رسالة في اعتزال عالم السياسة

خالد جميل محمد
منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، حين كنت شاباً في مطلع حياتي، كانت لدي طموحات سياسية، وانخرطتُ في بعض التجارب التنظيمية غير الموفقة، لأسباب تتعلق بطبيعتي الميّالة إلى الإبداع، الكتابة، الدراسات، الاتزان وعزّة النفس، وتتعلق أيضاً بطبيعة تلك التنظيمات التي أردت أن يكون لي حضور فاعل في خدمة رسالتها التي تأمّلت حينها أن تخدم المجتمع والإنسان، والآن بعد أن وقفت على عتبة العقد السادس من عمري أدركت ضرورة أن أبتعد عن المجال السياسي والتنظيمي وأكتفيَ بإكمال رسالتي الإنسانية، الوطنية والقومية في مجال الكتابة، الثقافة والتعليم، بعيداً عن الصراعات القائمة في الميدان السياسي المشحون بالتناحرات بين أطراف يدّعي كلٌّ منها أنه يمتلك الحقيقة المطلقة وأنه المخلّص الوحيد والغَوث المقدّس.
خلال رحلتي هذه كان لي انحيازٌ أو ميولٌ أو مواقف سياسية من هذه الجهة أو تلك، ومن هذا الحزب أو ذاك، أو من هذه الشخصية السياسية أو تلك، وأعتزّ بتلك المواقف التي كانت في سياقات زمانية ومكانية محددة، وأفخر بذلك الماضي الذي لم يتلوث بأي نوع من الفساد، الأنانية، العُجب وإيذاء الآخرين، بل كان غنياً بمبادراتٍ ومحاولاتٍ ومساعيَ لم تلقَ الدعمَ اللازم لتبلغ النجاح الذي كان يُؤمّل منها، لكني سأظل أحترم تلك الجهات والشخصيات التي كنت منحازاً إليها وكذلك التي اختلفت معها في بعض المواقف الصائبة أو الخاطئة، وأكرر التأكيد على احترامي لجميع الأطراف السياسية والتنظيمات التي تحاول أن تكون أفضل مما هي عليه، لخدمة الوطن والمجتمع والإنسان، ولا شكّ في أن ذلك التفاعل كان مصحوباً بكثير من النقاء، الصفاء، المثالية والأخطاء أيضاً، وأعتبر هذه الرسالة بمثابة اعتذار عن تلك الأخطاء.
بدءأ من هذه الرسالة سأحتفظ لنفسي بأي موقف سياسي تجاه أي قضية أو تنظيم، أما ما يمكن أن يبدر مني في إطار عملي الإعلامي، مصدر معيشتي، فإنه لن يكون موقفاً شخصياً، بل سأسعى لأن أكون فيه منصفاً، موضوعياً، متزناً ومتوازناً، وآمل أن يمدني الله ببضعة أعوام لأستطيع إنجاز ما تأخر إنجازه من كتابات ومشاريع أدبية وتعليمية تنتظر عودتي إليها بهمة ونشاط، بعيداً عن عالم السياسة والتنظيمات والتناحرات.
خالد جميل محمد
16/10/2018- هولير

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…