كوردستان و قصة إدراتين منفصلتين

الأمازيغي؛ يوسف بويحيى
للعلم فقط قبل كل شيء أن هذه الأسطر التي أود أن أكتبها حاليا ماهي إلا إمتداد و تكملة للحقائق التي ذكرتها في المقالين السابقين ، الأول كان بعد سقوط “كركوك” بشهر علما أعتقد بعنوان “لنضع النقاط على الحروف” ،والثاني كان قبل أيام بعنوان “البارزاني قصة طويلة مع الإستفتاءات” ،كل هذه القراءات و البحوث تكشف حقيقة معدن الإنسان المخلص و الخائن.
دون إطالة أود ان أكشف سبب تداول فكرة “الإدارة الذاتية” في كوردستان باشور؟؟،ومن القيادي الأول الذي دعا لها؟؟،وما السبب الذي أدى بالمطالبة بها؟؟، وأي الأهداف المرسومة جراء المطالبة بها؟؟ وغيرها…
لتعود بالذاكرة إلى الوراء بإختصار شديد ،بالضبط منذ تأسيس حزب الإتحاد الوطني الكوردستاني سنة 1975 بقيادة “جلال طالباني” ،من خلاله رسم الحزب عدة أهداف و مشاريع نضالية حسب خطابه الحزبي ،ظنا من جميع داعمي أن المسألة سهلة مادام أن هناك دعم مادي و معنوي متدفق من نظام إيران و سوريا بشكل دائم ،توالت سنين النضال العسكري ضد نظام البعث من كل الجبهات الكوردية بشكل متقطع إلى سنة 1992 ،في هذه السنة بالذات إنقلبت كل الموازين والمعادلات السياسية نتيجة إجراء أول تجربة إنتخابية إكتسحها حزب الديموقراطي الكوردستاني بزعامة “مسعود بارزاني” ، وتغلغل إنتصار “البارتي” في منطقة ””””السليمانية” ما قلص دور “اليكتي” سياسيا.
على إثر ذلك أحس “اليكتي” و داعموه أن الديموقراطية لا تنفع للحفاظ على الهيمنة السياسية في ظل قوة “البارتي” جماهيريا ،لهذا كانت الخطوة البديلة هي إقتسام المحافظات بطريقة (50%_50%) أي ما سماها “الطالباني” بالفيفتي فيفتي ،وذلك لإبعاد إديولوجية “البارتي” عن السليمانية المطلة على كوردستان “روجهلات” إيران ،وثانيا الحفاظ على تواجده السياسي بدون منافس في محافظته ،ضمنيا مع اللجوء إلى القمع و الترهيب و محاربة الأصوات المعارضة.
كانت منطقة “كركوك” (النفطية) الهدف الرئيسي عند  “جلال طالباني” ،والذي طالب في أكثر من مناسبة بضمها لإدارته بعد سقوط صدام ،معتبرا إياها محافظة من حصة حزبه ،إلا انه فشل فشلا ذريعا سواء إبان نظام “صدام حسين” و بعده ،والسبب أن سياسة “البارزاني” و معرفته بما يحاك في مطابخ إيران و سوريا و “الطالباني” حال دون حدوث ذلك ،والسبب إقتحام “البارزاني” “كركوك” في لمح البصر بعد الهجوم الأمريكي على نظام البعث ،لهذا لم يترك أي حل أمام “جلال طالباني” سوى التفاوض لا فرض أمر الواقع الحزبي.
لم تكن خطة “جلال طالباني” وليدة اللحظة و لا المرحلة الأخيرة لنظام البعث ،بل حاول مطولا و آخرها في أواسط الثمنينيات عندما توجه إلى بغداد وحيدا طارحا للرئيس “صدام حسين” إقتراح التنازل على كوردستانية “كركوك” مقابل نسبة مالية من حصة النفط ،أنذاك كان رد “صدام حسين” واضحا بقوله: العقبة هي مسعود و ليس انت يا جلال.
كان “جلال طالباني” يرى من خلال المطالبة بالإدارة الذاتية المستقلة باب سيؤدي إلى العديد من الأهداف التي رسمتها إيران ،أولها محاصرة المشروع القومي لحزب البارتي جغرافيا و سياسيا ،ثانيها إضعاف كوردستان سياسيا و إجتماعيا ،ثالثها محاولة إقتطاع السليمانية كولاية إيرانية ،رابعها قطع الوريد الإقتصادي على حزب البارتي بالسيطرة على المناطق الكوردستانية الغنية (المتنازع عنها) ،فلو لاحظنا جيدا الواقع الملموس سنرى أن جميع هذه المخططات تمت بشكل فعلي على الأرض ،آخرها إحتلال “كركوك” على يد الحشد الشعبي بمساعدة خونة الإتحاد الوطني الكوردستاني.
إن حقيقة المخطط الذي كان يعمل عليه “جلال طالباني” مع إيران بخصوص مسألة “كركوك” كانت هي النتيجة التي نراها الآن ،بمعنى تمهيد الطريق أمام القوى الإيرانية لإحتلالها و قطع الخزان الطاقي على كوردستان ،وإفشال مشروع النهضة و التنمية و الإستقلال و الإكتفاء الذاتي ،من طبيعة الحال مع إحترام نسبة “الطالباني”  في كعكة “كركوك”.
وفقط للإشارة و التوضيح أكثر تفاديا لهذا التساؤل المعاكس من القراء بخصوص كيف تم إتفاق “اليكتي” و “البارتي” على الفيدرالية!!؟؟ ،أقول أن مسألة الفيدرالية لم تكن أبدا من مطلب “اليكتي” بعد سقوط نظام البعث ،بينما “البارتي” رحب بها بشدة كإطار ديموقراطي سيجمع جميع الأحزاب الكوردية في العملية السياسية من أجل طي صفحة التفرقة و الصراعات ، 
فأمريكا هي من جمعت بينهما واضعة مشروع الفيدرالية كبديل وحيد و أوحد ،فما كان على “جلال طالباني” سوى قبوله مرغما لكن بنفس السلوك و المعاملة و العقلية (فيفتي فيفتي) ،دون نسيان رفضه (جلال طالباني) القاطع لمطلب “مسعود البارزاني” بوساطة أمريكية في توحيد البيشمركة تحت مؤسسة مستقلة بعيدة عن الأحزاب.
خلاصة القول هي أن ما يحدث الآن على أرض كوردستان بمثابة حقيقة مشروع “جلال الطالباني” ،لهذا فلا عجب إن طالبت زمرته مستقبلا بالإنفصال عن حكومة الإقليم بإدارة مستقلة ،بعدها غير مستبعد أن تسلم حكومة بغداد و إيران المناطق المحتلة المتنازع عليها للإتحاد الوطني الكوردستاني (أل طالباني) ذلك لتحويل الصراع من عراقي_كوردي إلى صراع كوردي_كوردي ،وهذا للعب على الوتر الدولي و شل قافلة الإستقلال.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…