تركيا وإستراتيجية القصف الحدودي

دارا محمد حصري
بداية ولكي لا يخرج لي أحد المنظّرين أن الأنظمة التركية المتلاحقة عبر التاريخ لا تخفي أحقادها على الكورد خاصةً وشعوب المنطقة بشكل عام، فتركيا لن ترحم أحداً من الكورد وتبحث عن الحجة لكي تقوم بقتل ما أمكن! 
ولكن ما الحجة؟ 
منذ سنين والقصف التركي يطال عدّة مناطق في جنوب كوردستان حيث المناطق الجبلية والتي تحوّلت قراها إلى شبه مهجورة، ويمكننا العودة لإحصائيات تثبت القول الآنف ذكره، ووفق وزارة البیشمركة فإن العمليات العسكرية التركية التي تمكنت الوزارة من إحصائها خلال أربع سنوات من مطلع عام 2015م لنهاية عام 2018م هي عمليات قصف جوي من قبل الطائرات الحربية ضد المناطق الحدودية وقرى إقليم كوردستان وبلغت (398) عملية قصف جوي، عدا عن (425) عملية قصف مدفعي، تلك العمليات أسفرت عن مقتل (20) مواطناً مدنياً بريئاً في تلك القرى التي بلغت (288) قرية حدودية.
غالبية المدنيين والمزارعين تركوا مئات القرى، ولطالما ذهب أبناؤهم ضحية نزاعٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ذنبهم الوحيد أنهم يقعون في منطقة جغرافية أصبحت مسرحاً لحربٍ قذرة ولا تعود عليهم سوى بالخراب والتدمير، وأذكر من المناطق على سبيل المثال (نيروة ريكان والعمادية وبرواري بالا…).
السؤال المطروح أولاً على تركيا، في ظل كل هذه التقنيات المتطورة والتي حصلت عليها من أكثر دول العالم تطوراً مثل أمريكا وألمانيا وغيرها (طائرات حربية، طائرات مسيّرة) ألا تستطيع الوصول إلى عمق معسكرات حزب العمال الكوردستاني (PKK)؟ وأن تحدد بدقّة أماكن التواجد الرئيسي لهم؟
بالطبع تستطيع وبكل سهولة ولكنها تعكف عن الأمر ولا ترغب في إنهائهم لما في ذلك خدمة مجانية لهم بضرب أيّ تطلعٌ كوردي وفي أي جزء كان من كوردستان، فالذي أعطى المبرر والحجة لتخريب وقصف المدن والنواحي الكوردية في القسم الملحق بتركيا وسط صمت العالم ومشاهدته يخدم الهدف الذي يتجلى بقتل الكورد، وطبعاً هنا أنوّه لمناطق “سلوپی – نصيبين – سور آمد – شرناخ…”.
خلال سنوات الحرب والـ PKK الحجة الكبيرة والتي لا يريدون إنهائها، ومن خلالها تقصف المناطق الكوردية ويتم تهجير الشعب من أرضه وبنفس الحجة، فمجرد ظهورهم “عدد محدود” تقوم قائمة تلك المنطقة وتصبح تلك الجغرافية وبالاً على رؤوس قاطنيها.
لِما الاقتراب حتى من المناطق المأهولة بالسكان؟ وما الهدف من ذلك التواجد؟
في جنوب كوردستان “إقليم كوردستان” وقبل سقوط النظام البعثي هناك عُقدت اتفاقيات بين الدولتين تنصّ على حق تغلغل تركيا وإنشاء قواعد عسكرية في المناطق الكوردية وبحجة محاربة الـ (PKK)، هنا وإن صدقت منظومة حزب العمال بأنها حركة تحررية كوردية فمن واجبها الابتعاد قدر الإمكان عن المدنيين لعلمهم أن تلك المناطق سيتم قصفها والمتضرر هم الكورد سكان تلك القرى.
في السنتين الماضيتين ارتقى أكثر من عشرين مدني شهيداً نتيجة قصف الطائرات التركية للقرى وهنا لا أحد يستطيع إنكار احتماء المقاتلين بالقرى ولطالما خرجت شهادات حيّة تطالب بالكف عن ذلك ولكن دونما جدوى.
وبعد أن استهدفت الطائرات بقصفها المنطقة وارتقاء شهداء خرج الشعب بمظاهرة احتجاج سرعان ما تطورت إلى الهجوم على القاعدة التركية وإحراق آلياتهم وكسر المقر، وهذا حق شرعي لهم فهم أصحاب قلوبٍ محطمة وممزقة بالقصف الأخير.
في الطرف المقابل علينا مراجعة مطالب أبناء المنطقة والتي كرروها لعشرات المرات وموجهين النداء لكل من تركيا والـ PKK بأن ينقلوا معاركهم إلى أماكن بعيدة عنهم وعن ممتلكاتهم وبيوتهم، تلك النداءات لم تلقَ آذاناً صاغية من طرفي التآمر وهم مستمرين في التسبب بهجرة وإفراغ تلك المناطق من السكان، حيث شهدت السنتين الأخيرتين حالات استهداف من الـ PKK أيضاً للمدنيين وإساءات للعلم الكوردي.
إذاً أقولها للذين نددوا بالقصف التركي وأنا معهم بأنها جريمة بحق الكورد ولكنني أطالب أيضاً بأن يتخذوا نفس الموقف ويوجهوا نداءاتهم للطرف الآخر فجبال شمالي كوردستان عصيّة بما يكفي للقتال وإبعاد خطر الإساءة لمنطقة كوردية وإلحاقها بالباقي المدمر.
وهنا يقع على عاتق حكومة إقليم كوردستان وبعيداً عن العاطفة والكلام المعسول إبعاد مسلحي الـ PKK من محيط القرى والمناطق الآهلة بالسكان وأن يقفوا بحزم ضد إعطاء الحجة لتركيا كي تقضي على مآتم إنجازه لليوم.
ليس من الحكمة بشيء إلقاء النفس للتهلكة فماذا لو كان التصرف يؤدي إلى إلقاء قضية وشعب كامل في محرقة؟!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…