عبدالغي علي يحيى
تلقى نيجيرفان البارزاني دعوة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لحضور مؤتمره السادس الذي عقد في 18-8-2018 والمثير في الأمر، ان الدعوة وجهت إليه باللغة الكردية في وقت ما يزال التخاطب بها في تركيا محظوراً ويعد جريمة يعاقب عليها القانون، بل أن برلمانيين كرد هناك منعوا من أداء القسم باللغة الكردية، واذكر ان كلينتون استهزأ بالعقلية التركية المتخلفة لما ألقى التحية على البرلمانيين الترك باللغة الكردية قبل سنوات.
يقينا ان الدعوة وكتابتها باللغة الكردية تلك ،كانت (حصان طروادة) موجه للكرد ،إذا علمنا ان الكرد فوجئوا يوم تسلم البارزاني الدعوة بقصف تركي مركز وكثيف حسب وصف وسائل الأعلام ، لقرى ومناطق كردية في قضاءي العمادية وعقره وإلحاق أفدح الاضرار بالقرويين، وما حصل هو الحادث الثاني من نوعه يستقبل فيه القادة الاتراك زيارات للقادة الكرد بالقذائف والقصف والحرائق، فقبل شهور وقفنا على حادث مماثل عقب زيارة للبارزاني نفسه إلى تركيا واخشى مانخشاه ان يودع البارزاني بمثل ما استقبل به، إذ أنه بين تلقيه للدعوة وانعقاد المؤتمر وقع قصف تركي عنيف لناحيتي سنكسر وورتي في قضاءي قلعة دزه و راوندوز مساء الجمعة 17-8-2018.
ان التصرف التركي المنافي لكل الاعراف والقيم الاخلاقية والدبلوماسية تكرر عندما غادر حيدر العبادي تركيا وكان قد زارها تلبية لدعوة تلقاها من اردوغان، غير انه ما أن عاد إلى بغداد واذا بالطائرات الحربية التركية تقصف قضاء سنجار بشدة بزعم ان ذلك جرى بموافقة من العبادي وتنسيق معه، لكن وزارة الخارجية العراقية سرعان ما فندت الزعم ذاك وطالب تركيا بسحب قواتها من الأراضي العراقية، علما ان القصف هذا خلف وراءه خسائر بشرية ومادية، وان كلا الحادثين في استقبال البارزاني وتوديع العبادي بالقصف والحرائق يعتبران اهانة متقصدة وعملاً لا أخلاقياً لأحراج الرجلين أمام شعبهما والرأي العام، وأزيد القاريء علماً ان العبادي استقبل في مطار انقره من قبل مدير المطار وليس من قبل نظيره التركي، كما ذكرت مصادر عدة وقبل اعوام من الآن كان المرحوم جلال طالباني الذي كان رئيساً للجمهورية العراقية كان قد استقبل في زيارة له إلى طهران من قبل مدير عام ايراني، هكذا يتعامل الحكام الأتراك والأيرانيون مع القادة الكرد والعراقيين، ولقد كان المتضرر في حالتي البارزاني والعبادي هم الكرد.
ان الحوادث من النوع الذي ذكرته كثيرة في التأريخين الحديث والقديم وكان ابطالها دوماً حكام دكتاتوريون جهلة لا أخلاقيون ودمويون، ولدي من الأمثلة الكثير، في أواخر السبعينات من القرن الماضي شن صدام حسين حملة إبادة على الحزب الشيوعي العراقي، بدأت من البصرة وانتهت في أربيل مروراً بالمحافظات العراقية كافة، وفي خضمها وصل صدام إلى كوبا الشيوعية وعرضت وسائل الاعلام العراقية لقطات من زيارته الى كوبا الشيوعية منها: صدام حسين جنباً الى جنب فيدل كاسترو وهو يلقي بالتحية على الجماهير الكوبية المحتشدة. لقد كان المشهد محرجاً بحق بالنسبة للشيوعيين العراقيين وباعثاً على الأحباط في نفوسهم.. شيوعيون يقتلون يعذبون ويهانون والجلاد يستقبل بحفاوة من قبل الشيوعيين الكوبيين !!
ومن خزين ذاكرتي عن قصص السم الممزوج بالعسل، جرد صدام لحملة اعتقالات في آب 1983 طالت الرجال من عشيرة بارزان في مجمعات (قوشتبه) و (باتاس) السكنية وفي كل مكان تواجد فيه البارزانيون وانتهت بدفنهم في مقبرة جماعية بصحارى الجنوب العراقي. ولكن وعلى عجل فأن الحادث توج باحتفال في بغداد ضم جمهرة من كرد المحافظات وفيه ووسط التصفيق والهتاف اعلن صدام وبدم جد بارد من أنه (أرسل البارزانيين في جهنم وبئس المصير)!
