمعاهدة الثنائية من قبل أحد أطرافها يخول الطرف الآخر الاحتجاج به كسبب لانقضائها أو لإيقاف العمل بها كلياً أو جزئياً )) . 
و سنداً لهذا ايضاً ..كم من المرات أخلّت تركيا بالاتفاقية و أهم بنودها ؟
 حيث تعهدت السلطة السورية في احد البنود وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل، بأنها لن تسمح بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا. كما ولن تسمح سوريا بتوريد الأسلحة والمواد اللوجستية والدعم المالي والترويجي لأنشطة حزب العمال الكردستاني على أراضيها ،. 
و بالتالي ..اين تركيا من شرط المعاملة بالمثل تلك ، و هي خلال الازمة السورية و ابتداء من العام ( ٢٠١٢) ارتكبت كل ذلك و ضخّت ألاف الارهابيين عبر الارهابيين الى سوريا و قدّمت لهم مختلف التسهيلات و اشكال الدعم ، كل ذلك تؤيده إثباتات و تقارير دامغة و مكشوفة .
 ثالثاً : و هذه النقطة هي احدى النقاط الاكثر اهمية ، و تتمثل في أنه و بموجب المادة (٤٦) من اتفافية فيينا ، لا يجوز لأحد اطراف المعاهدة الاحتجاج بقواعد القانون الداخلي مبرراً لإبطال المعاهدة التي تكون طرفاً فيها ، و انها عبرت عن رضاها بالمعاهدة بشكل يخالف احكام الاختصاص في القانون الداخلي ،( إلا اذا كانت المخالفة تتعلق بقاعدة اساسية من قواعد النظام الداخلي ) .
 و الاستثناء الأخير هام جداً ، اذا ما علمنا بأن اتفاقية اضنة لم تطرح أو تُعرض على مجلس الشعب السوري لإقرارها ، و تلك مخالفة صريحة للدستور السوري و تحديدا ( للفقرة السادسة من المادة ٧٥ من الدستور السوري ) و التي تنص على ان مجلس الشعب يتولى الاختصاصات التالية (( ٦- إقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة وهي معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة )) . و عدم اتخاذ سوريا ذاك الإجراء ، أي عرض الاتفاقية على مجلس الشعب للبت فيها و اقرارها من عدمه ، يعود برأينا الى اكثر من سبب ، فبالاضافة الى السبب الذي اوضحناه سابقا و الذي يتمثّل في أنه يلحق نوعاً من العار بالسلطة و رأسها ، نتيجة التنازل عن حقوق سيادية و يضعها في حرج شديد أمام الشعب و التاريخ ، لذلك أصرت على سريّة الاتفافية ، و أيضا برأينا أن هناك سبب آخر ، ربما كان مقصوداً و مدبّرا من قبل الأسد ، و هو أنّه رغب في ايجاد منفذ للتحلل من التزاماته المنصوص عنها في الاتفاقية في فتره ما ، و ذلك عن طريق الدفع ببطلان الاتفاقية كونها غير مكتملة الاجراءات و مشوبة بعيب المادة (٤٦) من اتفاقية فيينا للمعاهدات . فإن كان هناك ثمّة وجود لهذا الاحتمال و الحيلة ، فقد انطلت على الاتراك ، و نظنّ وجودها سنداً لما عرفنا عن الأسد من خبثٍ و دهاء .
 رابعاً : وفق المادة (٨٠) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ١٩٦٩ ، ترسل المعاهدات بعد دخولها حيز التنفيذ الى الامانة العامة للامم المتحدة لتسجيلها و حفظها و نشرها .
 و هذا لم يحدث بالنسبة لاتفاقية اضنة ، علماً بأنّ ذلك ليس شرطاً واجباً و لا يؤثر على صحة المعاهدة و نفاذها، و إنما فقط تحرم اطراف المعاهدة من التمسّك و الاحتجاج بها امام الامم المتحدة و اي فرع من فروعها ، و بالطبع فإن الغاية من الاجراء و مزاياه هو التعرّف على الاتفاقيات وفيما اذا كانت تحمل ضررا بمصالح دولة ما ام لا ، او ان كانت تهدد الامن و السلم الدوليين من عدمه .
 و نعتقد بأن ذات الاسباب التي ذكرناها بخصوص الهدف من السرية ، هي التي حالت دون تسجيلها و حفظها و نشرها لدى الامم المتحدة .
 خامساً : وهي نقطة ايضا هامة جدا برأينا ، و هي ضرورة و وجوب أن يكون موضوع التعاقد او المعاهدة و بنودها مشروعاً و جائزا يبيحه القانون و لا يتنافى مع مبادئ الأخلاق .
 و هذا حسب رأينا المثبت بدلائل كثيرة ، مفقود و غائب عن معاهدة اضنة ، لأنّ المعاهدة بدرجة أساس هي بين متعاقدين يستهدفان شعباً بعينه و كل خصوصياته و ثقافته و وجوده ككل ، وهو الشعب الكوردي ، هذا مخالف ليس لمبادئ الاخلاق و الانسانية في القانون الدولي فحسب بل لكل الشرائع الوطنية و السماوية . و ما حجج الارهاب و غيرها إلا ستارا يخفي تلك الحقائق ، و نعلم بأنّ حسن النية من أهم قواعد و اعتبارات القانون الدولي عموما و نظم المعاهدات خصوصاً . جاءت المادة السادسة والعشرون من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات تقضى بأن ((كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية)) . 
