د.ابراهيم الشدادي
النفي أو الاعتراف بالتبعية والعبودية سيان بالنسبة للشعوب القاطنة في منطقة المشرق الإسلامي ,كون الجميع تحت رحمة الإرادة الدولية ورهينة مصالحهم ومطامعهم, وقد بات بحكم المألوف أن نجد ضحية اليوم جلاد الغد ,وبالتالي الفضيلة اليتيمة ليست الاعتراف بالعبودية فحسب إنما الترفع عن لغة الاستعلاء ونبرة التشفي وخطاب الازدراء وإحكام الإقصاء وإلغاء الآخر في بنية الميثاق النخبوي والإطار الايدولوجي حيال بعضنا البعض ,
عموما حديثنا يخص المجتمع الكردي السوري الذي لا يزال بمشاعره وعاطفته في مرحلة ما قبل الإقطاع, لذا ليس بالغريب أن تجده يحشد طاقاته العاطفية لمجرد سماع مفردة الكردي دونما التفكير بالحدود الوطنية أو العقائدية , وهذا الأمر يمكننا تصنيفه ذما أو طرحه مدحا ,الجانب المذموم يتجلى في مسالة إن العاطفة تفتح أبواب الجحيم للمتاجرة بالمجتمع إذا ما تقهقرت النخبة الصادقة كي تقوم بأدلجة العاطفة وعقلنة المشاعر,فالعاطفة غير كفيلة للتعبير عن الحقوق والواجبات وسبل تحقيقها وصيانتها
ولا ريب إن النخب الفكرية والسياسية والدينية والاجتماعية رديفة للنخبة السياسية التي تؤطر الحقوق وتضع مفردات الخطاب السياسي كخارطة طريق نحو التحقيق , بيد أن من عجائب القدر كرديا الجميع ينتج الجميع دون ترتيب أو تراخي والانكى لا مطالب واضحة ولا حدود للحلم الغارق بالنرجسية الارستقراطية للنخب , ولدى الاستقراء في حيثيات المعضلة يدفعنا الأدلة والقرائن إلى استنباط فرضية مرعبة مفادها :الحراك والصراع الثقافي والديني والاجتماعي والسياسي الكردي غايته المثلى صناعة منصة للوجاهة وإيجاد بوابة للارتزاق, وأية محاولة لتصحيح المسار يجابه بسيف التجاهل, ويقتل بحربة التشهير ,قد يحمل الحكم نوعا من القسوة ,ولكن لم أجد مبررا للعديد من الظواهر ليست سلبية فحسب إنما مدمرة للمجتمع ,مثلا ما المبرر إن نخوض كافة أنواع المسرح من ملهاة ومأساة وتراجيديا ومادته الشعب المغلوب على أمره, ولن يفضي بنا الحال إلى صناعة ايدولوجيا جامعة مانعة للحقوق المشروعة والواجبات الملزمة؟؟! مما يشي لنا إن القضية مجرد هرولة إلى الأمام والبرهنة إن المعاناة بحد ذاتها ايدولوجيا كاملة الأركان, والمعاناة وحدها كفيلة لحشر الكردي في زمرة الكردي حتى وهو كاره له ! وهذا ليست تهمة القي بها جزافا ,ولا ادعي أنها استنباط خارق من بنات أفكاري, إنما وردت في نظريات النخبة السياسية الكردية ,حيث يقول الزعيم الروحي للحزب العمال الكردستاني (عبدالله اوجلان) في إحدى نظرياته : التشرد هي الوسيلة النضالية المثلى للشعب الكردي من اجل الحصول على حقوقه المشروعة ,وأكاد أن اجزم إن الزعيم العتيد يعلم إن المعاناة هي الوسيلة الوحيدة لصناعة قطيع لا يعلم لا يرى لا يفقه لا يطالب لا يحاسب ! لأننا لا نحتاج إلى الجليل من الحصافة والعلم كي نحكم إن المشرد فرد أنساني يصادره التيه والضياع, ومن الفئات (أي المشرد) الأكثر مرونة وقابلية للاندماج بالبوتقة الاجتماعية الحاكمة ,إذن: القضية برمتها ادلجة حمقاء للمغالطة كي