الأمازيغي: يوسف بويحيى
لم يستطع أحد أن يقوي إيمان القومية الكوردية في نفوس الشعب الكوردي بقدر ما فعل الزعيم “مصطفى البارزاني”، حيث لم تكن نظرته إلى القضية مجرد نظرة سياسية كما أراد حلفاؤه التكتيكيين، بل كان واعيا لدرجة كبيرة عارفا بما يريده و ما لا يريده.
إستطاع الزعيم “مصطفى البارزاني” أن يغير نظرة العالم في القضية الكوردية بشكل كبير على المستوى الفكري و السياسي و العسكري، إذ كان العلم الكوردستاني لا يفارقه في أي لحظة من حياته، أي ما جعل الكل يفهم أن هذا الإنسان ليس عاديا بل زعيم ثوري تحرري صاحب مشروع عظيم دون أدنى شك.
لم يكن الزعيم “مصطفى البارزاني” حزبيا و لا شيوعيا و لا إسلاميا أبدا، بل تجاوز كل هذه المعاني الضيقة مهتما في نضاله على حقوق الشعب و وجوده و تاريخه و جغرافيته، لدرجة أنه لم ينجر أبدا إلى كلام ضيق في كل مقابلاته و أقواله و تجاربه على كل المستويات، ولمن يعلم تاريخ الحركة الكوردية من بابها السياسي سيعلم أنه كان دائما الطرف المظلوم على أيدي الزمرة الكوردية المصطنعة.
لقد تجاوز الزعيم “مصطفى البارزاني” حواجز العشائرية و المناطقية حيث لم تكن أبدا في طباعه و سلوكياته و إيماناته، وما تجاربه النضالية في كوردستان باشور في كل من “هولير” تحت قيادة “أحمد البارزاني” و السليمانية بقيادة “محمود الحفيد البرزانجي” و كوردستان روجهلات بقيادة “قاضي محمد” و كوردستان باكور بقيادة “سعيد بيران” لدليل على أنه كان كوردستانيا مؤمنا بكوردستان الكبرى و ليس فقط جزء أو منطقة.
أستغرب كثيرا من هذا العالم الذي يشيد برحلة الملح للزعيم الهندي “غاندي” بينما يتناسى الكورد رحلة الزعيم “مصطفى البارزاني” من جمهورية “مهاباد” إلى الإتحاد السوفياتي مشيا على الأقدام، ناجيا بالحركة الكوردية نتيجة الخيانة الدولية على حد قوله عندما كان يطرق باب “الكريملن”.
كان إيمان الزعيم “مصطفى البارزاني” بكوردستان و مشاركته في أجزائها سياسيا و عسكريا دور كبير في الظفر بحب الشعب الكوردي على مستوى كوردستان الكبرى، وإلى حد الٱن مازال إسم الكورد مقرونا بٱسم البارزاني و العكس صحيح، بينما تبقى الإديولوجيات الأخرى مجرد صناعة الأنظمة الغاصبة التي فشلت فشلا ذريعا في إنتزاع الشرعية و التاريخ و وسام الإستحقاق من البارزاني.
إن كان البعض ينظر إلى الزعيم “مصطفى البارزاني” على أنه قائد أو إنسان عادي فهذه نظرة سطحية جاهلة، لأن العالم لا ينظر إليه بهكذا نظرة إختزالية مطلقا، فمصطفى البارزاني كان زعيما و منظرا و عسكريا و سياسيا و سوسيولوجيا و خبيرا بشأن الشرق الأوسط و فاهما للسياسة الدولية بشكل عال، وأثبت حكمته و ذكاءه بهذا الشأن طيلة مسيرته النضالية إلى وفاته.
لم تستطع أي دولة إجترار الزعيم “مصطفى البارزاني” إلى مستنقعها بعيدا عن حقوق الشعب الكوردي، ولعل إعتراف رجل الإستخبارات السوفياتية “سدوبلاتف” بفشله الذريع خير برهان، إضافة إلى إنقلاب الإيرانيين على “البارزاني” بعد رفضه تسليم كل من “هولير” و “السليمانية” ضمن المشروع الفارسي المعارض للكيان الكوردي الحر….وغيرها.
لقد إسود وجه العرب و الإسلاميين و الشيوعيين عندما أوقف الزعيم “مصطفى البارزاني” الجبهة الكوردية ضد العدوان العراقي لإعطاء الفرصة للنظام العراقي قصد الإلتحاق بالحلف العربي ضد إسرائيل سنة 1967، خلالها أثبت للعالم بهذا الموقف الشجاع على أنه (البارزاني) رجل حر ذو موقف حر.
إن الذي يميز نهج الزعيم “مصطفى البارزاني” عن البقية أنه ينبني على ثلاث قواعد الإيمان و الأخلاق و التضحية، لهكذا إستطاع أن يحرك فطرة الكوردايتي في نفوس الشعوب الحرة و المضطهدة ككل و ليس فقط الشعب الكوردي.
إن قولي على الزعيم “مصطفى البارزاني” بأنه منظر ليس مجرد كلام من فراغ، لأن العارفين بما يجري الٱن في الشرق الأوسط و مشروع الشرق الأوسط الجديد كان من تأسيسه منذ سنة 1966، والذي قدمه على شكل بديل للدول القومية العنصرية المتوحشة من أجل التعايش و حفظ الإنسان، الشيء الذي جعل الأمريكيون يدرسونه ثم يتخدونه مرجعا داخل البيت الأبيض منذ سنة 1974، لهذا الزعيم “مسعود بارزاني” إستغل فرص ثمينة عدة لصالح تثبيت حقوق الشعب الكوردي كإجراء الإستفتاء و تفادي الحروب الطائفية و العرقية المميتة بحكمة و ذكاء خارق.
إن السر الذي يجعل من كبار الدول العالمية تبعث بشكل رسمي و تأتي إلى الزعيم “مسعود بارزاني” شخصيا ليس لأنه رئيس كوردستان أو رئيس حزب أو قائد البيشمركة، بل لأنه الوريث الشرعي للنضال الكوردستاني الذي تتجسد فيه الحركة التحررية الكوردية و القضية و كوردستان فكريا و ثقافيا و تاريخيا و إجتماعيا و سياسيا و عسكريا.
هنا أتساءل ماذا لو كان في كل أمة مضطهدة زعيما مثل “مصطفى البارزاني” و “مسعود البارزاني”؟! ،بدون لف و دوران أقول إنهم الإستقلال بعينه.