عبدو خليل
بلا مقدمات. كل القوى العسكرية والسياسية. السورية، كردية كانت أم عربية شركاء مع تركيا في ما يجري بعفرين، شركاء في دم أي طفل عفريني يهدر تحت رعونة الضربات، وشركاء في دم أية عجوز يتوقف قلبها تحت ضغط القنابل والصواريخ، وشركاء في احتراق اية شجرة زيتون أو ارتطام سقف أي بيت فوق ساكنيه، أنتم شركاء، والشريك يتحمل كامل المسؤولية الجنائية والأخلاقية.
الشريك الأول هو حزب العمال الكردستاني الذي مارس فجوراً سياسياً وعسكرياً بحق سكان عفرين منذ ستة سنوات لغاية اللحظة، فجور فوق الوصف. بدءاً من جرائم القتل والاعتقال التي ارتكبها بحق من اختلفت معه، وتعهده بقمع المناطق الكردية نيابة عن النظام السوري، وصولاً للتجنيد الإجباري من أجل تغذية معاركه الدونكيشوتية مقابل السلاح والدولار. عدا عن فرض الضرائب والجزية ومحاصصة الناس في قوتهم ، وليس انتهاءاً باحتلاله للقرى والمناطق العربية المجاورة لعفرين، مما وضع المنطقة في موقع المواجهة مع جيران طالما تقاسموا معاً رغيف الخبز.
ونذكر فقط كيف أن ألهام أحمد وغيرها كرروا على الدوام وبصفاقة ” من لا يعجبه العيش في روج أفا ليرحل” وكأن المناطق الكردية هي ملك حصري لمن خلفها . لذلك تحولت عفرين إلى قنديلستان وبات وجود الكوادر البككاوية ذوي الأصول ” التركية” في عفرين أشبه بوجودهم في دولة خليجية من حيث المنفعة المادية والعسكرية، لا بل صار مطلوب منها. أي عفرين، مواجهة تركيا بدلاً عن ثلاثين مليون كردي تركي. ومع تعنت العمال الكردستاني في البحث عن مخرج دبلوماسي حفاظاً على حياة مئات ألوف المدنيين الذين باتوا دروعاً بشرية لمشاريعه الفاشلة والغبية، ويظهر هذا في مواقف الدول التي تتغاضى عن وحشية الضربات التركية وتتلخص بأنها ” تتفهم المخاوف التركية” . أي أن كل البروبغندا حول بطولات مقاتليه ومواجهتهم للإرهاب صارت في حاوية القمامة، وتبينت أن نتائج دبلوماسية صالح مسلم لم تكن سوى مخاض لحمل كاذب.
ولو عدنا للوراء قليلاً. نجد حتى تحذيرات روبرت فورد لم تلقى لديهم أذاناً صاغية وقوبلت بتصريح ألدار خليل ذو النظرة الحادة ” ليس لدينا ما نخسره”. حقيقة هذا التصريح كان قمة الوضاعة واستهتار بدماء مئات الألوف. لا بل رفع العمال الكردستاني من وتيرة ضخه الإيديولوجيا ليثبت للعالم أن من يتواجد في عفرين وغيرها من المناطق الكردية هم عناصر العمال الكردستاني وأن ب ي د ليس ضرباً برانياً بل هو الأبن الشرعي للعمال الكردستاني رغم تنصل الأول من أبوة الثاني.