ومن ذكرياتي المرة و( الذكريات صدى السنين الحاكي)كما يقال، ان كل نكبة كانت تحل بالكرد يسبقها ما يشبه الكرنفال أو حفلة عرس، فمحو القرى الكردية في عام 1986 واعوام تلته، وكذلك قصف حلبجه بالغازات السامة.. الخ، حصلت ( النكبات) وفق ( السم الممزوج بالعسل) ففي يوم قصف حلبجة بتاريخ 16-8-1988 نظم النظام البعثي سيميناراً ثقافيا في اربيل استغرق 3 ايام وفي قاعة مبنى المجلس التشريعي ( البرلمان الكردستاني الحالي) وتحت عنوان ( الحكم الذاتي في فكر الرئيس صدام حسين) وقامت وسائل الاعلام العراقية انذاك بتغطية وافية ومكثفة لافتة للسيمينار، المذكور بشكل اوحى ان الحكومة العراقية منفتحه للغاية على القضية الكردية والشعب الكردي غير انه خلل توجه الانظار والافكار الى ذلك السيمنار (السم المخلوط بالعسل) طبعاً افاق العالم على قصف حلبجة بالسلاح الكيمياوي، وكان الحادث الابشع من نوعه في العالم بعد هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين بالقنبلة الذرية عام 1945 ولقد تجاوز عدد القتلى في الهجوم الكيمياوي على حلبجة ال 5000 قنبل واذكر ايضاً كيف كان النظام العراقي يلهي العراقيين ويسكرهم بالمصارعة المزيفة لعدنان القيسي ويوجه انظار العراقيين اليها، وفي خارج حلبة المصارعة كان ينفذ مؤامراته الجهنميته بحق خصومه ( خصوم النظام) ومن تلك المؤامرات، تلك المؤامرة التي نفذها ضد اسرة البارزاني ففي يوم اقامة النزال ذاك الذي جرى باربيل، دبر النظام البعثي انشقاقاً داخل اسرة البارزاني، وكانت انظار واهتمامات الكرد و العراقيين يومذاك منصبة على المصارعة التمثيلية، واذا بأفراد من اسرة البارزاني في اليوم عينه ينشفون عن الاسرة ويلتحقون عن جهل ببغداد، وفيما بعد فلقد اعدموا جميعاً على يد نظام صدام وكان جزاؤهم جزاء سنمار!
قارئ الكريم مازالت ذاكرتي تخزن وفرة من حوادث ( العسل المر) واخرى على غرار ( حصان طروادة) فهل يسمح لك الوقت لأحدثك عن مزيد منها، اعتقد ان لديك الرغبة في مرافقتي في هذه الرحلة رحلة السم المغطى بالعسل. يروي التاريخ المعاصر ان احدى حملات الابادة والتي تفوق ال 70 حملة ابادة ضد الكرد الايزيديين، ان الحكومة العثامانية اقامت مأدبة غذاء كبرى للايزيديين ودعتهم اليها وسط انغام الطبلة والزرنا غير انهم ما أن فرغوا من تناول طعامهم واذا بهم يتفاجئوون بخيارين: اما اشهارهم لاسلامهم واما الموت الزؤام ولجؤو والى الخيار الثاني وقتلوا جميعاً. ان ماجرى لليهود من المذابح في روسيا والميانيا والعراق بما فيها ( الهولوكوست) تبقى دون ما تعرض الايزيديون من مذابح ومحن بكثير.
في عام 1962 لاذ عبدالكريم قاسم ( بالسم المخلوط بالعسل) للتعامل مع الثورة الكردية ودعا الى الجلوس حول طاولة مفاوضات لغرض التوصل الى حل ينهي الصراع الدموي الذي كان قد مر عليه عام بين الحكومة العراقية والثورة الكردية وتم اختيار مكان في ناحية سرسنك في شمال دهوك يجتمع فيه قائد الثورة الكردية الراحل مصطفى البارزاني مع العقيد حسن عبود امر موقع الموصل واستبشر الكرد بخطوة قاسم تلك وفرحوا ايما فرح ولكن ما أن حل موعد انعقاد الاجتماع واذا بطائرةحربية عراقية تقصف المكان الذي حدد للاجتماع بشدة وعنف، وتبين فيما بعد ان ( العسل الممزوج بالسم) لم ينطلي عليه حين غير من مكان الاجتماع. لقد كان البارزاني الراحل يتمتع بحس امني رفيع
واخيراً، وليس اخراً، قيل والعهدة على الراوي، أنه لما عظم شأن ابو مسلم الخراساني وهو من اصل كردي، فان ابو جعفر المنصور خاف نه كثيراً ودبر خطة لقتلة بشكل لايثير حفيظة جنده، جند الخراساني، فدعاه الى مقر الخلافة وهناك أمر بقطع راس الخراساني. ووضعه في كيس كبير مليء بالذهب، ثم دعا جند الخراساني الى تجمع لمكافأتهم على العمل الذي قاموا به في قهرهم للامويين، ولما اجتمعوا القى عليهم بالذهب ورأس الخراساني وانهمك الجنود في ملء جيوبهم بالذهب ولم يأبهوا برأس الخراساني.
حذاري من العسل الممزوج بالسم الذي غالباً ما يقدمه الطغاة الى خصومهم وفي تاريخ الكرد الف حصان طروادة.