عمر كوجري
الشعوب العظيمة بارعة في حفظ دروس التاريخ والمصالحة مع الأزمات التي مرت بها، فتجعل منها عبرة ودرساً بليغاً لا تكرر أخطاءها فنهضت من جديد، وانبعثت من جديد. الشعب الكردي شأنه- شأن كل الشعوب- في صفحات تاريخه ما هو مشرق، وفيها ما هو مظلم، ولكن الكردي الذي كانت أوصال الأعداء ترتعد منه، وكانوا يتحاشون التصادم معه لشجاعة رجاله واستبسالهم هو الكردي ذاته الذي كان على طاولات التفاوض تنقصه الحنكة الدبلوماسية فيتحول نصره المبين خافتاً بعد حين مع سقوط الإرادة. منذ أواسط القرن الماضي للآن برع الكرد في تسطير ملاحم مقارعة أعدائهم، لكن فرحة النصر لم تكن تكتمل في نهاية المطاف بسبب الخلاف الكردي- الكردي الذي كان دائماً يوجع القلوب، ويدميها.
أسوأ الخلافات الكردية كانت الخيانة الكبرى التي حدثت في كركوك التي سلمها بعض «الكرد الخونة» للحشد الشعبي الطائفي والجيش العراقي هدية دون أيّ مقابل، سوى أن هؤلاء الخونة ارتضوا أن يلّقنوا بني جلدتهم من الكرد الطامحين إلى مستقبل أفضل لشعب كوردستان درساً بليغاً في الألم، فحين اقترب النصر أن يتحقق تحت قيادة الرئيس مسعود بارزاني حين أعلن أن قرب رؤية العلم الكوردستاني مرفرفاً بين أعلام الأمم لم يعد أمراً مستحيل التحقق سارع الخونة إلى ارتكاب خيانتهم التي وصفها مسرور بارزاني قبل أيام بـ«أنها الأشنع في العصر الحديث». ولا يغيب عن بالنا أن “النصر المؤقت” لحكام المنطقة الخضراء في بغداد ما كان ليتم لولا المباركة الدولية وغض نظر الولايات المتحدة التي كانت من المفترض أن تكون حليفة الكرد لا خصمهم. السيناريو عينه يتكرّر هذه الأيام في عفرين الكوردستانية والمحاصرة من سنوات من طرف النظام والمجموعات المسلحة، ومن فشل حزب الاتحاد الديمقراطي في حمايتها، بل كانت طرفاً في مأساة أهلها. هذا الحزب وكأنه لا يستشعر بالتهديد التركي الأخير، وبدلاً من استغلال الفرصة لفتح صفحة جديدة مع المجلس الوطني الكردي وباقي القوى السياسية نراه الآن لا يقبل بأي تواجد سياسي وعسكري لأي فصيل كردي، وكان حرياً به طلب “النجدة” ليكون الجميع في وارد الدفاع عن عفرين ضد أي تهديد، لكنه يؤثر مصلحته” الحزبية” مزكياً الخلاف الذي ربما يزيد من طمع الغريب مع ازدياد الخلاف الكردي – الكردي على مستوى الأجزاء الأربعة، ليبدو أن التشرذم أكثر من المتوقع حين عفرين تقصف وملايين الكرد يتفرجون على المأساة دون تحرُّك!!.
صحيفة «كوردستان» العدد 576- زاوية«العدسة»