إبراهيم اليوسف
لايزال بعضهم يحكم على الثورة السورية، من خلال النتائج التي آلت إليها، وجاء أكثرها طبقاً لما تشدق به أكثر من ممثل للنظام السوري، في ما يخص: هويتها، وطبيعتها، وتوسيع دائرتها، إن لم تتوقف، وغير ذلك، إذ يرى كثيرون أن النظام قد كسب الرهان، من دون إدراك مسائل عديدة، في مطلعها تأخر توقيت انطلاقتها الرسمية بعيد أكثر من ثورة عربية، وإطالة أمدها، الاضطراري، اللاحق، ناهيك عن احتضانها من قبل تركيا، وأسلمتها، بل إن أكثر من غدوا واجهاتها، في أول المؤسسات التي ادعت تمثيلها كانت أولوياتهم الشخصية قبل أولويات إسقاط النظام، وبناء سوريا جديدة لكل السوريين، ناهيك عن فتح أوتوستراد الترانزيت سواء لهؤلاء الذين لم يكونوا ليختلفون مع النظام إلا على مكاسبه، وكرسيه،
أو آخرين، رأوا بعد نجاح الثورتين: التونسية والمصرية- على نحو خاص- أن عصر النظام انتهى، وما عليهم إلا أن يرموا بأنفسهم من مركبته إلى المركبة الأخرى! مركبة المعارضة، لطالما أن تكلفة ذلك ليس إلا الخروج من البلاد مع أفراد أسرة هذا الأنموذج، والظهور عبر أية وسيلة إعلامية: التلفاز-اليوتيوب- الفايس بوك، بأنه انشقَّ عن النظام، كي يتطهر من آثار السلطة، ويولى الثقة من قبل أولي الأمر الطارئين الذين بدوا يتقبلون المعارضين، وفق موالاتهم الجديدة لأطروحاتهم، وهوما ظهر في المجالين العسكري الذي لا أحد فيه- أصلاً- من خارج ثقافة النظام، ماعدا استثناءات قليلة، والسياسي الذي كان كل من على سدة المسؤولية، من عداد مسؤولي النظام، وهم شركاؤه في الكثير من الآثام، بل ثمة من لاذ بالخروج عن النظام، لأنه كان مطلوباً منه لقضايا تتعلق بالفساد، أو هرب من أخطار رحى الحرب التي لوحت في الأفق.
مؤكد، أن مثل هذا الحكم لا يمكن أن يعمم، إذ طالما كان هناك من اضطروا لأن يكونوا منتمين إلى حزب البعث، مكرهين، بعد أن أغلق النظام السبل، وثمة من استبعث ليحمي نفسه من بطش- كتبة تقارير- النظام، بعد أن زرعت الأجهزة الأمنية عيونها في المدارس، والدوائر، والأحياء، والشوارع، والقرى، وحتى البيوت، إلا أن تساهلاً كبيراً كان يتم في عمليات احتضان هؤلاء من قبل من تنطعوا لقيادة دفة المعارضة-أي الأخوان المسلمين- ومن قبل بالدوران في فلكهم، بعد أن أبدوا ليونة، ومرونة، وسلاسة، في تعاملهم الجديد مع المحيط، ليوهموا أن ثلاثين سنة من ابتعادهم عن سوريا قد مدنتهم، بحق، ناهيك عن أن صورة بطش النظام الوحشي بالأخوان المسلمين، دعا إلى أوسع تعاطف معهم، بعد أن أقدم النظام على إحراق أخضرهم مع يابسهم، بعيد مجزرة مدرسة المدفعية في العام1979.
حقيقة، إن الثورة السورية أطلقت قبل شرارتها الأولى، التي طالما تشير إليها مدونة الثورة، وذلك لأن الشارع السوري بات في حالة- انتفاضة- أو ثورة- مبيتتين، قبل إطلاق أية شرارة، وكانت وسائل الإعلام تنتظر الولادة الرسمية لبدء الثورة، بعيد تلك الشرارة التي أطلقها البوعزيزي في تونس أواخر العام 2010، وقد ارتعدت إثر ذلك، أوصال آلة النظام الذي كان ينتظر انتفاضة، أو ثورة، محليتين، في مرحلة ما قبل البوعزيزي، بعد أعدَّ استبداده لأدوات اندلاعهما، وامتلأت سجونه بالأحرار، وبات الشارع السوري، من أقصاه إلى أقصاه في حالة غليان شديد، نتيجة حالة تدهور حقوق الإنسان، والانتهاكات اليومية التي كانت تتم، ما جعل النظام يشدد قبضته الأمنية، ويجعله معزولاً عن المحيط السوري، وكان كل شيء يدل على أن النظام السوري على وشك السقوط.
