إدريس سالم
لقد نسي المتابع الكوردي قضيته السياسية والأساسية في غربي كوردستان، والتي تمتدّ من عفرين إلى ديرك، إذ بات يُستخدم على الصفحات الزرقاء مصطلح «شرقي الفرات»، بدلاً من «غربي كوردستان»، رغم أن الإعلام الغربي والعربي هو مَن يتداولها ويروّج لها، في إشارة إلى أنها منطقة النفوذ الأمريكي «أمريكا باعت الكورد في كركوك وعفرين، وستبيعهم في كوباني وقامشلو، بطرق وأساليب مختلفة»، إلا أن الكوميديا الكوردية السوداء والساخرة في شرقي الفرات وتحليلاتها للقصف التركي على القرى الآمنة والمأهولة لها حكاية أخرى، منها تكتيكية ومنها إستراتيجية.
هناك مَن يعتقد أن كلّ ما يحصل على حدود مدينتي كوباني وكري سبي هو لإجبار قوّات سوريا الديمقراطية “قسد” على تنفيذ “اتفاق منبج” بين الأتراك والأمريكان، والانسحاب من المدينة فوراً, بغية تنظيم دورات عسكرية مشتركة، هذه الدوريات التي بدأت يوم أمس، بحسب ما قاله وزير الدفاع التركي عصمت يلماز، كخطوة لتخفيف التوتر بين أعضاء حلف شمال الأطلسي «ما مضمون الدوريات الأمريكية التركية المشتركة في مدينة منبج؟ وما أهميتها؟ وما الأهداف التي تحاول واشنطن وأنقرة التوصّل لها؟». (1)
هناك مَن يعتقد بأن ما يحصل في شرقي الفرات هو نوع من الضغوطات على الإدارة الذاتية من طرف روسيا والنظام السوري بعصا الدولة التركية، بعد فشل المحادثات بين النظام والإدارة الذاتية، وذلك لمثول الأخيرة لطلبات النظام، لما ستؤول عليه منطقة شرقي الفرات، وأن أمريكا لن تسمح بتغيير التوازنات في المنطقة لصالح روسيا. (2)
هناك مَن يعتقد بأن تركيا أخذت الضوء الأخضر من ألمانيا وبتحريض روسي، على خلفية القمّة الرباعية التي جمعت بين بوتين وميركل وماكرون وأردوغان، وفي ضيافة الأخير، بمهاجمة شرق الفرات، معلّلاً القضية بقضية استفتاء الاستقلال في إقليم كوردستان، وأن ألمانيا وقتها كانت تخشى على وحدتها ووحدة الدول الأوربية، جراء هذا الاستفتاء، والخوف من أن ينتقل الداء إلى إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا نفسها، بما أن ولاية “بايرن ميونخ” لديها أيضاً نزعة استقلالية، وأن ذلك ينذر بتفكّك أوروبا، وعودة الصراعات والحروب من جديد. (3)
هناك مَن يعتقد بأن سيناريو عفرين سيتكرّر في كوباني وبعدها في قامشلو «كلّ المراقبين والمحلّلين يرجّحون أن تركيا ستدخل شرقي الفرات من بوابة تل أبيض، لتفكيك التواصل والتفاعل بين المناطق الكوردية الثلاث!!»، مُقدمين على طرح مبادرة على الطاقم الذي يدير شرقي الفرات، من خلال النقاط التالية:
1 – خروج جميع قيادات الإدارة الذاتية بسلام من غربي كوردستان، وتحت رعاية واشنطن وهولير.
2 – تسليم قيادة المناطق الكوردية إلى أبناء المنطقة الحياديين وغير العسكريين والحزبيين.
٣ – إزالة جميع المظاهر التي تتعلّق بحزب العمال الكوردستاني، ووضع العلم الكوردي مكانها.
٤ – ضمّ قوّات الحماية الشعبية إلى بشمركة غربي كوردستان “لَشكري روج”، ويجب أن يكونوا حياديين لشعبهم بشكل مطلق.
٥ – إعادة أبناء المناطق الكوردية إلى وطنهم، ومنهم بيشمركة غربي كوردستان، لبناء الوطن، ووضع تلك القوّة العسكرية تحت القيادة المدنية الحيادية.
