على مشارف عفرين الكردية الجيش الحريقتل مرتين..!

إبراهيم اليوسف
لا ينظر إلى استعانة تركيا ببقايا فصائل الجيش الحر، في العدوان على عفرين، على أنها مسألة عابرة، على النطاق السوري، بل ثمة  أبعاد وتبعات كثيرة تترتب على ذلك، وهي تتعلق بالأثر بعيد المدى الذي ينتج عن هذا التحالف العابر، ليس في ما يتعلق بانهيار صورة- الجيش الحر- التي سنتوقف عندها هنا، بل لمسألة أبعد، أيضاً، تخصُّ مستقبل العلاقة بين المكونات السورية، وعلى وجه التحديد، مستقبل العلاقة مع الكرد، إذ يتم الإجهاز على هذه العلاقة، بعد أن اشتغل كل من النظام و بعض أطراف ووجوه المعارضة معاً، على وأدها، وتجلى ذلك على نحو واضح، خلال السنوات السبعة من عمر الثورة السورية التي انخرط فيها الكرد إلى جانب أخوتهم السوريين، ما خلا الاتحاد الديمقراطي الذي تحول في فضاء الثورة السورية من مرحلة الهلامية إلى مرحلة اعتباره أحد أهم القوى السياسية والعسكرية الفاعلة، إذ راح يعمل لأجل تعزيز حضوره، بعيداً عن الأهداف المنشودة للثورة، ليخسر بذلك قاعدة كبيرة من جماهيريته نتيجة رؤاه المجتمعية، غير القومية، بالرغم من أنه لم يرض أوساطاً سورية واسعة، وهو الأقرب إليها في سياساته التي أتبعها ميدانياً.
لقد وضع المقدم حسين هرموش البذرة الأولى للجيش الحر قبل أن يتعرض للاختطاف في تركيا، ويظهر على التلفزيون السوري،  وكان اختطافه قد تم بموجب صفقة غير معلومة، ولم تكلف المعارضة السورية المقيمة في تركيا عن كشف ملابسات هذه الجريمة، ليتم تأسيس نواة- الجيش الحر- على مراحل، ويلقى تعاطف السوريين، بعد أن واجه النظام السوري المظاهرات السلمية التي قام بها السوريون في عدد من مدنهم، بالعنف، وكان ذلك مسوغاً لتقبل هذه الفكرة، على أن تكون مهمة هذا الجيش- الدفاع عن أهله وحمايتهم- قبل أن يتم إجهاض مشروعه، بعد تجاذبه من قبل الممولين، متناقضي التوجهات، وكان طبيعياً أن يكون هناك من يؤمن لقمة أسرة العسكري المنشق، كما مستلزمات تسليحه، وكانت هذه نقطة ضعف الجيش الحر.
طبيعي، أن واجهات المعارضة، لاسيما: المجلس الوطني السوري والائتلاف، كانا مطالبين، منذ أن تبنيا مشروع الجيش الحر، ألا يتركانهما- في مهب تمويل الجهات الممولة- إذ ظلت تبعيته لهما شكلية، بالرغم من تأمينه ما الغطاء السياسي له، ما انعكس على مصداقيته، بل راحت فصائل الجيش الحر، المختلفة- كما جبهة النصرة- تؤثر على  اسمه وسياساته، لاسيما بعد أن تلوثت أيديها بالفساد، ودماء السوريين، وبات من يعمل باسمه- قاطع طريق- يمارس عمليات خطف الأبرياء، وطلب الفدية، ناهيك عن عمليات السلب والنهب والتهجير والتمثيل ب”جثث الضحايا”، إلى أن سجل عليه ترك مهمته الرئيسة في إسقاط النظام، بل وترك العاصمة- دمشق- والهرولة إلى المعابر الحدودية لما تدره  من أموال، ما أدى إلى التناحر بين عدد منها، ناسية مسوغ وجودها، ودوفع تأسيسها.
مؤكد، أن الصورة التي رسمناها للجيش الحر تكاد تكون محسنة كثيراً عن واقعه، لاسيما عندما نتحدث عن الانزياحات التي تمت في صفوفه، وهو يغذي بعض التنظيمات والفصائل الأشد راديكالية: جبهة النصرة- داعش، إذ حدث كثيراً أن راحت بعض الفصائل تبيع أسلحتها وعتادها وحتى مقاتليها لتلك الفصائل، بعد أن تمت-أسلمتها- واستسلامها وإذعانها وتقبلها لفكرة” الخلافة” التي جعلتها مرفوضة من قبل السوريين، حتى وإن اضطر بعض وجوه المعارضة للدفاع عنهم، بالرغم من المرجعية الفكرية العلمانية لكثيرين منهم، وذلك لأن الائتلاف الوطني قد تبنى ولايزال يتبنى هؤلاء، ومنهم من هو واضح الانتماء إلى تنظيم القاعدة.
