قراءة أولية في تقرير لجنة التحقيق الدوليّة المستقلة المعنية بسوريا و المنجز بتاريخ 31/1/2019

عماد شيخ حسن
 
نشرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا بتاريخ ٢٨/٢/٢٠١٩ تقريرها الذي ستتقدم به إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة الذي سيعقد دورته رقم أربعون في الفترة الممتدة ما بين ٢٥ شباط و حتي ٢٢ آذار لهذا العام ٢٠١٩ .
و حيث أننا كمركز ليكولين للدراسات القانونية كنّا ننتظر بإهتمام كبير صدور هذا التقرير بالذات ، لكوننا و بجهود منظمات حقوقية مدنية أخرى ، كنّا قد تقدّمنا للجنة التحقيق تلك و خلال فترة اعداد هذا التقرير  بجملة ملفّات توثيقية عن رصد الأوضاع و الانتهاكات في منطقة  عفرين تحديداً من ضمن مناطق سوريا ، و ذلك عبر مرحلتين و عقد لقاءين معهم في جنيف .
في الحقيقة …و على الرغم من أنّ التقرير و من خلال فراءتنا لمضمونه ، و إن كان أفضل من التقرير الذي سبقة إلا أنه و بصراحة صدر مخيّباً للآمال و دون المأمول و المنتظر منه .
و ما أثار استغرابنا أكثر هو ما ضجّ به الإعلام و سواه ممن تناولوا تقييم التقرير بإبجابية و عبروا عن رضاهم بشأنه و كالوا المديح بخصوصه . و الغريب و الملفت و الصادم أنّ الكثير من أولئك هم ساسةٌ و حقوقيون و ممن نعوّل عليهم في تمثيل شأننا و أمرنا و قضايانا ، لذلك فغايتنا من الإشارة لهذا الجانب  ليست إلا التأكيد على أنه ليس بالضرورة أن نتمثّل في المجالس و الهيئات بقدر ما بالضرورة ان نتوفّق في اختيار من يمثلنا ، فممثلك الجاهل أو اللا مختص المتقن لإختصاصه غياب تمثيله أفضل من حضوره . لأن الغياب يُبقي لك الأعذار و الحجج أما حضور من يهُدر حقوقك فإنه يُهدر معها أعذارك و مبرراتك أيضا .
لنعد الي موضوعنا للتأكيد على ما أسلفنا قوله …
القارئ الكريم …نرجو الملاحظة الجيدة و الدقيقة معنا: 
 إن كان التقرير قد جاء على ذكر الكثير مما يُرتكب في عفرين من انتهاكات و جرائم إلا أنه بالكاد نسفها جميعها و أبطل فائدة ذكرها ببضع عبارات
فالتقرير أوضح بصراحة تامة و أكد أن هناك جرائم اختطاف و اختفاء قسري ترتكب في عفرين و جرائم سرقة و سلب و نهب و مصادرة للاموال و الممتلكات و المواشي و المحاصيل الزراعية و مصادر الرزق و فرض الضرائب دون حق على المدنيين ، و أعمال تعذيب للمختطفين و أعمال ابتزاز عبر اختطاف المدنيين و طلب الفدية مقابل اطلاق سراحهم ، و أيضا يؤكد التقرير غياب سلطة القانون و الفوضى و قلب المرافق و المدارس الى ثكنات عسكرية و  ارتكاب اعمال تفخيخ و تفجير للسيارات و الآليات  و حتى جاء على تفجير سوق الهال مثالا على ان التفجيرات تحدث في المناطق المكتظة بالسكان و ايضا اكد على وجود الألغام و ضحاياها .كما اشار الى الأوضاع السيئة للمشردين في المخيمات و غيرها .و الهام ايضا أنّ التقرير اشار الى أن المستهدفون بتلك الأعمال و الجرائم هو الكورد .
لاحظوا معنا كيف ان التقرير ورد على ذكر كل هذه التفاصيل و قد نكون سهونا عن ذكر اخرى .