اتفاقية أضنة أداة سياسية بغطاء قانوني
سعت تركيا و لا تزال طيلة ما يزيد عن العشرين عاماً لتمرير الكثير من مخططاتها و مشاريعها اللا أخلاقية و اللا انسانية و اللا قانونية بدورها بإسم القانون ذاته و بغطائه ، حيث لا تزال تسعى جاهدةً لاستثمار معاهدة أضنة الى يومنا هذا في مشاريعها التوسعية و العدوانية في سوريا من ناحية و للقضاء على الكورد و حقوقهم بدرجة أهم من ناحية اخرى . 
حيث و باسم هذه المعاهدة و بغطاءها باتت السيادة السورية و حرمة اراضيها و حدودها و مواطنوها دون اي معنى لدى تركيا ، فاقتحمت الحدود و دخلت ادلب السورية و كذلك عفرين و تستعد و تلوح بين الحين و الآخر بإقتحام مناطق شرق الفرات و غيرها .و كل ذلك بحجج و ذرائع لا اساس لها من الصحة ، مبنيّة على دوافع صون امنها من الارهاب و ما الى ذلك .
 و ربما يتساءل القارئ أو تتبادر الى ذهنه أسئلة عديدة منطقية أهمها :
 ما الذي يدفع الدول و في مقدمتها الدولة السورية المعنيّة بالذات الى غضّ الطرف عن كل تمارسه تركيا و تسعى اليه من تجاوزات و انتهاكات فاضحة و واضحة ، و لماذا لا تلجأ سوريا الى الآن فضح الثغرات و العيوب الواضحة التي اشرنا اليها في اتفاقية اضنة ؟ 
في الحقيقة نرى بأنّ الاسباب و الدوافع وراء ذلك هي سياسية بالدرجة الاولى و ايضاً شخصيّة في جانب منها لجهة النظام السوري . فالقانون و بأسفٍ شديد نقولها ، بات اسيراً في أحيانٍ كثيرة للمصالح و السياسة و الصفقات و الأجندات الدولية . فالنظام في سوريا و رأسه أضحى بعد الازمة السورية بلا حولٍ ولا قوّة و اسير سياسات دول اخرى و مصالحها مثل روسيا و ايران و غيرهما و حتى الولايات المتحدة ممن تتوافق مصالحهم مع ما تقوم به تركيا، ضمن حسابات متشابكة و معقّدة ، مثل تبادل مكاسب سياسية او اقتصادية و سواها ، او ربما جرّ تركيا الى مستنقعات تضرّ بها و تورطها مستقبلا و ما الى ذلك .
 أضف الى ذلك بالنسبة للنظام السوري ، قد يعود عدم اثارة عيوب معاهدة اضنة و عدم الشكوى منها الى اسباب تتعلق بكونها ما زالت تحت الابتزاز التركي و تهديداته بفضح تفاصيل المعاهدة و تفاصيل اخرى تدين العائلة الحكمة في سوريا ، و لاسيما أن المعاهدة و التنازلات التي بلغت حدود الخيانة العظمى جرت في عهد من هو والد الرئيس الحالي و بالتالي فعار الفعل و تبعاته يطال الجميع و تاريخهم و مراكزهم . 
إضافةً الى ذلك فإن الممارسات التركية تخدم في جانب و جوانب منها النظام السوري ، فهدف التخلص من كابوس الكورد و حقوقهم واحدٌ و مشترك بينهما و معهما ايران و العراق . بدليل الصمت المدان و اللامبرر من قبل سوريا ممثلة بسلطتها إزاء احتلال تركيا لعفرين التي هي جزء تابع لسيادتها . 
ها نحن نرى كيف أن روسيا ذاتها تثير اتفاقية اضنة و تمنح الحق و الشرعية بموجبها لتركيا داخل الاراضي السورية ، و السبب الأساسي لذلك هو سياسيٌ بحت ، الغاية الاهم منها مثالا هو قطع الطريق أمام التقارب التركي الامريكي ، هذا الاخير الذي و عد تركيا في وقت سابق و لغايات في نفسه ، السماح لها بدخول سوريا حتى عمق (٣٥ كم ) .
 في النهاية لا يسعنا إلا أن نكرر اسفنا إزاء ما آل و يؤول اليه واقع القانون و سلطته في العالم و ما ينتظرنا و اجيالنا القادمة من مخاطر و كوارث ستكون اقسى من التي تعانيها الشعوب حاليا ، ما لم نتدارك ذلك .
 و دمتم في حفظ المولى و رعايته
 مركز ليكولين للدراسات والابحاث القانونية. المانيا 
ملاحظة: أي نشر للموضوع من قبل اي شخص دون ذكر المصدر يعتبر سرقة و يعرّضه للمساءلة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…