د. محمود عباس
كللت سفيرة النوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة (نادية مراد) الكردية الإيزيدية الناجية من جرائم التكفيريين المسلمين (داعش)ٍ، الضحية من بين ألاف ضحايا الفرمان الـ 74، بجائزة نوبل للسلام العالمي، لهذا العام 2018م، مع الطبيب الكونغولي دينيس موكويجي، وذلك لـ “جهودهما لإنهاء استخدام العنف الجنسي كسلاح في الحروب والصراعات المسلحة” حسبما قالت لجنة نوبل النرويجية المانحة، وأضافت أن نادية مراد أظهرت ” شجاعة غير معتادة في رواية معاناتها” مع داعش.
وجائزة نوبل هذه تأتي بعد منحها العديد من الجوائز العالمية ومنها جائزة فكلاف هافيل لحقوق الإنسان وجائزة كلينتون العالمية للمواطن، وجائزة السلام من رابطة الأمم المتحدة في إسبانيا، وجائزة ساخاروف العالمية مع صديقتها الناجية لمياء بشار.
نادية مراد، أصبحت غنية عن التعريف، بتفانيها من أجل شعبها، وجرأتها، وإصرارها على المضي في نضالها، فهي الفتاة الناعمة البريئة التي تحمل همومها وهموم الإيزيديين عامة أينما حلت، اجتمعت خلفها مجتمعات تعاني مرارة القهر والظلم، يدعمونها، إلى أن أرضخوا الدول والمنظمات العالمية بالاستماع لأهاتها، وبالتالي الوقوف معها ومع قضيتها وإيصالها إلى نوبل، وربما أكثر، المسيرة التي يحاول البعض من الكتاب المنافقين الإسلاميين الطعن في مصداقيتها والتشكيك بمن يقف وراء نجاحها وحصولها على الجائزة، متناسين، أو جهلاء في معرفة، أن نجاحها وتفوق بسطاء الناس من أمثالها، تختلف عن صعود جميع العظماء حتى المجرمين منهم والطغاة والحاصلين على المراكز والأوسمة والجوائز، وكذلك الأنبياء والرسل، هؤلاء الذين ورائهم جماعات ومنظمات، معظمها ثلل تبحث عن مصالحها وبانتهازية فاقعة ضاربين بعرض الحائط كل القيم الإنسانية. والبعض الأخر من الكتاب يجدونها الأيقونة التي عرت الإسلام بمحافلها ودعاته السلفيين. وهي التي نشرت كتابًا بعنوان “The Last Girl” “الفتاة الأخيرة” تتحدث فيها عن مآسيها ومآسي مجتمعها الإيزيدي، وتشدد فيها على فكرة أن العدالة والحق والسلام لن يستقرا في المنطقة والعالم ما لم يتم القضاء على التكفيريين الدواعش. هي التي طالبت من على المنابر العالمية، وأمام رؤساء العالم، على محاربة داعش وأمثالهم من الإرهابين المختفين تحت عباءة الإسلام، وإنقاذ أهلها ودينها من الأشرار، فكلمتها أمام البشرية من قاعة مجلس الأمن نبهت دول العالم وخاصة الكبرى، لأحدى أبشع المنظمات الإرهابية في العالم الحاضر، حركت حينها ضمائر قادة سياسيين كانت نائمة حتى البارحة. كما وهي القائلة في حفلة التكريم أثناء نيلها جائزة ساخاروف ” هذه الجائزة تمنحني حافزاً أكبر بالاستمرار في حملة المدافعة عن الإيزيديين والأقليات الأخرى الذين تعرضوا للإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية” كما وطالبت حينها من البرلمان الأوروبي ” تقديم المزيد من الدعم للإيزيديين والمضطهدين كافة”، ولهذا فنحن على قناعة أن نوبل هذه ستزيدها تصميما على إيصال الصوت الإيزيدي إلى العالم، للحد من احتمالية تكرار أمثال الفرمانات المتتالية على مر التاريخ، ولحماية مجتمع إحدى أعرق الديانات في التاريخ (الأزداهية) من الإرهابيين التكفيريين المسلمين أو المختفين تحت غطائها.
