ابراهيم محمود
بعيداً عن الأفكار المجرَّدة، وانطلاقاً من وقائع التاريخ الذي دوَّنه أعداء الكرد أنفسهم وبصيغ شتى، قبل أي إشارة إلى كتّابهم، ومن خلال ما هو جار ٍ باسمهم أو عبرهم في المنطقة، ثمة سؤال يطرح نفسه، وهو يستغرق تاريخاً بعمر آلاف السنين: هل الكرد شعب الله المختار، إنما للشقاء والشقاق؟ إذ بناء على متابعتي المتواضعة، وليحسبها من يشاء: ليس هناك من امبراطورية أو دولة ذات قوة نافذة في المنطقة، منذ ما قبل الميلاد إلى اليوم، إلا وكان للكرد باع طويل أو مقدَّر في سقوطها أو بنائها ؟ آمل أن يأتي الحساب من خلال التذكير باسم أي دولة باقية أو تلاشت في التاريخ، ودور الكرد في ذلك، لتعرَف النتيجة بدقة !
أن يكون هناك حديث عن الكرد ومن هذا المنطلق الذي يذكّر بمثال يتكرر تاريخياً ودينياً يخص ” اليهود “، وحقيقته، وما أثير حوله من نقاشات وسجالات ومناظرات وتحليلات مختلفة، فإن الذي يستدعي سؤالاً كهذا، هو التاريخ نفسه، وفي تنوع لغاته، ومن خلال ما يعيشه الكرد في تمزقاتهم، ورغم ذلك فإن القوى التي تسهم راهناً ضد أي محاولة كردية لبناء كيان سياسي كردي أو حتى المشاركة في كيان كهذا، وهي إقليمية ودولية معها، تعزّز هذا التصور، ودون أن يكون بحث كهذا دافعاً لتبرير أي قصور في هذا الجانب الكردي أو ذاك بالتأكيد .
يمكن لأي كان أن يشك في استمرارية الكرد كشعب في التاريخ، إنما هل يمكن الشك في أن هناك مرحلة تاريخية ما، ومنذ آلاف السنين، كما تقدَّم، دون الإشارة إلى وجود ظل تاريخي، سياسي، اجتماعي وثقافي له، ولو بأسماء غيره من الشعوب الأخرى جرّاء سياسات سلطوية، كان لها دورها في إبقاء الكرد شعباً دون اسمه، وقوة غير موحَّدة ؟
هنا، أستسمح الخبير في علم التاريخ وفنه عذراً، إزاء كتابتي شديدة التواضع هنا، وأنا لا أهمل دور الكرد أنفسهم في إبقائهم على ما هم عليه من شقاء وشقاق، وهم يعادون بعضهم بعضاً، ويمنحون من قوتهم مدداً لأعدائهم بحيث تمكنهم كثيراً في النيل منهم، ومن ثم قهر إرادة الاستقلالية والحرية في أنفسهم، ليكونوا مطارَدين من قبل أعدائهم في أرضهم، بقدر ما أحدّد ما يكون عليه الكرد، وما يتغذون به الكرد فكرياً ونفسياً على أرض واقع زلقة، وهم يواجهون قوى عاتية وبطرق غاية في العنف لكبح جماحهم، إلى درجة أنه يصعب وربما يستحيل وجود مثال آخر، ولا في أي مكان يقابلهم في وضعهم التاريخي هذا .
إن ما يمكن النظر فيه، هو أن الكرد بحضورهم العددي النوعي، بلغاتهم ” الكردية ” واللغات التي تخص أعداءهم وهم يتقنونها، إلى درجة منافستهم لأبنائها الأصليين أحياناً، وفي أمكنة مختلفة، يشكّلون موضوعاً مغرياً لبحث متشعب من هذا النوع، أي ما الذي أدخلهم التاريخ بالصورة العددية والانقسامية والمقاوماتية هذه، من خلال سعيهم المستمر عن وجود مستقل يحمل بصمتهم القومية والسياسية، وأخرجهم منه فيجري تمثيلهم من قبل المتحكمين بمصائرهم وعلى أعلى مستوى؟
ليس هذا أول الكلام، ولن يكون آخره في هذا المضمار، ولن يكتفى بأي إجابة مقتضبة، أو حتى طويلة، بمقدار ما يكون المطروح إثارة لذاكرة تاريخية محمولة، ولأسئلة قد تكون مضمرة/ كامنة، أو ما هو مسكوت عنه لأسباب سياسية، اجتماعية وثقافية وغيرها، إنما وحدهم المعنيون بأهل الثقافة ” الفعلية ” ممن يكونون متحررين من أفكار مسبقة، وذوي ذهنية فضائية تتيح لهم مكاشفة ما هو خفي، وما يُتستَّر عليه، ربما كان ذلك إشعاراً ” سعيداً ” ما بملامسة عتبة التاريخ الكردي في الصيغة العنوانية التي كتبتُ باسمها هذا المقال، ولو من باب التأمل ليس إلا !!
دهوك- في 3-2/ 2018