ولقد كانت تركيا، وبحكم عوامل كثيرة: جغرافيتها المتاخمة للحدود السورية، ومشروعها الديني الافتراضي، ناهيك عن أنها منصة وقناة التمويل، أو الجهة الممولة لبعض الفصائل، فقد كانت الأكثر تحكماً في حراك الجيش الحر، إذ راحت تحول مسارها عن التفكير بإسقاط النظام، من خلال زجها في مواجهات مع الاتحاد الديمقراطي، كالتفاف على سؤال الثورة، والعمل لصالح مخطط آخر، ساهم في إنهاك هذه الثورة، وخدمة آلة النظام.
إن هذه الفصائل العسكرية” المتأسلمة” رضيت أن تؤدي دور الدرع البشري للجيش التركي الذي افترض تحقيق مخطط  اقتحام  عفرين خلال أربع وعشرين ساعة، وذلك لاستخدامه أحدث الأسلحة المتطورة، ومن بينها- الطائرات من دون طيارين- تركية الصنع، ناهيك عن أن الجيش التركي الذي يبلغ عدده مع احتياطيه المليون عسكرياً من مختلف التشكيلات: البرية- الجوية- البحرية ماعدا الشرطة وأجهزة الأمن، مقابل حوالي عشرين ألف مقاتل كردي يلقنه دروساً مريرة، بالرغم من أن هذا العدوان يستهدف المدنيين العزل، وقد ظهر في أحد الفيديوهات تعذيب أحد الأسرى، وإهانته، وهو غيض من فيض ما يجري من أهوال وجرائم
لعبت هذه الكتائب دوراً مضراً بالعلاقة بين الكرد و العرب السوريين، بعكس ما هو مطلوب منها، نتيجة تنفيذها لأجندات خارجية، وذلك منذ العام2012، إذ حاولت غزو “سري كانيي/رأس العين” وكان من الممكن أن تكون عامل أمان للعلاقة بين مجمل المكونات السورية، إلا أن عودتها بعد مرور خمس سنوات لتكون في مقدمة الجيش التركي أجهزت على العلاقة بين أكبر مكونين سوريين: الكرد والعرب، إلى درجة انعكاس ذلك حتى على الكثير من النخب السورية  التي بدت ساكتة، أو مدافعة عن هذا العدوان، وفي هذا تكريس لحالة القطيعة بين أوساط غير قليلة من ذين المكونين.
وإذا كانت تركيا تقدم على احتلال أرض بلد ذي سيادة، فإن الفصائل السورية التي تسير تحت رايته ترتكب خيانة عظمى حسب المفهوم الوطني، ناهيك عن سقوطها الأخلاقي، لاسيما وإن الطرفين: تركيا وهذه الفصائل تحققان أحد مطالب النظام نفسه الذي  هدد بعض ممثليه في الأسابيع الماضية بالانقضاض على “قسد” في إطار الحديث عن تخوين طرف كردي هو الأكثر حضوراً من الناحية العسكرية. كما أن كلا الطرفين يعملان بالتنسيق مع” جبهة النصرة” أحد أجنحة تنظيم القاعدة.
حقيقة، إن العدوان الذي يتم على الكرد الآمنين في عفرين إنما هو جائر، سواء أكان من قبل تركيا أو من قبل هذه الفصائل التي تتهرب من الأولويات المطلوبة منها،  وها هو قد بدأ خاسراً حتى وإن تغيرت موازين المعركة، لاحقاً، نتيجة الصمت والتواطؤ الدوليين، وذلك بفضل صمود مقاتلي مجرد حزب تأسس في العام هو الاتحاد الديمقراطي2003، وبدأ حضوره الفعلي في العام2012، مقابل جيش عمره قرون طويلة، ما يشكل ضربة كبرى ل”سمعة”جيش” عريق” زمنياً، لم يستطع أن يتقدم، خلال حوالي أسبوعين،  إلا كيلومترات قليلة بالرغم من استعانته بحوالي عشرين ألف مقاتل سوري، وسبب ذلك استبسال المقاتلين المدافعين عن عفرين التي بات  يسميها بعضهم”عفرين غراد” ولعل تداعيات العدوان عليها  يحرك الداخل التركي، بما يدخل تركيا في مستنقع لا خلاص منه؟
*المقال كتب في الأيام الأولى من العدوان على عفرين

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…