أثبتت اللجنة القائمة على جائزة نوبل للسلام العالمي، من جهة، مثلما قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي (فريدريكا موجيريني) ” قوة وشجاعة ورؤية ” بمنحها الجائزة لنادية مراد والطبيب الكونغولي. ومن جهة أخرى، للعالم وللإيزيديين ولنا وللأنقياء من البشر أن دعاة السلام اليوم انتصروا على حملة رايات الإرهاب والإجرام، ودعاة نشر الإسلام بالغزو والسبي. علماً أن السلام لا يزال غائبا عن أهل (نادية مراد) وعن أخواتها الإيزيديات اللواتي لا زلن في غياهب الضياع، وداعش وأخواتها من القوى الإسلامية، لا يزالون يعيثون في المنطقة إجراما، ويستمرون في سبي النساء، وإرضاخ الأطفال المخطوفين من الإيزيديين والأقليات الدينية الأخرى في المنطقة، على ترك دينهم واعتناق الإسلام، لمحاربة أهلهم على دينهم، تيمننا بالسلف الإسلامي، وتطبيقا حرفيا لأجزاء من النص.
وخلف كل هذه المآسي والكوارث والجروح التي لربما لن تندمل يوما، نفتخر بما حصلت عليه خوشكا (نادية مراد) ونهنئها ونهنئ كل إيزيدية في أمتنا الكردية. ليس فقط لحصولها على الجائزة بل لصبرها وجرأتها وعدم تقاعسها على محاربة داعش والمنظمات الإرهابية المماثلة لها بكل ما أوتيت من القوة والإمكانيات، وفضح الذين لا يزالون يعبثون بمصير شعوب المنطقة، وينشرون المفاهيم الموبوءة، ويستخدمون الأساليب القذرة للعبث بحياة المسالمين من الناس، ونهنئها على تنبيه البشرية على معاناة الأخوات والإخوة الذين لا يزالون في الأسر، من الديانة الإيزيدية والمسيحية، والتركيز على تبيان مآسي الألاف من أهلنا الإيزيديين المشردين ضمن المخيمات المنتشرة بين كردستان إلى اليونان وغيرها من دول العالم، رغم تحرير مناطقهم المدمرة بمقدساتها، وحيث لا تزال قراهم، ومن بينهم قرية الناجية ذاتها، المانحة للجائزة (نادية) كوجو وشنكال، خالية من أهلها وناسها، وأطفالها.
لا يصح الحديث عن رسولة السلام، وحاملة جائزة النوبل العالمية، دون التنويه إلى الدور الكبير الذي قدمه أبن الإيزيدية البار (مراد إسماعيل) أحد مؤسسي منظمة (يزدا) والذي تخلى عن رسالته الدكتوراة وقد كانت في أواخر مراحلها، ليتفرغ لخدمة شعبه بعد الكارثة، فقد كان ولايزال له ولمجموعة الإخوة المؤسسيين والعاملين في المنظمة خدمات جليلة في إيصال صوت (نادية مراد) والمجتمع الإيزيدي قدر الإمكان إلى الهيئات والمنظمات العالمية، فهم كانوا بجانبها ومن داعميها في كل المناسبات، طرقوا لها أبواب العالم، ورافقوها في جميع جولاتها، وترجموا لها وساندوها معنويا ونفسيا في معظم أن لم نقل في جميع لقاءاتها، ضمن المحافل الدولية، ومع رؤساء الدول، وفي المراكز الإعلامية وغيرها، وإن دل هذا الإسناد المعنوي والعملي على شيء ما، فهو يدل على أن توحيد الصوت الإيزيدي الكردستاني سيؤدي إلى انتصار الخير على الشر، وأن توافقهم وتكاتفهم ستسهل لهم فتح الأبواب الدولية، وستوصل قضيتهم إلى مراكز القرار، وسيكونون مثالا لكل الشعب الكردي. وهذا ما تم إثباته اليوم، فبمشاركتهم وتعاضدهم، نجحوا، وأكدوا أن العدالة ستتحقق يوما ما وبشكل ما على الأرض ولصالح الأديان والأقليات المضطهدة، وأنه: هناك من يثمنون الجهود المشتركة لأجل السلام، تدعمهم شعوب حضارية تعمل بصدق للإنسانية، رغم هزال هذه الثقافة بين شعوبنا كالتي تعيش بينهم مجتمع الناجية (نادية مراد) عزيزة الأزداهية، المكللة بأثمن جائزة معنوية في العالم (نوبل للسلام).
