الشأنُ بالشأنِ يُقاسُ ويُذكر ليس إلاّ

فرمان بونجق
آنذاك، وعندما دأبت الحكومة المركزية في بغداد على خلق المشكلات السياسية، ومن بوابة ابتداع أزمة اقتصادية في إقليم كوردستان العراق، عن طريق تهييج الشارع الكوردي، على خلفية عدم صرف رواتب ومستحقات الموظفين، آنذاك كادت التظاهرات تخرج عن السيطرة، عندما اقتحمت مجموعات مندفعة مقرات “بعض الأحزاب” وأحرقتها، ارتفعت أصوات من داخل حكومة السيد العبادي، ومن خارجها، بضرورة إرسال قوات أمنية إلى مدينة السليمانية بدعوى “حماية المدنيين”. 
تلك الأحداث قيل عنها، وعلى مستوى الشارع الكوردي: يقتلُ القتيلَ، ويمشي في جنازته. في إشارة إلى عدم صرف الحكومة المركزية لمستحقات الموظفين بهدف افتعال أزمة، وهذا شأنٌ. أما الشأن الآخر وهو الأكثر أهمية هنا، انتفاضة محافظات الجنوب، والتي قال عنها السيد مقتدى الصدر بأنها “ثورة الجياع” ، هذه الانتفاضة، أو الثورة تُقابل اليوم بالرصاص الحي من قبل بعض الميليشيات المحسوبة على الطائفة الشيعية، وحتى من قبل بعض الأجهزة الأمنية، حتى بلغ عدد الضحايا من القتلى والجرحى العشرات، تحت حجة اختراق التظاهرات بواسطة “المندسين”، وهي مفردة سمعناها كثيرا في بدايات الثورة السورية السلمية، وهؤلاء المندسين، هم الذين أوصلوا سوريا إلى ما وصلت إليه اليوم بحسب زعم النظام السوري والقوى المتحالفة معه.
 وكل ما يخشاه العراقيون اليوم في محافظات الجنوب، أن أولئك المندسين، سيتم اتخاذهم كذريعة للإجهاز على ثورة “الجياع” كما وصفها السيد الصدر، وبحسب تصريح للسيد العبادي فإن هؤلاء المندسين قلة قليلة يجب فصلهم من التظاهرات، ومثل هذا الحديث لا يبشر بالخير، إذ من الممكن استهداف أيّ أحدٍ على أنه مُندّس، وعندئذ سيختلط الحابل بالنابل. 
 ومن باب الإشارة إلى المسؤولية الوطنية والدستورية ليس إلاّ، والاجتهاد في محاولة تشخيصها، فإن حكومة إقليم كوردستان ليست مسؤولة على الإطلاق عن الأسباب التي دفعت مواطني الجنوب إلى إعلان انتفاضتهم، أو ثورتهم، فهي ليست المسؤولة عن الأوضاع المعاشية لسكان محافظات البصرة والنجف والمثنى وغيرها من المحافظات العراقية، باعتبار هذه المحافظات لا تقع ضمن مناطق إدارة سلطة الإقليم، وهي بالتالي ليست مسؤولة عما ستؤول الأوضاع إليها هناك، فالحكومة المركزية هي التي تخصص الميزانية لكل محافظة، وهي التي تشرف بشكل مباشر على الإنفاق عبر مؤسساتها، وهي المسؤولة مسؤولية مباشرة عما يحدث، وعما سيحدث.
وارتكازاً على التوصيف السالف الذكر، وأيضا استنادا إلى توجه السيد رئيس الوزراء العراقي في جهوده وجهود حكومته، الرامية إلى حماية المدنيين، بات لزاماً على كافة القوات الأمنية التابعة لمؤسسات الدولة، المشاركة وبفعاليّة في حماية المدنيين، وفي مقدمتها قوات البشمركة والأجهزة الأمنية في إقليم كوردستان، إذ بإمكانها أن تلعب دورا مهما وفعالا في حماية المدنيين العُزّل من شرور “المندسين” وشذاذ الآفاق والمخرّبين وما شابههم، خاصةً وأن هذه القوات هي قوات وطنية بامتياز، وتتعامل مع هكذا أوضاع بحياديّة تامّة، وهي أساساً تتبع مؤسسات الدولة العراقية، كوزارة الداخلية، وهي أي قوات البشمركة ينبغي أن تجد نفسها في موقع المسؤولية التاريخية من أجل حماية أرواح العراقيين الجياع المنتفضين في الجنوب العراقي. 
ونحن هنا نتحدث عن الشأن الثاني الذي يمكن قياسه بالشأن الأول، فالشأن بالشأن يُقاس ويُذكر ليس إلاّ.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…