حسين جلبي
عمل نظام الأسد منذ بداية ثورة السوريين عليه؛ على تغييب صوت الكُرد في سوريا، وعلى تزييف حقيقة الموقف الكُردي منه، وذلك من خلال عدد من الوسائل، منها إغراق الكُرد في مشاكل بينية من جهة، واختلاق قضية خارجية لهم؛ لصرف أنظارهم عن قضيتهم الوطنية والقومية في البلاد من جهة أُخرى، وصولاً لتحقيق عدد من الأهداف، منها محاولة إظهارهم على غير حقيقتهم المعارضة له؛ والاستفراد بهم، وتأليبهم مع المكونات السورية الأُخرى على بعضها البعض.
شارك الكُرد باقي السوريين ثورتهم على نظام الأسد منذ اليوم الأول لانطلاقتها، وكان هناك ناشطون منهم في الاعتصام الذي جرى أمام وزارة الداخلية بدمشق منتصف آذار 2011، للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين في سجون النظام؛ ومنهم معتقلون كُرد كان من بينهم مشعل التمو،
كما شاركوا في الحراك الذي جرى في غير مدينة سورية، بحكم كونهم مواطنين سوريين موجودين على مساحة التراب السوري، إلى أن انخرطت مناطق وجودهم الرئيسية، بدءاً بالقامشلي وعامودا في الثورة السورية، وأخذوا يتعرضون للقمع أُسوة بباقي السوريين، من ذلك عمليات اعتقال واغتيال تعرض لها ناشطوهم.
وبدلاً من قيام النظام السوري بالتصعيد العلني ضد الكُرد، للرد على اتساع نطاق مظاهراتهم المناهضة له، اختار “الاستعانة بصديق”؛ ألا وهو حزب العمال الكُردستاني، والذي كان وصفة مجربة قبل سنوات، نجح النظام من خلال استخدامها سابقاً؛ في تحجيم الأحزاب الكُردية السورية، وفي توريط الشبان الكُرد السوريين في معركة خارجية، ابتلعت حيوات الآلاف منهم. وهكذا عاد الحزب العتيد بعد أيامٍ من بداية الثورة؛ وهذه المرة في ثوب حزب الاتحاد الديمقراطي، وبسقف بدا أعلى من ذي قبل وأكثر غموضاً، وأخذ يحارب مرةً أُخرى على جبهتين: داخلية بهدف إنهاء الحياة السياسية الكُردية التي أنعشتها الثورة، وكذلك الحراك الشبابي الذي أصبح
عصب التحركات الثورية في المنطقة، وجبهة خارجية من خلال فتح معركة إعلامية باتجاه تركيا، وهذه المرة من المناطق الكُردية السورية؛ بعد السيطرة عليها بالحديد والنار، ليحقق نظام الأسد بذلك نجاحات عديدة بواسطة الحزب؛ منها السيطرة على الكُرد عبر استخدامه هراوةً لضربهم، وتوريط تركيا أخيراً بالدم الكُردي بدلاً منه؛ بعد طول استخدام الحزب فزاعة لإخافتها.
إن عدم ارتكاب النظام بنفسه مجازر بحق الكُرد، وعدم تدميره بيوتهم على رؤوسهم؛ لا يعني أن الأمور بخير في مناطقهم، ولا يشكل قرينةً على أن الكُرد موالون له، ذلك أن النتائج تتحدث عما يخالف ذلك، فقد قُتل الآلاف من الشبان الكُرد في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، حاملين بذلك عبئاً عن نظام الأسد وحلفائه، وهناك خمسة مجازر ـ على الأقل ـ ارتُكبت بحقهم، ولا يكاد يمر يوم إلا ويشهد اختطاف بعضهم بسبب آرائهم، وهناك عمليات تعذيب واسعة في المعتقلات التي يديرها حزب الاتحاد الديمقراطي، أدى بعضها إلى مقتل الضحايا تحت التعذيب، بالإضافة إلى عمليات قتل لا حصر عليها خارج السجون، وقد تم تدمير العملية التعليمية ونشر الأمية؛ ولم تعد هناك مدارس حقيقية في المنطقة، وتجري عملية واسعة لعسكرة المجتمع الكُردي؛ أحد أخطر مظاهرها هو خطف الأطفال وتجنيدهم؛ وإرغام كبار السن على حمل السلاح، كما أنهكت الأتاوات الكُرد وأدت إلى إفقارهم، وقد حدثت هجرة كبيرة بالنتيجة في أوساطهم؛ حيث تقدر أعداد المهاجرين بما لا يقل عن مليون شخص، الأمر الذي أحدث تغييراً ديمغرافياً في المنطقة.
لا يتفق الكُرد السوريون مع أجندة حزب العمال الكُردستاني؛ الذي يسيطر على مقدراتهم بوسائل زوّده بها نظام الأسد، بل هم أول ضحاياه؛ لأنهم من جهة أُخرى مع إسقاط النظام، وبناء سوريا ديمقراطية تعددية؛ يتمكنون فيها من التعبير عن خصوصيتهم. والحزب لا يمتلك مشروعاً قومياً كُردياً، فهو يؤكد على أنه ضد الدولة القومية، وضد أي شكل من أشكال تعبير الكُرد عن هويتهم، وهو يمنع الرموز الكُردية مثل العلم الكُردي، ويقول بأنه يعمل على تحقيق “الأُمة الديمقراطية وأُخوة الشعوب”، وهما مصطلحان عائمان، الأكيد أن تحقيقهما لا يحتاج إلى كل الضجة التي يثيرها، وكل القمع الذي يمارسه بحق الكُرد، وكل الحروب التي يخوضها بهم، ولو كان للحزب مشروع حقيقي؛ لأعلن عنه وعمل على تحقيقه وهو في أوج قوته، عندما كان التحالف الغربي وروسيا يحتاجانه لمحاربة تنظيم داعش، ولكان عمل على ابتزازهما قبل أن يطوى ملف التنظيم، وتنتفي حاجة الجميع إليه، ويصبح عبئاً عليهم.
نظام الأسد يستخدم حزب العمال الكُردستاني لمحاربة الكُرد إذاً، وهو مثل أي فصيل تشبيحي يفتك بحاضنته المفترضة ويبتلعها؛ ومثل أي سلاح مدمر يقصف به النظام المناطق السورية المختلفة، فيدمرها ويرهب به أهلها، بحيث يدفع نصفهم إلى الرحيل؛ ونصفهم الآخر إلى الاستسلام. وإذا كان الحزب يحقق أهداف النظام في السيطرة على المناطق الكُردية، فما حاجته ـ حاجة النظام ـ إلى إرسال الدبابات إلى شوارعها، وما حاجته إلى إلقاء البراميل المتفجرة على رؤوس أهلها، وما حاجته إلى قصف المنطقة بالأسلحة المحرمة الدولية، وبالتالي خلق فرصة إضافية لتسجيل انتهاكات باسمه، طالما أن هناك من يحمل وزر كل هذه الأفعال، بعد أن تطوع ـ أو أُرغم ـ على القيام عنه بكل الموبقات خلسة، بصورة لا تلفت الانتباه؟
ـ عن موقع تلفزيون سوريا