متى سيترك حزب العمال الكُردستاني كُرد سوريا وشأنهم؟

حسين جلبي

حسب وسائل إعلام تركية، بلغ عدد قتلى الجيش التركي منذ بدء الهجوم على عفرين؛ حتى اليوم السابع والعشرين من العملية العسكرية الحالية ثلاثة وثلاثين عسكرياً تركياً مقابل ألف وخمسمائة مقاتل كُردي، أي بمعدل تركي واحد مقابل خمسين كُردي، ما يعني مقتل خمسة وخمسن كُردياً في كل يوم. علماً بأن الأرقام بالنسبة للكُرد قد تكون أكثر من ذلك بكثير، إذ لا يوجد مركز قيادة موحد للمقاتلين الكُرد، حيث تعمل المجموعات المتناثرة في المنطقة بشكل مستقل عن بعضها البعض، بطريقة يستحيل معها إحصاء الخسائر ومعرفة ما يجري لكل مجموعة، في حين أن لقتلى الجيش التركي أسماء وعنواين وجنازات يتم الإعلان عنها بوضوح، علماً أن كثير من جنود الجيش التركي نفسه هم من الكُرد، والأمر ذاته ينطبق على مقاتلي الفصائل المسلحة المتعاونة معه.
بعد هذه الخسائر الكُردية الفادحة التي لا زالت فاتورتها مفتوحة، والتي كشفت حقيقة ضعف حزب العمال الكُردستاني وتهافت تحالفاته؛ هذا الحزب الذي لم ينتصر يوماً في معركة منذ تأسيسه، اللهم سوى في معركته الطويلة ضد الكُرد، ثمة سؤال يطرح نفسه مفاده هو: ما دام أداء الحزب بهذا المستوى المتواضع، الذي يتجسد في عدم تمكن مقاتليه من حماية أنفسهم وإيقاع خسائر مؤثرة في صفوف أعدائهم، وما دام الحزب لا يستطيع الدفاع عن المدنيين الكُرد؛ الذين قتل منهم الكثير خلال الهجوم التركي الحالي، وما دام لا يستطيع منع القذائف التركية من التساقط على بيوت وممتلكات الكُرد وتدميرها؛ فلماذا يتحرش إذاً بتركيا بحماس منقطع النظير منذ اليوم الأول للثورة السورية، ولماذا تحدى تركيا وإستدعى التدخل التركي عبر أعمال صبيانية، ليس لها أي مردود إيجابي على القضية القومية الكُردية عموماً، أو على حقوق الشعب الكُردي في سوريا، ولماذا ورط الكُرد في سوريا بالنتيجة في معركة خاسرة؟
تجد الإجابة نفسها في الإنطلاقة الحقيقية لحزب العمال الكُردستاني؛ منتصف ثمانينات القرن الماضي في سوريا، فهذا الحزب ليس سوى خلايا سرطانية؛ حقنها حافظ الأسد من دمه الفاسد في جسد الأمة الكُردية، ومثلما قتل الأسد سوريا بدمه الفاسد ذاك، ها هي خلاياه تلعب دورها. فقد تدمرت كوباني نتيجة مغامرات الكُردستاني الذي ليس له من اسمه نصيب، وأصبحت عفرين سبية في يده؛ يعرضها علناً دون حياء؛ مجاناً في سوق السبايا على الأمريكان والروس والإيرانيين ونظام الأسد، دون أن يجد من يقبل بها. أكثر من ذلك، فقد جرت في عهد إدارة الحزب “المباركة” أكبر عملية هجرة من محافظة الحسكة، بحيث فقدت المنطقة خاصيتها الكُردية. وأبعد من ذلك، لا يكف حزب العمال الكُردستاني عن لعب دور الذريعة لجلب التدخل التركي في إقليم كُردستان وقصف أراضيه، هذا بعد أن تخلى كُرد تركيا عن قوميتهم وشطبوا على لغتهم الكُردية؛ كنتيجة للنضال المظفر للحزب!
ثم يأتي من يتحدث عن المقاومة في عفرين، وعن عدم تمكن الجيش التركي من إحتلال المدينة؛ بعد مرور ثلاثة أسابيع على العملية العسكرية التركية!. يا له من خداع للنفس؛ ومن بطولة كاذبة لا تجد لنفسها مكاناً إلا على صفحات الفيسبوك المغلقة على أصحابها، ولا تصرف سوى في بنوك اللايكات. يا له من إنعدام للمسؤولية تجاه الحقيقة، وموت للشعور تجاه آلام الضحايا وخاصة المدنيين منهم. وكأن الضحايا المشار إليهم أعلاه ليسوا سوى أرقاماً لا معنى شيئاً، ولا مانع من المزيد منها، ومن تدمير قرى وبلدات المنطقة؛ مقابل إعاقة تقدم الجيش التركي لبضع أيام أو أسابيع، لأن المهم في الأمر أكثر من ذلك إرضاء نرجسية عديمي المسؤولية وغرورهم، قارعي طبول الحرب من بعيد. فأي إنتصار فارغ هو هذا؛ وثمنه أرواح ما لا يقل عن خمسين كُردي كل يوم، هم بشر من لحم ودم وعائلة ومشاعر وأحلام، كان يمكن الحفاظ عليهم، وعلى قرى وبلدات المنطقة بإعمال القليل من العقل والضمير، الأمر الذي يستدعي إستعجال حل ما لوقف المذبحة الحالية، بدلاً من الإستمرار في ربط الشبان الكُرد، وجعلهم أهداف مكشوفة للجيش التركي وأعوانه.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…