حاوره: عمر كوجري
قال محمد برمو البرلماني الدمشقي السابق، ورجل الأعمال ورئيس الجمعية الوطنية السورية في حوار خاص مع صحيفة «كوردستان» أعتقد ان المرحلة القادمة بالجزيرة السورية هي مرحلة هامة ومعقدة، والخوف ليس فقط من اقتتال عربي كردي، بل أصبح الخوف من الاقتتال الكردي -الكردي، وبالذات بعد انحسار خطر قوات داعش الظلامية، وأعتقد أن المرحلة القادمة الصعبة للرقة والجزيرة السورية تحتاج إلى حكمة رجل دولة مثل السيد مسعود البارزاني للمساعدة بجمع الأطراف الكردية نحو طاولة حوار وطني سوري، واتمنى على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة دعم هذا المسار للحوار، وتجميع كل الأطراف العربية بالجزيرة السورية نحو مشروع وطني السوري.
وعن استدامة الحرب في سوريا طيلة هذه السنوات، والتي لم تبقِ حجراً على حجر في سوريا أكد السيد برمو لصحيفتنا: أنا شخصياً لم أقتنع أن النظام سيزول بالسرعة التي أملها الكثير، وأرسلت رسائل لقيادات في المعارضة، وكنت وقتذاك في الداخل، وقلت في رسائلي أنه يجب العمل وفق استراتيجية قد تمتد لعشر سنوات لإسقاط النظام الاستبدادي في سوريا، كان هذا الكلام منذ بدء الحراك الثوري السوري في العام 2011 لأنني أعرف تماماً مدى تشكل النظام، وتشابكاته وعلاقاته وحرص الوسطين الدولي والاقليمي على استمراره حتى لو يتدمّر نصف سوريا، لأنه كان ومازال يقدّم الخدمات الكبرى لأعداء السوريين، ولن يلقوا بديلاً عنه في المنظور القريب.
حول هذه الأفكار، وأفكار رأيناها هامة حاورت « كوردستان» السيد برمو:
* بداية نريد تعريف قراء صحيفتنا بجمعيتكم، وما موقعها ضمن خارطة المعارضة السورية؟
بكل محبة، وشكراً لكم على هذه الاستضافة في صحيفة كردية، نعم فقد تشكلت الجمعية الوطنية السورية (مجموعة عمل قرطبة) من أفراد مستقلين، بهدف إسقاط النظام الاستبدادي في سوريا، ومن خلال القيام بدور فاعل في الثورة السورية، والسعي إلى التغيير الديموقراطي، وإحلال السلم وشد الوشائج والروابط الاجتماعية بين جميع السوريين، وإذ تعلن الجمعية الوطنية السورية عن نفسها كيانا سياسيا معارضا، فإنها تشكل نواة لتحالف وطني واسع لكافة القوى السورية الساعية إلى تحقيق طموحات الشعب السوري، في الوصول إلى نظام من التعددية الفاعلة والنهج الديموقراطي العلماني في دولة، تكفل الحقوق والمساواة والعدالة لكافة أبنائها، دون تمييز على خلفيات دينية أو عرقية أو إثنية، وتسعى الجمعية الوطنية السورية إلى إعادة الثقة بين مكونات الشعب السوري بعد التمزق الذي طال نسيجها المجتمعي نتيجة الاستبداد والأحداث التي عصفت في البلاد، وتعزيز الهوية الوطنية السورية، التي تتقدم على الهويات القبلية والجهوية والمذهبية والاثنية، في إطار الدولة الوطنية الجامعة لكل أبنائها، على أسس الحرية والعدالة والمواطنة وحقوق الإنسان، وتحقيق المواطنة في وطن موحد من كل القوميات والطوائف، ضمن إطار دستوري يعترف بالتعددية السورية ويصونها، وإن سعينا المتواصل لوحدة أبناء سورية من أجل هوية وطنية جامعة هو هدف لن نحيد عنه، وستبقى أيدينا ممدودة لكافة القوى الوطنية لرص الصفوف والتعاون، من أجل خلق وعي جماعي.
وقد عملت مجموعة عمل قرطبة على دعوة المكون الكردي عام 2013 من ضمن نشاطات الجمعية الوطنية بجميع المكوّنات السورية، وقد صدرت وثيقة سياسية تعتبر أعلى سقف وطني للمطالب الكردية في سوريا، تتحدث هذه الوثيقة عن سوريا الاتحادية، وتعمل ضمن سوريا الديمقراطية العلمانية التي تحفظ حقوق جميع المكونات.
