اكرم حسين
يعاني الشعب الكردي في اماكن تواجده من عدم القدرة على بناء كيانه القومي لوقوعه تحت سيطرة عدة دول . ترفض انظمتها السياسية تمكين الكرد من نيل حقوقهم وبناء دولتهم ، وترى في أي كيان كردي تهديداً لأمنها القومي ووحدة أراضيها ، وفي هذا السياق يمكن قراءة الموقف التركي الحاد في مواجهة الاستفتاء والادارة الذاتية واية حالة او وضع قد يستجد لاحقا في اماكن اخرى ، دون ان تتمكن هذه الانظمة من ايجاد صيغة سياسية تساعد الكرد على تجاوز الإحساس بالغبن الوطني والقومي سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
وفي سوريا غض النظام الطرف عن نشاط الاحزاب الكردية لاقتصار هذا النشاط على المنطقة الكردية ! وكان يمنع اتصالهم او مشاركتهم في الشأن الوطني العام لا بل كان يلجأ في مثل هذه الحالات الى الترهيب والاستدعاء واحيانا الاعتقال والسجن ، رغم ان الكرد في روجافي كردستان لم يمارسوا يوماً التطرف ولم يمتشقوا السلاح في وجه السلطة ، وكان نضالهم مطلبياً يرتكز على المساواة والغاء المشاريع الشوفينية من خلال شعار الاخوة العربية الكردية و تامين الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية بشكل سلمي وديمقراطي وفي اطار وحدة البلاد .
وقد شارك الكرد في مقاومة الفرنسيين في الخمسينيات وكان منهم ابراهيم هنانو ويوسف العظمة ، ووقفوا في وجه حركة الاخوان المسلمين في الثمانيات اثناء صراعها مع السلطة .
الان النضال الكردي اخذ مسارات متعددة ومتعرجة ومعقدة بعد انقسامهم في محاور وتحالفات متعارضة فبات جزءا منهم في الهيئة العليا للتفاوض واخر في التحالف الدولي لمحاربة الارهاب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وثالث يحاور النظام و روسيا ! وبين هذه التيارات لا يوحد أي تفاهم او تنسيق وهذا يصب في صالح الانظمة بالتأكيد لان ضعف الكرد في انقسامهم وتناحرهم . والكرد لا يمكن لهم ان يهزموا اذا توحدت كلمتهم كما يقول مولتكه (الماني ، جنرال في الجيش البروسي) وفي كتابه “صبح الاعشى ” وصفهم القلقشندي بانهم شعب قوي ولولا اقتتالهم لفاضوا على البلاد . من هنا يمكن ان نتفهم كل المساعي والجهود التي تبذل في سبيل فرقتهم وتشتتهم كيلا يسودوا في البلاد وتعلى رايتهم ويبقوا تحت رحمة شعوب المنطقة وفي دائرتها . رغم انهم كما يقول هادي العلوي اسبق وجودا في المنطقة ” من اولى الموجات السامية كالأكاديين ومن المؤكد انهم اقدم من الاراميين العرب ولا شك انهم اقدم من الاتراك الذين لا يزيد عمرهم في اسيا الصغرى على السبعة قرون ” مجلة الحوار العدد 22 شتاء 1999
منذ سنوات لم يكن للأحزاب الكردية السورية تصور واضح وموثق يتعلق بحل القضية الكردية ما خلا “استراتيجية ايجاد حل عادل للقضية الكردية” ، وكان الأساس الذي قامت عليه العلاقات الكردية مع بقية القوى الوطنية والديمقراطية في سوريا ، ولذلك كنا نرى تأييداً لهذه الاستراتيجية “الغامضة” والتي كانت تأول بطرق مختلفة !. ولم يكن موقف القوى الوطنية السورية من هذه القضية أفضل حالاً. بل ظل في الغالب موقفاً تابعاً وفي اطار موقف النظام الذي كان يرفض وجود قضية كردية سورية ، ما عدا موقف حزب العمل الشيوعي والذي تبنى شعار حق تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا بما فيه الانفصال ، وهذا الموقف استقطب العديد من الشباب الكرد حيث قضوا سنوات في السجون والمعتقلات .
اليوم بعض الكرد ليسوا احسن حالا مما كانوه في عهد سليمان القانوني حين بنى جدارا من لحم ودم الكرد . بين الامبراطورية العثمانية وبين الجورجيين والايرانيين لحماية مملكته ، حيث ينفذون اجندات لا ناقة لهم فيها ولا جمل ولا تصب في خدمة قضاياهم ، ولا ننسى ان نؤكد في هذا السياق بان معظم الانتكاسات والهزائم الكردية كانت بسبب التنازع الداخلي وكأن الكثير من الكرد يقوم بما قام به هارباك الميدي الذي كان قائدا عاما للجيش في عهد الملك الميدي استياك وجمع كبار رجال الدين والسياسة والجيش وتحالف سرا مع كورش الفارسي وحثه على مهاجمة عاصمتهم اكباتانا عام 550 قبل الميلاد ، واسر الملك استياك وزجه بالسجن مما جعلت مملكة ميديا تحت سيطرة الفرس . كما ان العثمانيين هم ايضا لجأوا الى اثارة الفتن وخلق التناقض بين الكرد والارمن وبين الكرد انفسهم تارة اخرى عبر انشاء الفرسان الحميدية عام 1891 ، وفي العهد الصفوي نقل قسم من الكرد الى خراسان في شمال ايران لحماية الحدود .
ما اريد قوله من كل ما سبق ينبغي ان لا يقع الكرد في نفس الاخطاء ويستفيدوا من تجاربهم السابقة وان لا يبقوا في التاريخ. التاريخ الذي لم يجلب لهم سوى الخيبات والالم . بل عليهم قراءة التاريخ من اجل استخلاص العبر وعدم البقاء في الحاضر والسير نحو المستقبل بخطى ثابتة لان القرن القادم سيكون لهم ان استطاعوا ان يستقيدوا من تناقضات الصراع على قيادة العالم ، كما عليهم ان يتسلحوا بوحدتهم ،وان يتجاوزوا خلافاتهم ،وان يسيروا خلف قياداتهم التاريخية والتي اثبتت كفاءتها ونجاحها في قيادة الشعب الكردي تلك التي جبلت بتراب كردستان وارتوت بمائها وهوائها.!
*******************************************
نشرت في صحيفة بوير العدد 83- تاريخ 15-8-2018