 لنأتي الآن و بعد كل ذلك الى النقطة السوداء في التقرير و التي كما اسلفنا تجعل ما تم ذكره دون ذي قيمة و هباءً منثورا 
كيف ذلك لنرى …..
التقرير جاء و حسب ملاحظتنا في مناسبتين على ذكر بأنهم لم يتثبتوا فيما إذا كانت تركيا تمتلك السيطرة الكاملة و الفعلية على الأرض أم لا ، اي هل هي قادرة على ممارسة سلطتها و نفوذها و تحكمها بتلك الرقعة التي تُرتكب فيها كل تلك الممارسات ام لا ؟ 
هنا القانوني يُدرك جيّدا معنى و أبعاد هذا الكلام ، فهل تعلمون بأنّ عدم ثبوت وجود تلك السيطرة التامة و الفعلية على الارض من قبل تركيا ، ينفي عنها تماماً صفة الاحتلال و ينفي عنها مسؤولية تلك الممارسات و الجرائم ، على اعتبار ان الاوضاع خارجة عن سيطرته و لا يد له فيما يجري ارتكابه و بالتالي نكون في مرحلة سابقة للاحتلال و هي مرحلة الحرب و قواعد و قوانين الحرب لا قوانين الاحتلال  و من يرتكب كل تلك الممارسات هي فصائل و ميليشيات مسلحة و مرتزقة و ارهابية هي من تتحمل مسؤولية تلك الجرائم ، و التي حتى و ان ثبت تبعية بعضها لتركيا ، فمن اين للمرء و للمعني و المتضرر ان يثبت بأن تلك التابعة لتركيا هي من ارتكبت تلك الممارسات دون غيرها . حيث و بكل بساطة بإمكان تركيا أن تتحلل من اي مسؤولية و التزام من خلال عدم ثبوت سيطرتها الفعلية .
و المصادفة الغريبة هي اننا قبل ايام قليلة كنا قد اعددنا بحثا عن الوجود التركي في عفرين و كيف انه احتلال  على اعتبار ان شرطي الاحتلال متوافران و هما :
بمفهوم الماد (٤٢) من اتفاقية لاهاي 1907..أن الاحتلال  لكي يكتسب المعنى القانوني له يجب أن يكون هناك : 
أولاً: سيطرة فعلية و تامة ذات قدرة للدولة المحتلة على كامل الإقليم المحتل أو على جزء منه . 
ثانياً : أن تكون لديها القدرة و القوة العسكرية الكاملة التي تمنحها ممارسة كافة الاختصاصات على الجزء المحتل . و تسيير شؤونه و الوفاء بالتزاماته كمحتل تجاه القوانين الناظمة للاحتلال ( البحث منشور في موقع ولاتي مه ان رغبتم الاطلاع عليه )
نكتفي بهذا القدر لنقول و نؤكد بأن القانون و مصطلحاته و عباراته دقيقة للغاية لذا وجب الحذر كل الحذر في التعامل معها .و هذا التقرير ابلغ مثال ، و كيف ان الكثيرين لم ينتبهوا الى اللغم الذي فيه ، و صراحة لا نستبعد مطلقا الخبث و  الجانب و البعد السياسي في التقرير و ارسال اشارات انذار و رسائل ضغط سياسية  لتركيا من خلاله مفادها : 
هناك جرائم و ممارسات في عفرين ترتقي الى مستوى جرائم حرب و جرائم ضد الانسانية ، فإن ثبت عليك شرطي الاحتلال و بالتالي وصف الاحتلال فانت المسؤول عن كل تلك الجرائم .
ملاحظة هامة : سنقف بشيء من التفصيل اكثر على التقرير في قادم المناسبات و المواعيد .
دمتم في رعاية الله 
في ٢/٣/٢٠١٩
عماد شيخ حسن …عن مركز ليكولين للدراسات و الابحاث القانونية . المانيا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…