هل انتصرت الثورة حقاً:
ثمة من ينظر إلى أية انتفاضة، أو ثورة، من خلال النتائج التي آلت إليها، ولعل هذه القاعدة لا تصمد أثناء قراءة الثورة السورية، وذلك لأن أية معرفة بطبيعة النظام الدكتاتوري تجعل ممن واجهه بصدره العاري، مطالباً بإسقاطه، انتصاراً للثورة، أو نجاحاً لها، لاسيما أن ثمة حالة هلع، أصيب بها النظام السوري، ولما يزل يعاني منها، وأن هذا النظام كان قد سقط، لولا أنه يعيش، الآن، ب”شهادة كفالة” دولية، إقليمية، وما كان له أن يصمد أكثر من مجرد أسابيع، بعد أن تصدع جداره الرهيب، وانهار، ناهيك عن أن أي مواطن سوري، سواء أكان معارضاً، أو منتمياً إلى الموالاة، بات يدرك حقيقة هذا النظام، وهشاشته.
مؤكد، أن لا أحد ممن انخرط في الثورة، السلمية، ليريد أن تهدر قطرة دم، أو يتم النيل من مجرد غصن شجرة، إلا أن النظام السوري، راح يستدرك سقوطه المعنوي، أو الرمزي، بعيد إسقاط- تماثيله- من خلال الإقدام على لغة القتل، والدمار، وتفريغ سوريا من أبنائها، إلى الدرجة التي بات نصف سكان هذا البلد، مهاجرين، خارج وطنهم، أو داخله، بعد أن غضت الدول الكبرى النظر عن جرائمه، ووقف بعضها إلى جانبه، بالإضافة إلى إيران، ليكون العالم، بأسره، أمام الدراما السورية العظمى، من دون أن يرف لهذا النظام المجرم أي جفن، بل إنه راح يسوغ جرائمه هذا، من خلال إعلامه التضليلي الذي غدا موازياً لآلة القتل والدمار الرهيبين.
إن مقولة- قائدنا إلى الأبد- انتهت في سوريا، وفي هذا وحده أحد وجوه انتصار الثورة، وهزيمة نظام الأسد، وداعميه. إنه انتصار السوريين، وإن كانت ضريبة الدم، باهظة، هذه الضريبة التي بدا النظام قادراً على ارتكابها، حتى من دون أية ثورة، إن كان ذلك ثمناً لديمومة كرسي عرشه..!
من هنا، إن نجاح الثورة لا يقاس بإنجازها الظفر بكرسي السلطة، ليكون بعض وجوهها بديلين عن النظام، بقدر تحقيقها لمهمتها بإسقاط ثقافة هذا النظام الدموي، الدكتاتوري. كما أن الانطلاق من حجم التضحيات الأليمة التي تمت- وسببها النظام السوري- لا ينفي هزيمة هذا النظام، في عمقه، بل هزيمة الفكر الذي يؤازره، ولايزال، وهي تضحيات باهظة، تقلل من فحوى أي انتصار على هذا النظام الإرهابي حقاً، على عكس ما يروج له-عادة- هؤلاء الذين يسترخصون الإنسان، من أجل إنجاح فكرة، ولو وهمية.