وتبقى الجائزة رغم هذا بداية مرحلة الانتصار لعزيزتنا (نادية مراد) ولأهلنا الإيزيديين، علما أن الرحلة النضالية شاقة وطويلة، والتي اضطرت على خوضها مع مجتمعها الإيزيدي، منذ لحظة غزوة حثالة البشر لشنكال وقريتها الأمنة المسالمة كوجو، وهروبها من براثن حثالات البشر، إلى يوم تمثيلها لأخواتها من الأطفال والنساء السبايا في قاعة مجلس الأمن، وهيئة الأمم المتحدة، والبرلمان الأوروبي، والكونغرس الأمريكي، ومكاتب العديد من رؤساء الدول، والمراكز والهيئات الدينية المتعددة، من جامعة الأزهر إلى الفاتيكان إلى معابد الهندوس إلى السيناكوكات اليهودية، وأثناء حواراتها العديدة مع المراكز الإعلامية العالمية. ولانتصاراتها هذه على الأشرار وحملة الثقافات الفاسدة، تعرضت إلى الكثير من الانتقادات والتهجم المغرض، خاصة عندما لبت طلب الكنيست الإسرائيلي، ورئيس وزرائها، وسافرت إلى إسرائيل وهي تحمل هموم أمتها، وأهلها، دون التمييز بين الأديان والصراعات السياسية المنافقة، وقد كتبنا حينها مقالا تحت عنوان (زيارة نادية مراد لإسرائيل صائبة) على حلقتين، ردا على المنافقين والمطلبين باسم الإسلام.
وتبقى الجائزة، دون سوية تعويضها جزء من ألامها، رغم مكانتها، وأهميتها، وتأثيرها على الرأي العام العالمي، ودورها في معرفة هول الكوارث التي حلت بأهلها والديانة الإيزيدية، أو تعويض شذرات من مآسي أخواتها السبايا، والمخطوفين من الأطفال، والأهل المقتولين والمشردين، أو فتات من عزتهم وكرامتهم. فكما ذكرتها الشاعرة (أفين إبراهيم) من على صفحتها في الفيس بوك ” مبروك يا نادية، مع أني أعلم جيدا أنه لا من جائزة على وجه الأرض تستطيع أن تجعل جرحك الكبير يبتسم”.
لا نوبل ولا ساخاروف ولا العشرات من الجوائز العالمية تستطيع أن تزيل من الذاكرة لحظة من لحظات المعاناة والمآسي المعاشة، ولن تحل مكان الألم والقهر المغروز في الأعماق، والتي ستبقى هناك على مدى التاريخ حاضرة بكل أثقالها، كالألاف من الحوادث، المؤلمة والكوارث الإنسانية، المماثلة لها على مر القرون الماضية، وبأيدي الجحافل المشابهة لداعش وأجدادهم التكفيريين المسلمين.
ملاحظة:
1 أرفق ملف مقالتي المذكورة من موقع ولاتي ما:
2- الصورة الأولى أنا وأفين إبراهيم ونادية مراد في شقة الأخ مراد إسماعيل بهيوستن، بعد كلمتها في مجلس الأمن.
3- والصورة الثانية لناديا مراد أثناء تسلمها جائزة ساخاروف، وهي بلباس المرأة الإيزيدية.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
5/10/2018م