تطهير عرقى

د. عمرو السميع
لابد من التوقف أمام التصريحات التركية المتوالية بأن أنقرة بعد قضائها على (الإرهاب) فى شمال سوريا ستشرف على إعادة هذه المنطقة إلى سكانها الأصليين، إذ أن تركيا لم تحدد ما الذى تقصده بالسكان (الأصليين) فالعالم كله شهد ـ عبر شاشات التليفزيون ـ قبيل غزو عفرين، المظاهرات الحاشدة التى غصت بها شوارع وميادين عفرين، منددة بالتدخل التركى رافضة وجود القوات التركية فى الشمال السوري، ومن البديهى أن القوام الرئيسى لتلك المظاهرات كان من الأكراد، حيث كان المتظاهرون يرفعون الأعلام الكردية، فهل تريد تركيا إقناعنا بأنها ستعيد المناطق التى تحتلها إلى سكان يرفضونها فى الأصل والأساس أم أن تركيا تريد تحقيق تغيير ديمغرافى سكانى وتغليب طوائف أخرى فى هذه المناطق بدلا من الأكراد؟..
 تركيا (لم تعلن أبدا عن الهدف النهائى لعمليتها الملقبة ـ غصن الزيتون ـ فى شمال سوريا فقد بدأت بمدينة الباب ثم عفرين وها هى تناقش الآن وضع مدينة منبج) وهى تدعى أنها تطارد حزب العمال الكردستاني، وتمد مطاردتها إلى وحدات الحماية الكردية والاتحاد الديمقراطى الكردستاني، وهما منظمتان لا يرى العالم أو المنظمة الدولية أنهما إرهابيتان.. وفى أثناء المطاردة تحطم فكرة وحدة الأراضى السورية أو السيادة السورية على شمال سوريا ما يجرى من تركيا فى الشمال السورى إهدار لسيادة دولة عربية، وممارسة فعل عسكرى فاضح يرتكب ما يشبه التطهير العرقي، فهى تحاول أن تستبق الأحداث وإجهاض حلم الأكراد القومى فى إقامة دولة لهم تمتد من العراق إلى سوريا إلى إيران ثم إلى جنوب شرق تركيا، وبدلا من السعى نحو إقامة كيانات تتمتع بالحكم الذاتى داخل أطر فيدرالية فى هذه الدول، فإن تركيا ـ عبر البلطجة العسكرية ـ تحاول ضرب الوجود الكردى إجمالا فى هذه المنطقة وتعطى نفسها الحق فى التجول بحرية فى باعشيقة أو سنجار فى العراق وفى عفرين والباب فى شمال سوريا.. يعنى تركيا تضرب الأمن القومى العربى على نحو يهدد سلامة ووحدة أراضى دولة عربية مستقلة ذات سيادة، وكان الرئيس السيسى قد أعلن ـ بوضوح لا لبس فيه ـ نقاطا خمس تحكم موقف مصر من الأزمة السورية على رأسها وحدة الأراضى السورية واحترام إرادة الشعب السوري، وكانت تلك النقاط قمة فى الوعى وإدراك الخطر الذى يتهدد الأمن العربى والذى يعد الغزو العسكرى التركى للشمال السورى أحد مظاهره.
نقلاً عن صحيفة ” الأهرام ” المصرية، في 27-3/ 2018 
د. عمرو السميع صحفي مصري، ومن كتاب ” الأهرام “

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…