الأمازيغي: يوسف بويحيى
معظم الكورد مازالوا يجهلون حقيقة هذا التنظيم ،بل الحقيقة أنهم يخلطون الأوراق في تحليلهم للمنظومة لأسباب كثيرة اغلبها التناقضات السياسية و الفكرية التي طرأت عليها وفق التجارب و المراحل المعاشة ،إذ إلى الآن مازال من يسمي نفسه سياسيا و مثقفا ينتقد هذه المنظومة بدون دراسة و تفكيك مسبق لها ،هذا النقد يدخل في حيز الجهل بالشيء لأنه يفتقر إلى الواقعية و مليء بالتناقضات التي لا تعطي رؤية واضحة للمتلقي و القاريء.
الحقيقة المجهولة أن منظومة العمال الكوردستاني طرأت عليها تغييرات عدة من بداية التأسيس إلى الآن ،ما جعل الأغلبية تخلط بين الأمور و المراحل دون ان تضع لنفسها موقفا محددا يحتكم إلى المنطق و العقل بعيدا عن العاطفة و الطوباوية التي أهلكت الذات الكوردية و إختزلتها على الهامش و قتلت جينات الكوردياتية الموجهة لمشروع الذات المفكرة الحرة.
كثيرا ما حملت المسؤولية لحاملي الأقلام أن يكتبوا بصدق و أمانة دون مراوغة ،بعيدا عن الممارسات الضيقة و التشنج الحزبي و الشخصنة و الإسترزاق المؤدي إلى إفتراء الكذب و التزوير ،الكتابة تبقى أمانة تزويرها بمثابة خيانة وطنية كبيرة ،لهذا رأيت من الواجب أن أسلط الضوء على بعض النقاط المهمة كي تتضح الفكرة و الرؤية لمتتبعي الواقع الكوردي عن كثب ،نقاط تخص منظومة pkk من بداية النشأة إلى الآن ،مع العلم أن هذه المقاربة دراسة علمية سوسيولوجية و فكرية للحزب و علاقته بالواقع التي أعطت نتائج ملموسة متناقضة.
_لماذا تأسس العمال الكوردستاني؟!
يرجع تأسيس تنظيم العمال الكوردستاني إلى أوج الصراع الإيراني_التركي ،ولم يكن دعم إيران نية لنهضة الشعب الكوردي بل فقط لتصفيات حساباتها مع تركيا لا أقل و لا أكثر ،من خلالها عمدت إيران تحريك القضية الكوردية كورقة ضغط لضرب العمق التركي مستغلة مبادرة بعض الشباب اليافع المتحمس ذو الحس العمالي الماركسي اللينيني للتشهير و الإعلام ،إذ لم يدم ذلك طويلا حتى سرقت إيران مشروع الشباب الكوردي منهم و تم عزلهم بشكل نهائي و تعيين آخرين يخدمون مصالحها عوض القضية الكوردية ،كان البديل الذي سرق حلم الطبقة العمالية الساعية للثورة ضد النظام التركي هو “عبدالله أوجلان”.
_لماذا أوجلان في سوريا؟!
لا يخفى على أحد أن “حافظ الأسد” كان علويا عميلا و بيدقا إيرانيا كما هو حال إبنه الآن “بشار الأسد ،كان الدافع الأساسي الذي جعل إيران تأمر عميلها “حافظ الأسد” بفتح الأبواب و معسكرات العمال الكوردستاني في سوريا هو الموقع الإستراتيجي بحكم إقليم كوردستان روجاڤا متصل بحدود إقليم باكور ،يسهل من خلاله ممارسة العمل العسكري و خلق متاعب للنظام التركي و إيصال التنظيم بالقاعدة الكوردية الجماهيرية ،إستغل “حافظ الأسد” بدوره التنظيم للقضاء على كورد روجاڤا على يد أوجلان بغسل الأدمغة و القتل و الإختطاف و إنكار وجود كوردستان روجاڤا بسوريا…،دام هذا الصراع مدة إلا أن نفد صبر تركيا لتحشد قواتها على الحدود السورية ناوية الإقتحام ،ما جعل النظام السوري مرغم على توقيع إتفاقية ٱضنة بين تركيا بواسطة مصرية على يد الرئيس “حسني مبارك” ،كان مضمون الإتفاقية غلق جميع معسكرات و مقرات التنظيم العمالي الكوردستاني ،إضافة إلى تسليم كل القيادات الكوردية للسلطات التركية قصد المحاكمة ،انذاك تم تهريب “عبد الله اوجلان” من سوريا أو الأحرى طرده و بيعه.
_لماذا أوجلان لم يلجأ إلى قنديل؟!
