ريزان شيخموس
إن الحرب المستمرة في سوريا عموماً وخاصة في المدن المستهدفة من قبل الدول المتنفذة في سوريا والتي تسعى إلى إعادة توزيعها لمناطق نفوذها وفق المصالح والاتفاقات السرية فيالكواليس الدولية والتي تبحث في الأزمة السورية واستثمارها لأجنداتها، ووفق الخريطة السورية ما بعد مرحلة داعش تتمحور بين القوى الدولية المتمركزة في شرقي الفرات وغربها.
وقد تحولت كل القوى العسكرية المتحاربة في سوريا بما فيها قوات النظام إلى أدوات تنفذ أجندات ومصالح الدول الداعمة لها عسكرياً.
ولهذا فالشعب السوري بكل مكوناته عندما ثار ضدالنظام الأسدي مطالباً بالكرامة والحريّة والعدالة الاجتماعية لم يكن يتوقع أن تستمر ثورته أكثر من عدة أشهر ليسقط النظام ويحقق أهدافها في بناء دولة وطنية تكون لكل أبنائها، ولكن يبدوانه كان هناك من يتربص بهذا الشعب وثورته ليستثمرها لأجنداته ومصالحه، وبالتالي تحولت سوريا إلى ساحة حرب حقيقية بين أجندات مختلفة، وإن أدوات هذه الحرب هم سوريون، وأنالدم الذي ينزف والمستباح هو الدم السوري بكل ألوانه وطيفه .
إن ما يحدث في الأيام الأخيرة من القتل والتدمير إن كانت في الغوطة أو في عفرين أو في غيرها من المدن هو نتاج مرحلة تحالفات جديدة في المنطقة وفِي سوريا، وخاصة بعد أن تشكلالمحور الدولي الجديد في سوريا والمؤلف من روسيا وتركيا وإيران، والهدف منه هو العمل من أجل خلق توازن جديد في المنطقة، وكان الطعم الأول هو تقديم عفرين هديّة دسمة لتركيالتعزيز دور هذا المحور الجديد والبدء بتفعيل مرحلة جديدة في المنطقة وخاصة أن الروس جادون لأبعد الحدود بإعادة تأهيل النظام السوري في المناطق المرسومة له، لهذا كان لابد منأجل تنفيذ المخطط الجديد وعلى أكمل وجه في سوريا وبموافقة حكومة أردوغان الحليفة الرئيسيّة للمعارضة السورية وللتمكن من إبعادها عن حليفتها أمريكا، وجدت روسيا الضرورةالفعلية لإدخال الأتراك بطريقة محترفة في العمل العسكري في سوريا، وكانت البداية السماح لها بغزو عفرين واحتلالها وبمساعدة الآلاف من السوريين المحسوبين على المعارضةالسورية، هذه المعارضة التي تكمن مهمتها الرئيسيّة في مواجهة النظام السوري والدفاع عن الشعب السوري ليس العمل كأداة في تنفيذ المخطط التركي في غزوة عفرين، هذا العمل الذيساهم في تعقيد المشهد السوري وتسهيل مهمة الروس في إعادة التأهيل للنظام الأسدي في سوريا .