* بعد حوالي ثماني سنوات من حرب النظام على الشعب السوري، هل كنت تتوقع أن تدوم هذه الحرب طيلة هذي السنوات؟
هذه أحد الأخطاء الكبيرة الفادحة التي وقعت بها المعارضة السياسية السورية، حيث أن توقعاتها لم تكن دقيقة ولا صائبة، وظنت أن الوضع والنظام في سوريا يشبه مصر أو ليبيا أو اليمن، وهذا لم يكن صحيحاً لأن طبيعة النظام السوري معقدة بشكل كبير، ولم يكن الجيش جيشاً وطنياً يؤازر الشعب كما في مصر مثلاً، بل كان جيشاً عقائدياً فاصطف مع الطاغية، ولم يصطف مع الشعب، بل قتل ومازال من أهله وإخوته.
أنا شخصياً لم أقتنع أن النظام سيزول بالسرعة التي أملها الكثير، وارسلت رسائل لقيادات في المعارضة، وكنت وقتذاك ماأزال في الداخل، وقلت في رسائلي أنه يجب العمل وفق استراتيجية قد تمتد لعشر سنوات لإسقاط النظام الاستبدادي في سوريا، كان هذا الكلام منذ بدء الحراك الثوري السوري في العام 2011 لأنني أعرف تماماً مدى تشكل النظام، وتشابكاته وعلاقاته والحرص من الوسطين الدولي والاقليمي على استمراره.
* كيف تقرأ المجزرة التي طالت أهلنا في السويداء قبل أيام من قبل تنظيم داعش الإرهابي، وراح ضحيتها العشرات من الأبرياء؟
بداية، بني معروف أهلنا ومن أركان البيت السوري، ونحن مازلنا مفجوعين من هول الكارثة التي ألمت بهم، ونفذها تنظيم داعش الإرهابي، كل سوريا تعاني من إرهاب هذا التنظيم، هذه الجريمة تشبه الى حد بعيد جريمة التنظيم بحق أهلنا الكرد الايزديين في شنكال العام 2014 نحن نؤكد على أمرين هامين وهما أن الدين الاسلامي بريء من هؤلاء القتلة الأفاقين، فدينهم ومعتقدهم هو الإجرام والقتل، وكان ومازال أغلب ضحاياهم من المسلمين السُّنَّة.
والنقطة الثانية تم استخدام هذا التنظيم من قبل نظام الملالي في إيران والنظام السوري، ولمرات عديدة لضرب السوريين وقتلهم.
بطبيعة الحال النظام المجرم في دمشق له يد طولى علنية، وليست خفية في تسهيل عمل تنظيم داعش لارتكاب هذه الجريمة المدانة بكل المقاييس، وقد تم نقل هؤلاء من جنوبي دمشق ببولمانات مكيّفة الى القرب من السويداء ليرتكبوا جريمتهم النكراء ضد أهلنا المسالمين.
ونحن نعلم جيداً أن النظام يثأر من أهلنا في السويداء الذين أبوا الانخراط المجاني في سلك القتل والإجرام بحق شعبهم، والعديد من شيوخ العقل أصدروا فتاوى بتحريم إهراق دماء السوريين، ودعوا أولادهم إلى عدم الالتحاق بالتجنيد الإجباري في جيش النظام، وقد دفع الشيخ وحيد البلعوس حياته ثمناً لمواقفه العظيمة، فاغتالته يد الغدر العام 2015 في قلب السويداء عن طريق تفخيخ سيارته من قبل المخابرات العسكرية في السويداء.
* كيف استقبلت مأساة الكرد الايزديين في العام 2014 على يد تنظيم داعش الارهابي، وكنت قد أرسلت عدة رسائل تضامنية مع الكرد الايزديين؟
كان عملاً وحشياً مداناً، ونحن في الجمعية الوطنية السورية أدنّا ذلك العمل الجبان بشدة، وكانت لنا أياد لتحرير العديد من النساء الايزديات الكرديات المختطفات من قبل تنظيم داعش الارهابي بالتنسيق مع مجلس ايزديي سوريا، ونحن بصورة عامة نتضامن مع أي إنسان مظلوم وفي أي مكان، فكيف إذا كان المظلوم من أهلنا وأحبتنا مثل الكرد الايزديين الذين عبر تاريخهم لاقوا الكثير من الويلات والفرمانات التي أمرت بإبادتهم وتدميرهم.
*ماذا أعطت الحرب السورية للسوريين، وخصوصاً الكرد والعرب؟
جاءت الحرب السورية لتؤكد على المصير الواحد والاخوة بين الشعوب السورية، ورأينا كيف اختلط الدم الكردي مع الدم العربي وباقي المكونات والاثنيات في سوريا من أجل مستقبل أفضل للبلاد.
