نودوزيات: صورة طبق الأصل عن الكردي المضروب على جنسه

 ابراهيم محمود
وُلِدَ نوروز في غرفة العناية المشدّدة للتاريخ، والقابلة جغرافيا تخشى على نفسها من إظهار نفسها كما هي على طبيعتها، حيث الوضع غير طبيعي، لأنها أعلنت عن ولادة كائن بشري غير مرحَّب به. ضاق المكان بالمكان، اختلج لسان الزمان، تنفَّس الهواء بصعوبة، غلب صراخ المولود البشري على فرحته بالوجود. حضر أصحاب النظارات السوداء، والعصي السود، ومحاضر الضبط السود، وكلمات من نوع: من سمَح له بالولادة؟ من هم الشهود على هذه الولادة؟ من أطلق اسم ” نوروز “؟ لهذا صار نوروز نودوزاً: اليوم الجديد: القضية الجديدة، وهي لم تجد حلاً في محكمة من هم ” بدون ” التاريخية، اسمهم الكرد .
لكم يجد الكرد أنفسهم في وضع حرج إذ يقدّمون أنفسهم كرداً، ويشيرون إلى جهاتهم، ومن ثم يرسمون صورة لحدودهم، ويتهجون الأسماء التي اكتسبوها بدماء لم تسترح، وقلوب لم تستقر، في خانة ” الجنس المأخوذ بالأحكام العرفية هنا وهناك “، ويعنيهم بالذات
هذا ليس شعراً، ولا خيالاً، إنما لسان حال شعب لم يُسمَح له بعد في أن يتنفس هواء مكانه دون خشية من أيد تطاله في المكان، ولم يعهَد إليه في أن يسمّي لغته، ويطلق رغبته المشروعة في المكان أسوة بغيره. وأن يتمثَّل في ” كاوا الحداد “، مهما أفصحت الأسطورة/ الحكاية عن غرابتها، فهي في المحتوى صورة طبق الأصل عن شعب متَّفق عليه من قبل الذين يشعرون أن مجرد تسميته جنساً بشرياً، يزيد في نسبة كربون التاريخ، وكبريت الجغرافيا ويسمّم المؤلبين عليه، في أنظمة أطلقت العنان لخيالاتها الجارحة، ولألسنتها النابية ما شاء لها من التعابير والتدابير إلى اللحظة.
محظور هو الشمال من جهة ” القيّمين ” عليه، لأنه يردد صدى جهة أرضية تصرّح بولادته وانتشاره فيه بسهوله وجباله وأنهاره، بحيواته وميتاته، وهذكذا تنقص الجهات جهة، وتصبح الجغرافيا عرجاء لتدل عليه في غفلة من عنف القيمين عليه. محظور عليه الأحمر والأصفر والأخضر، وهكذا يصبح الورد المعلوم بالأحمر مشبوهاً، والأصفر الذهبي المشع للشمس في وضعية شبهة، والأخضر الذي لا يحاط به في شبهة من أمره. محظور هو الجبل، كما لو أن الأرض لم تلد سوى الجبل الحامل لبصمة الكردي. محظور هو الحجل، لأنه يشير إليه..
بالطريقة هذه، وجرّاء هذه المحظورات، تحضر العناصر الأربعة، تحضر الطير، يحضر الماء، يحضر الجبل بأنواعه، السهل بأشكاله، النهر بمقاماته، الشجر العائد إلى المكان بلغته للإدلاء بشهادة كون المولود كردياً.
يا لهذه الجُنَح التي لا تنتهي، لهذه الأحذية التي تجرح الأرض وما عليها، لهذا الصراخ الذي أعدم في كائنه لغة سوية، جهة كائن مولود في غرفة العناية المشددة للتاريخ، وقد حمّل بمخاوف يتربص به من أرادوه دون اسمه، دون هويته، دون مكان يحمل بصمة رغباته، لونه، حلمه، مرحه الطفولي، اعتداده الشبابي بنفسه، حكمة شيبته، إمضاءة حياته الطبيعية كغيره، شهادة وفاة طبيعية كغيره، أعني به الكردي.
يحضر نوروز كل عام، ليجدد في هذا التاريخ المشكوك في ألفبائه، والجغرافيا التي تسربلت بدمائه، ولم يكف القيمون عليه عن المضي في تمزيقه، وتجزئة المجزَّأ شعوراً منهم أنه لا يمنحهم السكينة، ولهذا يبتكرون أدواتهم، بمقدار ما ينسلخون عن كونهم بشراً طبيعيين، ليحسنوا الإقامة في أمكنة متجاورة ويقبلوا به، ويدركوا أنه ليس خارجاً بشكله ولونه، وزمرته الدموية، ولسانه، عن حدود المعيار البشري، ليعترَف به في ” شرعة ” الأمم.
يحضر نوروز كل عام، ليتجدد نودوز كل عام، وتضاف صفحة إلى كتاب تاريخ الذي يصعب عد صفحاته، مثلما بات يصعب تطويق هذا الكائن البشري كغيره، الذي تعد الأرض التي تضمه إليها نفسها في وضعية استقرار مما يجري، لتشير إليه، وتسمّيه، لتسمّيه حتى حدود أعدائه، ولغات الذين لا يرغبون في تهجئة اسمه، وهم يضطربون أنّى كانوا حيث تنبثق نار نوروز في جهاتهم، أمام أعينهم، أي على مرأى منهم، ليسقط في أيديهم، وليشكل نوروز نودوزاً عليهم، وليس على الكردي الذي يريد دخول عتمة تاريخهم بنارهم الفصيحة بدفئها، ويطهّرهم من ” لوثة ” تاريخ لم يتحرروا منها بعد.
دهوك- في صباح نوروز 21-3/2018 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…