٦ – انتخاب قيادة مدنية مؤقّتة من الشخصيات المثقّفة والسياسية والمقبولة من الشعب الكوردي، لإدارة غربي كوردستان، حتى يستتب الأمن والاستقرار. (4)
هناك مَن يعتقد بأن تصريحات رجب طيب أردوغان توحي إلى احتمال إعطائه الضوء الأخضر الدولي، مع اتفاق إقليمي في هذه الخطوة العسكرية على الكورد، متسائلاً: “كيف سيكون وجود أمريكا في المعادلة السورية إن أعيد نفس مشهد عفرين في مناطق شرق الفرات؟! وهل فعلاً تفكّر أمريكا في تبديل القوّات الكوردية بتأسيس قوّات عربية بديلة لها في شرق الفرات، كما صرّح البنتاغون منذ عدة أشهر؟!”، مرجّحاً احتمال أن تكون الحرب بين القوّات الكوردية وميليشيات المعارضة السورية من أجل القضاء على بعضها البعض، وإضعافهما على الأرض، باتفاق روسي أمريكي، مع العلم أن أمريكا وروسيا تخطّطان منذ مدّة للقضاء على هذه القوات غير المرغوب فيها، بعد أن انتهى دورها. (5)
ما السبب الذي يقف وراء عدم تدويل القضية الكوردية في غربي كوردستان في الأروقة الدولية، من مؤتمر جنيف في سويسرا، إلى آستانة في كازاخستان، والرياض في السعودية، وصولاً إلى سوتشي في روسيا؟ لعلّه سؤال جوهري كبير، إلا أن الإجابة عليه، والعمل على حلّه بشكل جماعي موحّد، سيخرج بنتائج إيجابية، ستساعد الكورد في تثبيت حقوقهم في الدستور السوري، وتدويلها، والاعتراف بها وفقاً للعهود والمواثيق الدولية «القوة الجماعية الموحّدة وحدها مَن ستجبر المجتمع الدولي الالتزام بالمواثيق التي تؤكد حق الشعوب في تقرير مصيرها»، وبالعودة إلى الإجابة على السؤال المطروح، فأرى أنها تندرج في ثلاثة أسباب رئيسية:
أولاً – الانقسام الكوردي – الكوردي:
إن التنظيمات الكوردية التي كانت تناضل قبل الثورة السورية، وحتى التي تلتها أثبتت أنها تنظيمات افتراقية وليست وحدوية «في كل عملية وحدوية بين عدّة تنظيمات كوردية تلد منها ثلاثة أو أربعة أو خمسة أحزاب، بعضها ذو وجود واقعي، والآخر افتراضي!!»، لما حملوا في ثقافاتها قيم وأدوات الافتراق أكثر من التمسّك بالاجتماع، وهذا الافتراق هو أكبر وأخطر عدوّ يواجهه الشعب الكوردي، فيما الدول المعادية لكوردستان تعمل جاهدة على تغذية هذا الانقسام، بالعدّة والعتاد.
ثانياً – مصالح الدول الكبرى أهم من توحيد أو تقسيم الشرق الأوسط:
إن مصالح الدول الكبرى في مستنقعات الشرق الأوسط أهم من كوردستان، وأقوى من إرادة شعوب المنطقة «كل حكومات العرب والغرب تحارب من أجل المال والسلطة، وليس لتحقيق إرادة شعوبها وحلّ قضاياها»، فعندما تدعم أي دولة كبيرة لأيّ فصيل كوردي، سياسياً كان أم عسكرياً، فحتماً الهدف الأول والأخير منه هو تحقيق مصالحها وتقوية اقتصادها «المصالح لا تعرف للشعوب إرادة، إذا ما تعارضت معها»، والمصيبة الكبيرة هي أن علاقة الكورد معهم أثبتت أنها علاقة تكتيكية وليست إستراتيجية، أيّ أن الكورد فشلوا في إقناع الدول الكبرى على أن يكونوا حلفاء دائمين لهم «هل يستفيد الكورد من أخطائهم وتجاربهم؟».
ثالثاً – قمع الدول الإقليمية المحتلة لكوردستان:
إيران منشغلة بجنوب كوردستان وهلالها الشيعي، وتركيا بغربها، أيّ، هما متفقتان على قمع كلّ مشروع تحرّري استحقاقي خاصّ بالكورد، من حكم ذاتي، أو فيدرالية، أو كونفدرالية، أو الدولة القومية المستقلة، وستعملان دائماً – دون كلل أو ملل – على صهر الوجود الكوردي، أيّ، يؤكّدان على الدور المحوري الاستراتيجي السابق واللاحق بينهما، في أيّ ترتيبات تخصّ الأمن القومي للبلدين.
خلاصة القول أن الفرصة الثمينة والأخيرة تكمن في أن ترتفع صرخاتهم عالياً، وبشكل فعلي، ضدّ الحركة السياسية الكوردية، والمتمثّلة بحركة المجتمع الديمقراطي (Tev – Dem) والمجلس الوطني الكوردي (ENK.S)، بتنظيم المظاهرات والاعتصامات، داخلياً، أمام مقرّاتهما الرسمية ومنظّماتهما المنتشرة في المناطق والمدن الكوردية، وخارجياً، أمام ممثلياتهما المتواجدة في الدول الأوروبية، ويبادروا إلى التواصل والتنسيق المستمرّين، بإجبارها على توحيد الموقف والمشروع الكوردي قبل فوات الأوان، إذ ليس من المعقول أن يقدّما مصير الشعب الكوردي قرباناً على مذابح أجنداتهما الحزبوية، والخطورة القادمة بدأت مفعولها، والتي تتركز أولاً على إعادة ترميم النظام السوري، وثانياً رفض قيام أي كيان كوردي في غربي كوردستان، في ظل الأوضاع غير مستقرة، والفوضى الخلاقة في عموم الشرق الأوسط.
ـــــــــــــــــــــ
* المصــــادر:
1 – علي تمي: سياسي وقيادي في تيار المستقبل الكوردي.
2 – سردار محمود: ناشط سياسي كوردي.
3 – محمد حبش كنو: كاتب كوردي.
4 – عزّت أفندي: طبيب جراحة عظمية كوردي.
5 – يوسف بو يحيى: كاتب وباحث أمازيغي.