*كان هناك توجس وعدم ارتياح متبادل من قبل النخب الثقافية والسياسية الكردية والعربية، وكان التواشج ضعيفاً، قبل وإلى حد ما بعد الثورة السورية، إلامَ تعزو ذلك؟
نعم، وقد لمست ذلك تماماً كما تفضلت، على العموم هذا ليس وقت جلد الذات، حالياً يتوجب على النخب الثقافية والسياسية الكردية والعربية تحمّل مسؤولياتها الكبرى لرأب كل صدع حصل سابقاً أو قد يحصل غداً وفي هذه المرحلة العصيبة من تاريخ شعوبنا السورية، علينا جميعاً التركيز على إيجاد مناخ جيد للإيجابيات، والابتعاد عن كل ما يدعو للتعصُّب والتفرقة والتشتت، وأستغل مناسبة سؤالك لأقول لك بقلب كليم أن الكثير من النخب الثقافية الكردية تركز ولأيام على تصريح سلبي صدر من شخص ما عربي، بينما لا ترى هذه النخب التصريحات الإيجابية الكثيرة التي تصدر من بعض وجوه الثقافة والسياسة العربية، وهذا الخطأ عينه.
وبخصوص الترقُّب والتوجُّس المتبادل فأنا أعزو ذلك الى الآثار القاتلة لعقود من تربية النظام الاستبدادي والشوفيني، وهذا ما يعاني من آثاره المدمرة السوريون حتى الآن.
* كان لك دور كبير في دعم الاستفتاء في كوردستان العراق، وألقيت كلمات تدعو الشعب الكردي فيها لإنجاح الاستفتاء، ماهي الرسالة التي كنت تريد إيصالها للشعب الكردي؟
نعم بالتأكيد، كنّا داعمين لخطوة استفتاء كوردستان العراق من باب إيماننا بحق الشعوب بتقرير مصيرها ووجود حكومة الاقليم ضمن شبه دولة عراقية يتحكّم بها ساسة مرتهنون لنظام الملالي في إيران يبرر هذه الخطوة، ورسالتي كانت للإخوة الكرد أن يعرفوا أن لهم إخوة من المكون العربي يدعمون حقوقكم وتوجهاتكم، فالتفتوا إليهم.
وفي النمسا كانت مشاركتي الشخصية قوية الى جانب اخوتنا الكرد لدعم الاستفتاء، وألقيت كلمة في أحد المهرجانات الداعمة للاستفتاء قلت فيها “يسعدني اليوم أن أكون بين أهلي وإخوتي، ضمن فعاليات دعم الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق، ليس استنادا لإيماننا بحق الشعوب في تقرير مصيرها الذي كفلته العهود والمواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان فحسب، بل احتراما وتقديراً لحق مواطني الإقليم في التعبير عن إرادتهم في بناء دولتهم المستقلة، تتويجاً لمسيرة نضالات طويلة، وتضحيات كبيرة، عكست نزوعاً وتطلعا متجذراً نحو الانعتاق والتحرر والاستقلال.
وانتهز فرصة هذه المناسبة لأعبر عن أملي وثقتي الكبيرة بأن تكون عملية الاستفتاء، خطوة باتجاه إقامة دولة ديمقراطية علمانية تعددية، قائمة على مبدأ المواطنة الكاملة والمتساوية لجميع مواطنيها، دولة عصرية تقف على مسافة واحدة من جميع مكوناتها القومية والدينية، وتستظل بهوية تستوعب كل ألوان الطيف الوطني وتعكسهم في رموزها وفضاءاتها الثقافية والسياسية والإعلامية، ولتكون نواةً لتحقيق الاستقرار في المنطقة ومشروعاً يُحتذى في ضمان الحريات وتعميق ثقافة التنوع وقبول الآخر وترسيخ قواعد السلام والازدهار في المنطقة.
وإنني إذ أبارك لكم هذه الخطوة وأعبر عن دعمي ومناصرتي لحقكم في تقرير المصير، فإني أدعو من هذا المنبر كل أحرار العالم للالتفات إلى عدالة قضيتنا كسوريين ودعم ومناصرة حقوقنا المشروعة في التحرر من النظام الإجرامي وإنهاء مأساة شعبنا ودعم تطلعاته في بناء الدولة الديمقراطية العلمانية وفق معايير المواطنة والحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان.