الشريك الثاني يتمثل بالمجلس الوطني الكردي الذي تغاضى بداية الأمر عن انتهاكات ب ك ك في عفرين لقاء حصته في كعكة إدارة المناطق الكردية، ووصل به الحال أن التمثيل الكرد. العفريني، تلاشى من المجلس الذي يدعي على الدوام أنه يمثل كرد سوريا، مع أنه مؤخراً، ومنعاً للحرج الذي وضع فيه أخذ يبحث عن بعض الشخصيات العفرينية القادرة على تلميع صورته وإزالة الروث السياسي الذي خلفته أنانية قادته، وهو في الحقيقة أقرب لمجلس عشائر ” حزبية” متحالفة فيما بينها وفق استراتيجية تقاسم المراعي منعاً للتصادم فيما بينها، و تشير الوقائع إلى أنه غير مستعد لتغيير نظرته تجاه عفرين وأهلها. على أنهم كرد من الدرجة الثانية، وما عليهم سوى تقديم فروض الولاء والطاعة . لذا لم يكن غريباً أنهم لم يمانعوا ضمنياً الهجوم التركي ولم يتكبدوا مشقة عناء البحث عن مخارج مع أنهم يتبجحون بسعة دبلوماسيتهم، ومازالوا حتى اللحظة خائفين من خسارة مواقعهم داخل أطر المعارضة مع أن بيان العار الذي اصدره الائتلاف حول عفرين كان بمثابة الصفعة لهم مع ذلك انشغلوا بالتبريرات بدل تفادي الكارثة خاصة وأنهم اجتمعوا مع أنقرة قبل الضربة ببضعة أيام وكان جل لقائهم يتلخص في بحثهم عن شرعيتهم وهذا ما ظهر على لسان وزير الخارجية التركي حينما قال. ب ي د يطرد معارضيه خارج الحدود، أي أن اللقاء كان مجرد تظلم وبكاء ولم تطرح موضوعة عفرين، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المجلس يختص بشؤون أهلنا في منطقة الجزيرة وما حولها وتلك باتت من المسلمات. ولم يعد بخاف على أحد أن أي حزب كردي مهما صغر وبمجرد انتمائه الجغرافي للجزيرة وما حولها يضمن له هذا أن يأخذ كامل حصته السياسية بين صفوف المجلس. أما عفرين وكرد حلب يعتبرونهم بمثابة الجنح القاصر ولا بأس من وضعهم تحت وصايتهم و المتاجرة باسمهم، لذا يكافح المجلس “العشائري” من أجل استثمار محنة عفرين لصالح تعويم نفسه كممثل شرعي لكرد سوريا، وهذا كل همه، يتضح ذلك من تردد مفردة ” الشرعية” على لسان بعض أنصاف ساسته ممن يمتهن السياسة انطلاقاً من لغة التسويف والتبرير، ويطال الأمر حتى مجالات الإعلام حيث بات أعضاء المجلس العشائري أدرى حتى من أبناء عفرين بجغرافية المنطقة وبمجريات الأمور على الأرض واحتكروا وسائل الإعلام للادعاء بتبني عفرين ظلماً وبهتاناً ووضعها تحت سطوة أبوتهم المبخوشة.
الشريك الثالث وهو الأكثر فجاجة ووقاحة. أطر المعارضة السورية وتحديداً الائتلاف السوري، الذي تحول لغرفة عمليات استخباراتية تخدم كل الدول، لكن الخازوق العثماني يبدو الأكثر توغلاً عبر جماعة الإخوان المسلمين الذين. أفشلوا، الحراك الشعبي السوري وباعوا سوريا بالتقسيط والمفرق، هؤلاء وعبر بيانهم المقزز والمقرف حول عفرين. اتضح على أنهم مثل غيرهم تجار حروب وسعاة سلطة ومستعدون لفعل أي شيء في سبيل إرضاء مرؤوسيهم، ولو نظرنا لخارطة تحولات بعض شخصياتهم وتنقلاتهم من حضن لأخر نكتشف مدى خستهم ووضاعتهم لقاء حفنة من الدولارات ترمى عليهم مثل بائعات الهوى. والمضحك أنهم في بيان العار حول عفرين صدقوا أنهم حكومة وقرروا ضم عفرين لحكومتهم الموقرة، مع أن أثار حوافر جبهة النصرة وغيرها من الفصائل المارقة بادية على جباه وزرائهم الذين طردوا من المناطق المحررة، و التحرير هنا بمعنى إقامة الحد وجز الرقاب، علماً أنهم حتى الأمس القريب كانوا يصفون داعش والنصرة وباقي الكتائب الجهادية بمفردة. الثوار، وما يشفع لهؤلاء أنهم تحالف من مزيج عكر شكلته الدول لإدارة مصالحها، لهذا نراهم يساقون من عاصمة لأخرى كما لو أنهم قطيع من الأبقار. لدراسة الجدوى من تحسين نسلها، والتعويل عليهم يشبه التعكز والتوكل على مجنون لقيادة حافلة تعج بالركاب.
الشريك الرابع هم الفئات الأكاديمية والمثقفة والمسيسة، الكردية. قومية كانت أم يسارية أو ليبرالية، مع جوقة ما تعرف بمنظمات المجتمع المدني وحقوق الأنسان والإعلاميين ومن لف لفهم. هؤلاء بدورهم تبينوا أنهم ليسوا بأفضل حال من باقي أطراف الخلاف الداخلي الكردي المتمثلة بالمجلس الوطني الكردي ومنظومة العمال الكردستاني ومجموعة التحالف الكردي.