يتموضع الزعيم على سنام الوجاهة فقط , والانكئ من كل ما مضى لا ينتمي المذكور إلى النخبة السياسية الكردية السورية وطنيا مما يرفع لدى الفرد سوية الإحباط واليأس من النخبة المحلية , بيد أن النخبة الفاشلة بامتياز تمكنت بمهنية فائقة في صناعة ذهنية المعاناة والقهر والهزيمة لدى عامة الكورد, ومادتها كانت المشروع العنصري الديمغرافي المعروف بالحزام العربي وتجريد شريحة كردية من الحقوق المدنية للدولة السورية ,وبناءا عليها اختزلت حقوق القومية للكورد في سوريا في تلك الظاهرتين بموجب أدبيات الايدولوجيا للنخبة , ولكن ارتفعت سوية المطالب الكردية دون سابق إنذار سواء على صعيد الجبهة الداخلية عرقيا ووطنيا أو على الصعيد الإقليمي والدولي أبان مرحلة ما يسمى بالربيع العربي , ومرد هذا الحالة الانفصامية تعزى إلى انعدام الرؤية والخطاب للنخبة السياسية المنهكة على جبهات الحفاظ على الامتيازات الشخصية !
بالعودة إلى النخب الرديفة , النخبة الدينية مثالا,والمعروف أن العقيدة هي اللبنة الأولى للشخصية الإنسانية شئنا أم أبينا ,ولا سيما في مرحلة تاريخية معينة من حياة المجتمعات تصبح النخب الدينية من الضرورات الملحة ,وبما إنني اعلم يقينا لا جدوى من أدوات التمني والامتناع, سأضطر إلى السرد التوصيفي لملاحظاتي على حال النخبة الدينية بمنتهى الشفافية الغير مقصود بها التهجم أو الانتقاص أو التشهير بحق أحد , ونأخذ مدينة (كوباني) مثالا واختزالا للحالة الكردية العامة , النخبة الدينية فيها اقتصرت على عائلة وافدة لا تنتمي إلى النسيج العشائري للمجتمع, وللعلم والإنصاف إن المجتمع الكردي في تلك المنطقة آنذاك كان يعاني من شتى صنوف الجهل والفقر وانعدام شبه كلي لمقومات التطور, ولكن هذا الأمر لن يغير من صياغة السؤال البديهي ماذا قدمت لهم النخبة المهاجرة ؟؟ اقتصرت الانجازات النخبوية للعائلة العتيدة في الاستحواذ على مرافق الأوقاف ,والحد من سلطة رجال الدين ذوي الانتماء العشائري بالتحييد أو التشهير أو التجاهل ,والاستثمار بشراهة حالة تدني الوعي المجتمعي في قضايا الإفتاء والاستيلاء على مردود الزكاة ,واستغلال المقيت للحالة العاطفية الكردية الممجدة للرجال الدين, والعائلة ذاتها كانت تواكب مراحل التطور المجتمعي ببراعة فائقة بغية الحفاظ على منصة الوجاهة بمعزل عن المجتمع المحيط به ولم تقدم أية ظاهرة توعوية أو ما شابه ,فالجيل اللاحق من ذات العائلة التحق بالتعليم العالي غير الديني مما استحوذت على مدارس الدولة إدارة وتدريس, وتظهر النوايا بجلاء عندما نتأمل سر وقوف تلك العائلة على مسافة واحدة من كل التوجهات بما فيه الحزب البعث العربي الاشتراكي , والمخزي في مجمل الموضوع أن العائلة النخبوية بستار الدين لم تتخلف من ركب علمنة المجتمع(اقصد بالعلمنة حريات الاجتماعية المتعلقة بالمرأة والفنون ….الخ ) وكانوا روادا أيضا, ليس لأنهم مواهب فطرية إنما نتيجة الوعي التراكمي التلقيني للفرد في سياق صناعة الوجاهة والاستغلال , وهذا جزء من قدر الكردي مع الفئة المؤمنة إن الدين نصيحة !!