في هوية الثورة:
لا يمكن تناول الثورة السورية، إلا من خلال كانت استجابة طبيعية لمطالب أكثر السوريين، ممن عانوا من كابوس نظام حزب البعث، في نسخته الأسدية التي استمرت بضعة عقود، ولما تزل تغتصب السلطة، من خلال مساندة بعض القوى الدولية والإقليمية لها. لقد حددت هذه الثورة السلمية، هويتها، في بداياتها، بعيداً عن المزالق التي تم تمريرها خلالها، عبر اختراقها من الداخل، بما يخدم النظام، عندما تمت محاولة تطييفها، أو أسلمتها، أو حتى عسكرتها. إن مجمل هذه الصبغات الطارئة على الثورة، خدمت نظام الطاغية بشار الأسد، على نحو مباشر، أو غير مباشر، لأنها دعت إلى تشويه صورة الثورة، وكان في تمادي القوى المتأسلمة في تسمية الجمع بأسماء محددة، عبر استغلال عفوية الكثير من التجمعات التي تمت أمام أبواب المساجد، وهو ما أسهم في كبح التعاطف الغربي معها.
تتحمل الجهات الإسلاموية، مسؤولية اختراق الثورة، وإضفاء الطابع الديني عليها، على ما تم في أكثر من بلد عربي: تونس- مصر، إذ تمت سرقة الثورة من أصحابها الحقيقيين، وما جرى في مصر ألفت انتباه أوساط كثيرة من السوريين الذين انخرطوا في الثورة، ورأوا أنها باتت تعيدهم إلى الوراء، بدلاً من أن تحقق لهم ما ظلموا يحلمون به طويلاً.
من هنا، فإن ما جرى في سوريا لم يكن إلا ثورة عظمى، قبل أن يتم تحويلها التدريجي، من مساراتها، لتغدو سوريا ساحة حرب، وتصفية حسابات لأطراف دولية، وعربية، وخليجية، كثيرة، كان لكل منها هدفها، من وراء محاولاتها استثمار الثورة، ويمكن الإشارة هنا- بجلاء- إلى من استثمروا تمويل- فصائل الجيش الحر- وإشاعة ظواهر إطالة اللحى، وقتل الأبرياء، على إيقاعات التكبير، ما أحدث التباساً كبيراً، حتى لدى ذوي الخطاب العلماني الذي استسلموا أمام ما فرض عليهم، من قبل الممولين، والأخوان المسلمين، الذين كانوا يديرون دفات واجهات الثورة، لاسيما: المجلس الوطني- الائتلاف، من خلال استغلال سطوة المضيف التركي لمقارها الافتراضية، أو الواقعية.!
سقوط المثقف:
لم يعتد كثيرون من المثقفين السوريين على ممارسة حضورهم، نتيجة تأثير النظام، على سايكلوجياتهم، إذ إنه لم يكتب للمثقفين فرض رؤيتهم، لما يدور في بلدهم، بالرغم من ولادة أول مؤسسة ثقافية من رحم الثورة، أي: رابطة الكتاب السوريين، بعد أن أعلنت رابطة الكتاب السوريين التي غدت: الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد، انحيازها إلى الثورة، بل انخراطها فيها، شأن رابطة الكتاب السوريين، إلا أن السياسي، الذي استلم زمام الأمور في واجهات الثورة، همش المثقف، وجعله مسوغاً لسياساته، مستغلاً حماس هذ الأخير للثورة، ما جعل بعض المثقفين الذين انضموا إلى هذه الواجهات يتناسون دورهم النقدي، لاسيما بعد أن راحوا يرددون بشكل ببغاوي ما يمليه عليهم السياسي، وهو نفسه السياسي الذي استمد شرعيته إما من قبل: الممول، أو البلد المضيف، وهكذا فقد أحدثت فجوة كبرى ما بين مثقف الثورة وسياسيها..!
وأد روح ربيع الثورة:
بدا الشباب السوري، على امتداد خريطة البلاد وهو يقود مظاهراته التي لم ترضخ لعنف النظام، باعتباره استطاع تحطيم جدران الرعب، إلا أن هذا الشباب همش من قبل واجهات المعارضة، إما من خلال إفساد بعض رموزه، أو من خلال عزله، في ما إذا خرج على أطروحاته. كما أنه من المعروف بأن النظام قد أبطش، من جهته بالشباب، إما من خلال جعله وقوداً على حربه على السوريين، أومن خلال استهدافه وهدر دمه إما في الشارع، أو في المعتقلات، أو عبر إرغامه على الهجرة.