هذه الفئات التي لبست عباءة الثقافة ظلماً وبهتاناً كانت في الحقيقة الأكثر قذارة من بين الشركاء الأربعة السابقين ليس فقط لأنها تعتاش على ما يرمى لهم من نفايات. من قبيل مناصب لا معنى لها مع بعض الظهور الإعلامي كمحللين أو حقوقيين وإعلاميين، إنما لأنها رضيت ان تأخذ دور الخادم الرخيص الذي يقوم بأعمال التمويه والترقيع والتلميع وصار أقرب لملطف جو زهيد الثمن للتغطية على الروائح الكريهة التي تفوح من سياسات الأحزاب الكردية دونما استثناء، وتخلى عن دوره الريادي في النقد وتقويم وتصويب الأخطاء، ومارسوا رمادية أشبه برمادية الجرذان. يختبؤون في الثقوب كلما تصاعدت الأحداث حتى يتنصلوا من استحقاقات المواقف حيال المجريات. أو يركبون الموجة ويلوذون للاحتماء بالقطعان السياسية.، ولم يخجلوا للحظة من تحولهم لمتسولين على أبواب السياسيين، وانحصر همهم بصورة سيلفي خلف ميكرفون يتملقون من خلاله سياسيين لا يميزون كما يقال بين. الخمسة والطمسة، وبات المثقف الحقيقي. العضوي والتفاعلي على ندرته. مكروها، ومحل أستهجان ومحارباً، لقطع الطريق على أية مكاشفة وتعرية، وغاص هؤلاء بدورهم في ” عشائرية ثقافية” لا تقل عن العشائرية السياسية التي انتجتها الأحزاب الكردية .
الشريك الخامس ويقود جوقته حزب الوحدة الذي شكل التحالف الوطني الكردي. هذا الشريك ينطبق عليه المثل العامي ” مشتهي بس مستحي” لأنه دخل كل الأطر. معارضة كانت أم موالية. عربية وكردية، وظل يمارس التقية السياسية إلى أن حسم أمره بتحالفه مع منظومة العمال الكردستاني، وإن كان بشكل ناعم، لكنه في مراحل كثيرة كان حاضراً بين فصائل المعارضة بشقيه السياسي والعسكري عبر شخصيات دُست لغاية في نفس يعقوب. وسال لعابه أمام ديمقراطية العمال الكردستاني المرخصة أكثر من ذي مرة لكنه لم يظفر سوى بالقشور.
هو الأخر ساهم في جرف عفرين نحو مآلات قاسية مع أنه يمتلك بعض الخبرات، المقبولة. لكنه لم يتجرأ على نقد تجربة العمال الكردستاني خاصة فيما يتعلق بحروبه المجنونة، وألتزم الصمت المقيت حيال انتهاكاته لا بل بررها بجدلية حزبية ومياعة لا توصف، وبدا كما لو أنه تلميذ مجتهد في الإدارة الذاتية ولم يشفع له ذلك بسيل التوبيخات التي وجهت له من وقت لأخر، وأظهر على الدوام فوقية جوفاء وأنانية مع محيطه الكردي السياسي والثقافي.
بالنهاية . هؤلاء الشركاء الخمسة اليوم مسؤولون عن كارثة عفرين، هم شركاء بشكل أو بأخر مع وحشية تركيا و النظام السوري وتخاذل روسيا وامريكا ومكائد إيران، هذه الدول وظفت الشركاء الخمسة السابقون وتعاملت معهم كأدوات مأجورة، وهم. أي الشركاء الخمسة، تسابقوا لتنفيذ كل ما يطلب منهم. بوضاعة ودونما أن يرف لهم جفن وبثمن بخس وبلا أي رادع أخلاقي سواء من جهة مآلات القضية الكردية ومصير الكرد السوريين أو موقفهم حيال مجريات الأمور في عموم سوريا. لذا تتخلى عنهم الدول ساعة ما تشاء، وهو ما يحدث اليوم للعمال الكردستاني وتفريخاته العسكرية والسياسية وباقي أطراف الحركة الكردية المسلوبة الإرادة، ومن هنا يبدو الحديث عن أي انتصار عسكري أو سياسي كردي سواء كان في عفرين أو في أي مكان أخر مع وجود مليون كردي سوري بين نازح ومهجر وألاف القتلى من الشباب والشابات الكرد وتدمير كوباني وعفرين لا يوصف سوى بأنه. دجل وكذب ونفاق، وحتى هذه اللحظة التي تدمر فيها عفرين بوحشية العسكر التركي يتناحر هؤلاء الشركاء فيما بينهم للبحث عن دعارة سياسية ذات شرعية حتى يرفعون راياتهم الحزبية على أنقاض عفرين، هؤلاء هم شركاء تركيا في دم عفرين مدينة السلام والتأخي. رفعت الاقلام وجفت الصحف.