*أكثر من مرة رفض الرئيس مسعود بارزاني دعوات من رئيس النظام السوري لزيارة دمشق، ووقف الرئيس دائما مع حقوق السوريين في حياة كريمة، ودعم المعارضة السورية، ماذا تقول في هذا السياق؟ وعلى مدى سنوات الحرب في سوريا دخل مئات الالاف من السوريين الكرد والعرب وغيرهم ومن مختلف المحافظات السورية الى كوردستان العراق، ولاقوا الرعاية والدعم الكبيرين، ما رأيك؟
بطبيعة الحال، نحن نشكر حكومة كوردستان، والرئيس مسعود بارزاني على ما قدّموه من دعم للمعارضة السياسية السورية واستقبالها لآلاف اللاجئين السوريين ومعاملتهم معاملة الضيف الكريم، هذا لم يكن بمستغرب عن أخلاق الرئيس البارزاني السمحة، وينم عن طيبة الكرد ونبلهم، وقلقهم حيال أهلهم أينما تواجدوا وكانوا.
* قبل أيام زار وفد تجاري سعودي رفيع المستوى الى هولير، هل تدعمون توجه السعودية وتفاعلها مع كوردستان في محاولة للجم ” التغوّل” الايراني؟
ندعم توجه المملكة العربية السعودية ومبادرات سمو الأمير محمد بن سلمان بالانفتاح على بعض الأطراف العراقية للحد من التوغل الإيراني في العراق الشقيق وزيارة الوفد السعودي الأخير إلى حكومة الإقليم وبتوجيه من سمو ولي العهد هي خطوة أولى نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الإقليم.
وشخصيا اعتقد انه يجب توجيه كل الدعم العربي وعلى كافة الاصعدة لحكومة إقليم كردستان التي اعتبرها خط الدفاع الأول للأمن القومي العربي ضد التمدد الايراني الاستعماري بمنطقتنا العربية.
*يحاول النظام وبعض أذنابه باللعب على الوتر الطائفي في كل سوريا، منذ سيطرته على السلطة من عقود، ويحاول تأجيج الفتنة بين العرب والكرد بشكل خاص، مارأيك؟
نؤمن بقضية أبناء الشمس وحقوقهم القومية، وندعمها بسوريا الجديدة، ونؤمن أيضا من خلال تجربتنا مع كورد سوريا أن انتماءهم لسوريا كبير ووطنيتهم غير قابلة للمزاودة، ودائماً كان الاخوة الكرد أهم داعمين لكل القضايا الإسلامية والعربية وعبر التاريخ، ولا ينكر فضلهم إلا جاحد، وحقهم ان يعيشوا بدولة مواطنة حقيقية يتعاملوا بها كمواطنين حقيقيين لا كمواطنين درجة ثالثة كما كانوا بدولة البعث الشوفيني وحتى ما قبله.
*هناك تخوُّف من المعارضة السورية بخصوص الكرد، ودائماً نقرأ ونسمع أصواتا لا تقل بذاءة عن صوت وصورة النظام، وهذا ما لا يُطمْئِن قلوب الكرد في سوريا المستقبل، مارأيك، ورأي جمعيتكم المعارضة؟
اعتقد ان المرحلة القادمة بالجزيرة السورية هي مرحلة هامة ومعقدة، والخوف ليس فقط من اقتتال عربي كردي بل أصبح الخوف من الاقتتال الكردي الكردي، وبالذات بعد انحسار خطر قوات داعش الظلامية، وأعتقد أن المرحلة القادمة الصعبة للرقة والجزيرة السورية تحتاج إلى حكمة رجل دولة مثل السيد مسعود البارزاني للمساعدة بجمع الأطراف الكردية نحو طاولة حوار وطني سوري، واتمنى على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة دعم هذا المسار للحوار، وتجميع كل الأطراف العربية بالجزيرة السورية نحو مشروع وطني سوري جامع ودعم مشاريع اعادة الاعمار بعد تحقيق الانتقال السياسي في سوريا.
وأقترح شخصياً أن تكون المبادرة القادمة بالجزيرة السورية بين حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة دولة الإمارات وحكومة إقليم كوردستان.
وقد تفاءلنا بزيارة معالي الوزير السبهان إلى الرقة، ونتمنى ان يكون فاتحة خير ودعم للمرحلة القادمة من إعادة الإعمار.
محمد برمو- بروفايل:
– من محافظة ريف دمشق 1976
– إجازة في الحقوق من جامعة دمشق.
– ناشط مجتمع مدني من خلال تأسيسه ودعمه للعديد من الجمعيات الأهلية في سوريا.
– نائب مستقل لمجلس الشعب السوري ما بين الاعوام 2007 الى 2012
– رجل أعمال.
يشغل حالياً منصب رئيس الجمعية الوطنية السورية المعارضة.