ولعل أمراً جد مهم، لابد من الانتباه إليه، وهو أن انقطاع جيل كامل من طلبة المدارس، والمعاهد، والجامعات، ولسبع سنوات متتالية، عن التعليم، سواء أكانوا داخل البلاد، أو في دول الجوار، أو في المهاجر الأوربية، له تأثيره الكبير، كحرب أخرى على السوريين، لاسيما إذا علمنا أن النظام قصف بطائراته آلاف المدارس، والمعاهد، أو جعلها مقاراً له، ول”شبيحته” ول” المرتزقة” المستقدمين من بعض الدول التي آزرته. كل هذا يجعلنا دورة التفاعل الفكري، والسياسي، غير مكتملة، وفي هذا تأثيره الكبير، على مستقبل البلاد، لاسيما أن هناك من اضطروا- من الشباب- للارتماء في أحضان التنظيمات الراديكالية، والإرهابية، أو” التشبيحية” وهم بهذا يشكلون بركاناً خطراً على حالة الاستقرار المنشودة، من قبل السوريين.
ثمة ظاهرة جد خطيرة لوحظت في فضاء الثورة السورية، وهي تفكك المؤسسة السياسية ذات الحضور السابق، إلى جانب تفريخ آلاف الجمعيات والمؤسسات والأحزاب، إذ عمل بعضها ليكون مجرد- سوبرماركت- لتسول أشكال التمويل- أستثني هنا تلك الجمعيات الإغاثية وسواها التي عملت بتفان ونظافة ضمير وأيد- إذ إن- ماكنات- هذه الواجهات فرخت بعض الكتل، والتيارات الجديدة، بغرض تمثيلها، وهي بمثابة فروع تعود إلى جذع واحد، ولقد سعى بعض البهلوانات لتأمين مؤتمرات عاجلة، في هذه العاصمة، أو المدينة، أو تلك، يتم خلالها توجيه دعوات لأبعاضهم، باستغلال حماسهم للثورة، أو جمع من أدمنوا حضور المؤتمرات المتناقضة مادام أنهم يستطيعون تأمين أجور نقلهم، وحجزهم الفندقي وغير ذلك، ليمرر مسؤول هذه المؤسسة الوليدة تطويب اسمه، وحاشيته كي يكونوا أعضاء في هذه الواجهات، يتكسبون من خلالها، ناسين مهمة الثورة الرئيسة، وقد تمت تزكية بعضهم، في هذه المؤسسات، بالرغم إما من هامشيتهم، أو سوء تواريخهم.
ولابد من الإشارة هنا، إلى أنه لم يتم تشويه الحزب السياسي، وحده، على أيدي بعض ممتهني تجارة المكاسب، وإنما تم تشويه صورة- المجتمع المدني- لاسيما بعد تعويم بعض الأسماء، والحوانيت أو الدكاكين، من قبل الوزارات، والسفارات، العربية، والأجنبية، بحيث باتت هذه المؤسسات الوهمية- من دون أية قواعد جماهيرية خارج دوائر المنتفعين منها، وفي هذا خدمة مجانية للنظام، وحزبه، ومؤسساته، بل إجهاض للعمل المدني الذي كان من الممكن أن نعول عليه، ناهيك عن أن هذه المؤسسات أساءت للمؤسسات المدنية الفاعلة، ذات التاريخ النضالي الناصع..!
