موقع المقاومة الإيرانية في انتفاضة الشعب

عبدالرحمن مهابادي*
فيما يتعلق بمسألة إيران، عندما نتحدث عن المقاومة الإيرانية، فهذا اننا نقصد بذالك المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهو أقدم ائتلاف سياسي في تاريخ إيران وقوته المحورية هي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. والهدف من تشكيل هذا المجلس، الذي أنشئ في عام 1981 في طهران، هو الإطاحة بنظام الديكتاتورية الحاكم في إيران.
عندما كانت القوة الرئيسية لهذه المقاومة على الأراضي العراقية وتحت حصار قوات حكومة العميل والدمية نوري المالكي، فإن النظام الإيراني حاول قدر المستطاع وقتها مشاركة قوات حكومة العراق لاستهداف هذه القوة الرئيسية بحملات أرضية أوصاروخية أو استهدافها عن طريق الهجمات الإرهابية. وقد سقط المئات من أعضاء المقاومة الإيرانية شهداء وعدد كبير من الجرحى جراء هذه الهجمات المميتة والإجرامية التي جرت للأسف أمام أعين الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأحيانا كانت تجري أيضا عن طريق إعطاء الضوء الأخضر لها.
وعلى وجه الخصوص تم في تلك الأعوام إدراج المقاومة الإيرانية على غير وجه حق بسبب ابراز الغرب لسياسات حسن النية والتماشي مع النظام الديكتاتوري الديني في إيران على قوائم الإرهاب. ولانه كما في الماضي كانت ترتبط مصالح الرجعية والاستعمار والتمدد في عقدة واحدة كي لا يبقى أثر لهذه المقاومة. ولكن في مقابل هذه الموجة الهائلة والمميتة، المقاومة الإيرانية بالاعتماد على نفسها واتكائها على قاعدتها الشعبية لم تكن لترضى بعدم الاستسلام والوقوف بثبات ورسوخ على مبادئها وثوابتها فقط بل تابعت التقدم في تحقيق أهدافها وتنفيذ استراتيجياتها في إسقاط نظام الملالي أيضا. بالاعتماد على هذه المبادئ والثوابت نفسها استطاعت عن طريق القانون والعدالة سحب تسميتها من على قوائم الإرهاب واستطاعت ايضا كسر طوق الحصار عنها وترك الاراضي العراقية .
وبحسب شهادة العديد من المحللين والخبراء في الشأن الإيراني ومنطقة الشرق الأوسط، فإن صعوبة الطريق الذي سلكته هذه المقاومة حتى يومنا هذا أصبحت مفهومة بما فيه الكفاية لرؤية أن هذه المقاومة خلال رئاسة باراك أوباما تمكنت من تحقيق هذا النصر. لأن سيناريو مجزرة قوات المقاومة في العراق من قبل ملالي النظام المتنفذين في العراق وقرب سياسة أوباما من النظام الإيراني كانا عاملين جعلا من المستحيل تقريبا نجاح عملية خروج هذه القوات من العراق.
ولكن هل أدى ابتعاد قوات المقاومة الإيرانية عن الحدود الغربية لإيران إلى جعل النظام الحاكم في إيران سعيدا؟ من خلال تبسيط واحد لهذا الموقف ربما يكون الجواب هو نعم. ولكن في الحقيقة كان جميع قادة النظام يعرفون قبل الجميع أن هجرة هذه القوات خارج العراق المحتل من قبل النظام الإيراني كانت هزيمة هائلة لهم ولحكام طهران. لانهم كانوا يعرفون أن لديهم عدوا عنيدا لا يعرف الاستسلام و أن خطوته التالية هي دخول إيران بعد مغادرته العراق. حيث كانت هذه القوة “المحاصرة” بعد مغادرتها العراق على وشك تسريع استراتيجيتها في تحرير واطلاق سراح الشعب الإيراني من براثن الدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران.
في الوقت نفسه تزامنا مع هذا الانتقال اعلنت السيدة مريم رجوي في المؤتمر السنوي للمقاومة الإيرانية في عام ٢٠1٦ عن حركة التقاضي من اجل السجناء السياسيين الذين قتلوا في عام ١٩٨٨ والبالغ عددهم ٣٠ الف سجين سياسي تم قتلهم على يد نظام الملالي والذين لا يزال العالم الغربي يغلق عينيه واذنيه عن هذه الابادة الجماعية العظيمة. هذه الحركة التي شهد العالم نتائجها المباشرة في انتخابات يونيو عام 2017 حيث رأينا كيف تم افشال جميع خطط خامنئي في إجراء هذه الانتخابات بشكل كامل وكما تم ابعاد ابراهيم رئيسي المرشح المدعوم من قبل خامنئي واحد الاعضاء الرئيسيين في المجزرة الى خارج الانتخابات. وإن لم تكن هذه الحركة موضع ترحيب من قبل الناس وخاصة النساء والشباب الإيراني داخل البلاد، يمكننا أن نقول على وجه اليقين أنه لما استطاع أن يجلس الملا المحتال روحاني على كرسي الحكم مرة أخرى.
وأدت الممارسة الاجتماعية الكامنة وراء هذه الحركة إلى إعلان حركة أخرى داخل إيران أعلنتها السيدة مريم رجوي في المؤتمر السنوي للمقاومة الإيرانية في حزيران / يونيو 2017.حركة كانت انتفاضة الشعب الإيراني في الأيام الأخيرة من عام 2017 أول ثمارها.
على الرغم من أن بداية هذه الانتفاضة كانت غير منتظرة أو غير متوقعة بالنسبة للكثيرين، ولكن هذه الانتفاضة قد قُدّر لها الوقوع. والحقيقة هي ان الوضع المعيشي والاقتصادي السيئ للشعب الإيراني كان الخطوة الاولى في دفع هذه الانتفاضة الى الأمام.
وفي هذه المرحلة تحديدا، يمكن أن يعزى رعب النظام العميق إلى ارتباط الاحتجاجات الشعبية بعنصر المقاومة. ليس من قبيل الصدفة أن يأتي زعيم الملالي على خامنئي على الفور إلى مكان الحادث ليقول إن المجاهدين كانوا يعملون على اطلاق هذه الانتفاضة منذ شهور.أو ليس بدون سبب أن يتصل رئيس نظام الملالى حسن روحاني، بالرئيس الفرنسي ويريد منه أن يوقف حركة مجاهدي خلق الإيرانية.
هم يدركون جيدا قوة وقدرات وشرعية وحقيقة المقاومة الإيرانية قبل أي شخص، وهم يعرفون أن الأفق المظلم والمُكَفهِر ينتظر هذا النظام، وسيتم عاجلا أم آجلا الإطاحة به.
الآن في حين ان الشعب والمقاومة الإيرانية، بالاستفادة من التجارب والخبرات المكتسبة في الخطوة الأولى من الانتفاضة يتجهزون للإعداد للخطوات التالية من هذه الانتفاضة، يمكننا التأكيد من حقيقة أن الظروف الذهنية والموضوعية من آجل إسقاط النظام قد اصبحت جاهزة من جميع النواحي، خصوصا أن الرعب المتزايد قد انتشر في جميع مفاصل نظام الملالي من رأسه حتى أخمص قدميه، وكذلك أوصلت حرب الذئاب الى ذروتها مع اقتراب زمن سقوط النظام اكثر فاكثر.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.
abdorrahman.m@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…