غالبا ما صادفت هذا السؤال و كثيرا ما سمعت إجابات خاطئة عنه ،حقيقة الأمر أن تنظيم العمال الكوردستاني داخليا كان يعيش صراعا و شرخا كبيرا بين محورين متصارعين على السلطة و القيادة ،المحور الأول كان بقيادة “عبد الله اوجلان” الذي إعترف بنفسه للسلطات التركية أنه كان يحارب داخليا في الحزب ،بينما المحور الثاني بقيادة “جميل بايق” و زمرته الحالية “قريلان” و “كالكان”…،نفس الشيء إعترف به شقيق اوجلان “عثمان اوجلان” معللا بقوله أن شقيقه “عبدالله أوجلان” تم الإنقلاب عليه من داخل الحزب قبل النظام السوري من طرف المحور المذكور ،ما يوضح أن العمال الكوردستاني دخل في مرحلة جديدة ما بعد “عبد الله أوجلان” بقيادة “جميل بايق”.
لهذا كان لجوء “أوجلان” إلى قنديل خطرا على حياته خوفا من التصفية الجسدية على يد “بايق”…،لهذا لجأ إلى إفريقيا إلى أن تم القبض عليه في “كينيا”.
_ماذا طرأ للحزب بعد “أوجلان”؟!
بعد أن تمت إتفاقية “ٱضنة” سوت تركيا و إيران علاقاتها مع بعض و كذلك مع سوريا ،لم يقف الحس الكوردي الشعبي في تركيا مكتوف الأيدي بعد “أوجلان” ،إذ أدى تنظيم العمال الكوردستاني إلى تحريك العاطفة و الفطرة الكوردية بطريقة غير مقصودة ،حتى ان التنظيم لم يكن أبدا يعمل لأجل الكورد و كوردستان ،هنا تولد مشكل آخر في الداخل التركي بخصوص الحركة الكوردية إذ حمل الشباب المثقف الأفكار الثورية و تعمقوا كثيرا بما يلمس جذور كوردستان ،أي أن نظام تركيا أصبح أمام ثورة كوردية حقيقية و ليست رديفة كالتي قادها اوجلان بٱسم الكورد لمصالح إيران ،هنا لجأت تركيا بفتح حوار جاد مع إيران إضافة إلى تقديم العديد من التنازلات للدخول كعضو ثانوي لتسخير حزب العمال بقيادة المحور الثاني “جميل بايق” لكسر ما لم ينهيه “أوجلان” من إرادة الكورد ،لو لاحظنا الآن بالتدقيق أن ال pkk لم يعد يشكل خطرا على النظام التركي و لم يتوغل منذ ذلك الحين في العمق التركي ،بل أصبح فقط حافزا لأي مخطط إيراني بتنسيق تركي (عفرين مثالا).
_من يتحكم في حزب العمال الكوردستاني؟!
إيران هي من أسست الحزب بشكل فردي لمصالحها الأمنية و القومية و الإقتصادية و لمشروعها العقائدي ،بعد ان تمت الهدنة بين تركيا و إيران أصبح دور الحزب يعمل وفق أي تنسيق إيراني مع الأطراف الأخرى ،لهذا يتراء للأغلبية أن الحزب مرة مع تركيا و مرة ضدها ،طبيعة علاقة الحزب بالنظام التركي هي إمتداد لعلاقة المرحلة بين إيران و تركيا ،أي أنه يعمل بأوامر إيران وفقا لطبيعة الإتفاق و المصالح الإيرانية مع الأنظمة الإقليمية و الدولية.
مع العلم أن تركيا و إيران كلاهما يحاربان الشعب الكوردي قوميا و سياسيا و اقتصاديا…
_لماذا تخلت إيران على “أوجلان”؟!
بغض النظر على سخونة الصراع بين المحورين من داخل الحزب إلا أن “اوجلان” كان شخصا غير موثوقا لإنتمائه المذهبي المحسوب على السنة رغم أنه صرح بالعكس مرات عدة ،إذ عملت إيران على إبعاد كل من يختلف عليها قلبا و قالبا و تعويض المختلف بالشيعي ،بالضبط هذا ما حدث إلى أن تم تصفية كل القيادات السنية في الحزب ولو بعد “أوجلان” ،حيث أن ال pkk تقريبا مئة بالمئة علويين شيعة يخدمون المشروع الطائفي الإيراني ،كما يظهر ذلك في علاقة الحزب الوطيدة مع الحشد الشعبي العراقي و حزب الله و الحرس الثوري الإيراني…،زيادة إلى أنه حارب داعش في سوريا كون داعش سنية صناعة تركية ،لم يسبق للعمال الكوردستاني ان حارب داعش الشيعية و لم يقاتل الحشد الشعبي في “كركوك” بينما الحقيقة كان معه في نفس الخندق ضد البيشمركة.