الكرد والفيدرالية:
بعيداً، عن الحديث عن تفاصيل القضية الكردية، أو حتى حدود خريطة كردستان، وبعيداً عن توصيف معاناة الكرد السوريين، من قبل النظام السوري، وتناسخ رؤية أوساط واسعة من المعارضة للقضية الكردية عن رؤية النظام، بل إن من بينهم من بات يبزُّ حزب البعث في موقفه من الكرد، بعد الكثير من المحطات التي مرت بها العلاقة بين الكرد وبقية شركائهم في المكان، إلا أنه لابد من الاعتراف أن المعارضة السورية لم تجد التعامل مع الكرد الذين شارك شبابهم في الثورة، وانطلقت المظاهرات المناوئة للنظام من المدن الكردية: قامشلي- عامودا- كوباني- عفرين إلخ، كما أن عدم الاتفاق- كردياً- على مطلب محدد، وصدور بعض التصريحات، والسياسات الخاطئة عن بعض ممثلي المعارضة، في هذا المؤتمر أو ذاك، بل دعم الائتلاف- علناً- لغزو عفرين، أدى إلى تعميق الهوة بين السوريين، ناهيك عن تعمقها بين أكثر من طرف كردي، بالرغم من أن هذه الورقة ترى أن-المجلس الوطني الكردي- والأحزاب التي تماثله، وإن كانت خارجه، بالإضافة إلى فضائها الجماهيري من يمثلون الأكثرية الكردية التي ترى في الفيدرالية طريقاً لاستقرار سوريا، من جهة، بالإضافة إلى تلبية المطلب الكردي في سوريا، من جهة أخرى، وإقرار كل ذلك دستورياً، وفق ما هو متعارف عليه دولياً، وبرعاية وضمانة دوليين، لاسيما أن لا سبيل- على المدى المنظور- من العيش المشترك بين السوريين جميعاً، ومن بينهم الكرد، في حال تحقق مطالبهم الشرعية، كشعب، متمايز، يعيش على ترابه، وهو ليس ضيفاً، كما روج بعض المغالين من الطرفين: النظام السوري وبعض معارضته.!
طمأنة إسرائيل:
لقد كانت إسرائيل المستفيد الرئيس، من كل ما جرى في سوريا، من دمار وقتل، وذلك ما جعلها تطمئن، إلى أن صورة مرحلة ما بعد الأسد- حارس حدودها مع سوريا- باتت واضحة، وهو ما سيجعلها تواصل بناءها الداخلي، ناهيك عن ممارسة سياساتها المعروفة في المنطقة، لاسيما إن سوريا، الجارة، باتت مفككة، في عمقها، حتى وإن لم تتفكك خريطتها التقليدية التي رسمت قبل مئة سنة من الآن، والتهمت أجزاء منها.
إن ديمومة آلة الحرب في سوريا، مقابل ديمومة استمرار نظام الطاغية الأسد، وتشبثه بكرسي السلطة، وإن بشكل صوري، وسيل نهر الدم السوري، على امتداد السنوات السبع، إلى الدرجة التي لم يعد يوجد في أية مدينة، أو حي، أو قرية، أو شارع، وحتى أي بيت، إلا وفيه ضحية، ناهيك عن دمار البنية التحتية، وتشكل طبقة اعتاشت على حمل السلاح، وامتهان القتل والتدمير، بالإضافة إلى هيمنة نزعات الثأر التي تم الاشتغال عليها، من قبل من كانوا وراء الحرب التي تمت، وسببها الرئيس: النظام الدموي، بالإضافة إلى من آزروه، ومن أرادوا- في المقابل- تنفيذ أجنداتهم، من دون أي اعتبار للحجم الكارثي الذي يلحق بسوريا، وأهلها، كل ذلك جعل من أي تصور لحالة الاستقرار النهائي غير مجدية. إذ تم إشعال كل النزعات المتناقضة، بغرض إحراق المكان، وأهله، عبر إماتة روح التعايش الجماعي، وجعل كل مكونات البلاد، أقرب إلى حالة التلاغي، بعد أن تم الإجهاز على كل ضوابط الأمان، وهوما جعل النظام- رأس كل بلاء- يتغطرس، ويتبجح، مدعياً أنه لطالما كان وراء ضبط أمن سوريا، بالرغم من أن كل ما بات يظهر على السطح، على حين غرة، لهو من جراء بيات استبداده، الذي اندلع فجأة، ما راح يدفع لتكون رؤوس جميع السوريين مطلوبة من قبل جميعهم.
وهنا، فإنه لمن المؤكد أن لا مستقبل لنظام الطاغية الأسد، لكنه لمن المؤكد أيضاً أن حالة الفوضى ستهيمن على امتداد خريطة السوريين، سواء أقسمت، أم لم تقسم، كما أن المدن والأرياف السورية لابد ستتعرض لانزياحات وتغييرات ديموغرافية هائلة، ناهيك عن خسارة سوريا لملايين الأسر، بالإضافة إلى نزيف العقول، ما يجعلنا أمام بلد، ضعيف، لا يمكن تعافيه، حتى بعد مئة سنة أخرى، بسبب هذه السنوات العجاف التي لما تنته بعد..!
* جريدة الحياة16-3-2018