عندما تحتضر مدينة هي قامشلي «عن زيارتي الأخيرة إليها ما بين 18 تموز- 19 آب 2018 »

ابراهيم محمود
9- مقبرة  Du gir ê المهدَّدة بالإزالة :
ما أكتبه تتمة للحلقة ” التاسعة ” نفسها. إنما قد يبدو المُثار خارج ” الخط “، وهو صحيح! لأن من الصعب العثور راهناً على خط كان حتى الأمس القريب معرَّفاً بكرديَّته، وهو هكذا اليوم. وأعني بذلك، وفي ضوء المستجدات ومخاطرها: احتمال تعرَّض مقبرة ” Du gir ê ” للإزالة!
ربما يكون ذلك شططاً وخبطاً.إنما ليتفضل المستفز وليقدّر إلى أي نسبة انخفض الكرد في ” قامشلوكا evîn ê ” وديركا حمكو وقد أصبحت ديركا ” حميّد ” بأكثر من معنى؟ إلى أكثر من الربع مما كانوا عليه. لتكون أكبر جامعة مكانية كردية بارزة الهدف المرصود، لمن لا يريدون للكرد أن يكون لهم وجود، وبصيغ شتى، لتصبح هذه المقبرة أثراً بعد عين !
لا يحتاج المعني بجغرافية المنطقة إلى تعيين أهم الإحداثيات الفاعلة في الذاكرة الكردية، وهي بإمضاءتها الكردية، حيث تتجمهر مشاعر الكرد، يتجدد شعورهم الكردي بماض يستقطبهم، إذ يؤمّون ” Du gir ê “، أعني مقبرتها، أعني يعيشون حميّا أكبر تجمع لرموز الكرد منذ أكثر من قرن، أعني أكبر موقعة جغرافية بكثافتها المؤثرة لمن يعلَم بأمور المنطقة. وبالتالي، فإن التخطيط لإزالة المقبرة بقائمة الرموز الكبرى، ليس هلوسة، أو إثارة مخاوف، إنما التنبُّه إلى ما يجري، وتوقع ما يمكن أن يجري، حيث الوهق ” حبل ” المشنقة يضيق باضطراد حول رقبة الكردي، تاريخه، موطىء قدمه، صلة الوصل الأثيرة بينه وبين ماضيه، شهادة تواجده…ألخ.
ما ليس وارداً في نطاق الاستنفار، ما ليس تهويلاً، هو ما يعايَن في الجهات الأربع، وحيث لم تعد ” روجآفا ” سوى ” باكري سوريي  Bakurî Sûriyê “، وحيث إن هذا الجاري يعلّم، لهذا يتطلب هذا الجاري مضاعفة النظر فيما يجري. فالأرض بأهليها، وليس من أرض بناطقة بلغة معينة، دون وجود ذلك الحضور الفاعل في النطق ومداومة التفاعل مع الأرض. 
تكون مقبرة ” Du gir ê ” من خلال علاماتها الفارقة، وما يترتب عليها من مأساة تترجم بؤس الوعي القومي الكردي، وانفلاش الصف الكردي، وحرب الكردي على الكردي، وعلى نفسه وضدها، وسعي الكردي إلى توقيف العمل بكرديته، وبأرض مقرَّرة بكرديتها أباً عن جد، تكون المقبرة هذه المحكَّ الأكبر على تقدير شأن هذا التحدي، وإظهار القوة المؤثرة في مسار أي حدث اليوم وغد، ذلك يوجّب على المأهولين بصور تلك الرموز، مكانتهم، ذاكرة المكان الآثرة، وكل سطّر يفصح عن أي منهم، في أن يتداركوا خطراً كهذا، أن يمنحوا أنفسهم، أفكارهم بعد نظر، وسعة رؤية ، وأفقاً للتحليل، ليكونوا كاسمهم كرداً، قبل تلاشي مقبرة Du gir ê .
لعلّي فيما كتبت، ممتلىء حماسة ما، انفعالاً ما. وهل ما يجري يناسبه غير ما أفصحت عنه ؟
بعدها لن يتبقى لدى الكرد ما يخسرونه، لأنه في ضوء الموسوم، يكونون قد خسروا كل شيء، كل شيء، كل…شيء !

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…