في ظل المشهد السوري المعقد، وفي مرحلة الحرب العالمية على داعش برز واضحاً دور حزب الاتحاد الديمقراطي وميلشياته كأداة تنفيذ لكل هذه الدول في الساحة السورية في حروبهابالوكالة. وقد أعطى هذا الحزب كل التبريرات الضرورية للدولة التركية في هجومها على عفرين وبضوء أخضر دولي، إن قيادة هذا الحزب كان يمكن وبكل بساطة إفشال هذا المخططالتآمري ضد عفرين وشعبه الكردي العظيم وإبعاد القتل والتدمير عنه، ولَم تقدم أية مبادرة بهذا الخصوص، ولكن للأسف كانت قيادة هذا الحزب مصرةً أن يتخذ قرار المواجهة العسكريةوبشكل فردي دون الأخذ بالاعتبار النتائج العسكرية والسياسية الكارثية الناجمة عن هذه الحرب المدمرة ضد منطقة عفرين شعبها، بل بالعكس قدم نموذجاً سيئاً للحل من خلال إدخالالميليشيات الشيعية المدافعة عن النظام السوري إلى عفرين، هذا العمل الذي أساء بشكل للشعب الكردي وقضيته القومية. وإن ما يحصل في عفرين هو نتيجة طبيعية لاستمرار حزبالاتحاد الديمقراطي بسياساته القمعية والمعادية لكل الأحزاب والمنظمات الكردية وطموح الشعب الكردي بالتحرر والانعتاق وتفرده باتخاذ قرارات السلم والحرب دون الأخذ بالاعتبارالنتائج المترتبة عنها، وتنفيذ سياسة التجنيد الإجباري بخطف الشباب الكردي وتجنيدهم وإرسالهم الى حروب تنفيذاً لحماية مصالح العديد من الدول في سوريا وفرض سياسة الحزب الواحدوحرق مكاتب الأحزاب المعارضة وقتل وملاحقة النشطاء السياسيين والإعلاميين وإهانتهم وارتكاب العديد من المجازر بحق الشعب الكردي والاستمرار في اختطاف العديد من القياداتوالكوادر الحزبية في المجلس الوطني الكُردي، بالإضافة إلى ممارسة الكثير من السياسات القمعية والتهجير القسري والتي ساهمت بتفريغ المناطق الكردية من سكانها.
هذه السياسات واستمراريتها تعبّر بشكل لا لَبْس فيه بعدم امتلاك حزب الاتحاد الديمقراطي أي مشروع لحل المسألة الكردية بل يعمل من أجل مصالح حزبية ضيقة لا تخدم القضية الكرديةمطلقاً.
لقد أثبت حزب العمال الكردستاني في هذه الحرب الدائرة في عفرين انه لا يهمُّه ما يجري في كردستان سوريا عموماً، ولَم يستطيعوا أن يحرّكوا ساكناً في تركيا كما وعدوا قيادات هذاالحزب، ، بل بالعكس استثمروا ذلك كعادتهم لمصالحهم الحزبية الضيقة كما حدث في نصيبين وغيرها مئات المدن في كردستان تركيا ، وهذا يستدعي أن يفهم جماهير الحزب وقيادته فيكردستان سوريا ان يتخذوا قراراً تاريخياً بفك ارتباطهم مع قنديل، و”هذا أقرب للمستحيل”، والعمل لمصلحة الشعب الكردي في سوريا والانسحاب من عفرين وتسليمها لأهلها لإبعاد مئاتالآلاف من شعبنا عن أتون الحرب في عفرين، والبدء فوراً بتقديم مبادرة تاريخية مع الأحزاب الكردية في سوريا على أساس المصلحة العليا لقضية شعبنا الكردي في سوريا والسعي معهملإدخال بيشمركة روج للقيام بواجبهم لحماية كردستان وشعبها وهذا ما سيفسح المجال بعودة الآلاف من الشباب الكردي إلى الوطن كما انه سيكون الحل الوحيد من استبعاد الخطر علىمعظم المناطق الكردية في سوريا ، وبداية انفراج سياسي حقيقي في كردستان سوريا .
وإلا لن تكون عفرين المنطقة الوحيدة المعرضة للخطر بل سيتمدد هذا الخطر على كل الشعب الكردي في سوريا وعلى كل مناطقه وسيكون الموقف الدولي متفرجا بل داعماً لأي حربعلى شعبنا وان تجربة كركوك شاهدة قريبة على ذاك . وإن المسؤولية التاريخية سيتحملها هذا الحزب كما تحمل الحزب النازي في ألمانيا مسؤولية الحرب العالمية الثانية .