صراع محوري الحزب كان طائفيا و إقتصاديا مما فرض على إيران شيئا فشيئا ان تطهر الحزب من السنة لإكمال مشروعها بدون عقبات تنظيمية ،مع العلم أن كل من المحورين عمل على تدمير كوردستان ،بينما كانت نية التغيير الإيراني إلى الطائفية خدمة للمشروع الفارسي الطويل الأمد.
_هل العمال الكوردستاني ماركسي؟!
الجذير بالذكر أن التنظيم لم يعد إشتراكيا و لا شيوعيا و لا ماركسيا…،كل ما يقال عن إديولوجيته الماركسية اللينينية هي كذب و بهتان بعيدة عن العلمية و المنطق ،كل ما حدث أن إيران إستغلت بعض الشباب الحامل للفكر الماركسي للتشهير بالثورة الكوردية و بعدها تم طمس ذلك بدس الطائفية الشيعية ،إتخد من خلاله الحزب منعطف ديني طائفي باطنيا و شعار يساري ظاهريا ،متسائلين إذ كيف يمكن لحزب ماركسي أن يحارب المذاهب الدينية بينما هو غارق في التشيع و يعمل لمشروع إيران الشيعية الضخم!!.
الحقيقة ان “اوجلان” و “جميل بايق” و “صالح مسلم” و “الدار خليل”…يجهلون الماركسية و لم يفهموها أبدا ،بل لا يستطيعون فهمها و ليس لديهم مؤهلات عقلية لكي يفهموها ،كون المسألة مسائل علمية محضة ،علما أن كل ما يروجونه هي أفكار طوباوية و ترهات فارغة و مراهقات فكرية و خطابات عاطفية لٱستمالة الشعب الكوردي ،كما أن جميع المؤلفات التي صدرت بٱسم “أوجلان” في سوريا كانت تختلف كثيرا شكلا و مضمونا بخصوص الطائفية بين التي تطبع في تركيا ،لو لاحظ الكورد الفرق في المؤلفات التركية لإكتشف أنها ذات حس سني تعمل لمصالح النظام التركي ،بينما السورية و الإيرانية ذات حس شيعي تعمل لمصالح إيران ،أي أصبحت مؤلفات مفكري الإستخبارات الإيرانية_السورية و التركية بٱسم أوجلان بين شد و جدب و صراع لخدمة مصالح كل طرف عن حدى.
الحقيقة أن حزب العمال الكوردستاني تنظيم طائفي شيعي يخدم مصالح ولاية الفقيه الإيرانية و لا علاقته بالماركسية و اللينينية و الماوية…
_هل فعلا “أوجلان” مثقف و قائد و معتقل؟!
لم يكن “أوجلان” مثقفا و لا مفكرا ،لم يسبق له أن أظهر ذلك أمام الشعب الكوردي ،كثيرا ما ظهر كٱنسان مهزوز فارغ يكاد لا يستطيع تكوين جملة ،لم يكن قائدا و لا تتوفر فيه صفات القيادة ،بل كان رجل حراسة لدى إيران معززا و مكرما في حضن النظام السوري ،لو إفترضنا أن كتاباته من حمولته الفكرية لٱكتشفنا ان كل مؤلفاته فقيرة لا تتوافق مع العقل و التاريخ و الحقيقة العلمية ،مجرد كلام كثير بدون فكرة محورية يعمل لصالح الأنظمة الإستبدادية الإستعمارية ،إذ تتناقض مؤلفاته مع الطبقة المسحوقة الحاملة للوعي الطبقي الذي تنبني عليه نظريات “ماركس” و “لينين”.
عندما تم إعتقال “أوجلان” من طرف رجال الإستخبارات التركية تحول إلى حمل وديع ،تنازل على كل شيء لصالح النظام التركي ،على الرغم من أنه لم يكن يحمل أي مشروع كوردي ،بل كل ممارساته ضد النظام التركي كانت فقط لصالح إيران و سوداء قاحلة على الشعب الكوردي و كوردستان ،من خلاله عمل مقابل حمايته بٱسم الإعتقال إلى إيقاف الكفاح المسلح ضد تركيا ،المناداة بنظرية أخوة الشعوب ،تطبيع العلاقة مع النظام التركي…
بعده جاء محور “جميل بايق” ليخرق إتفاقية السلام و أعلن الحرب على النظام التركي ،ما يوضح بالواقع الملموس أن محور بايق و محور أوجلان كانا في عداء و صراع و شرخ كبير ،بل الحقيقة أنهم جميعا لم يعملوا لصالح كوردستان بل كل منهم عمل وفقا لأوامر إيران ،ما يثبت أن ال pkk مسلوب الٱرادة الكوردية من النشأة إلى الآن و مازال.