الفقرة الثانية من مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية والمتضمنةكل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن يثبت ارتكابه لها قانوناً في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه المادة /14/ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية وكذلك المادة /10/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
بحضور عدد من الأساتذة المحامين وأعضاء السلك الدبلوماسي عقدت محكمة الجنايات بدمشق مطلع بوم الأحد الواقع في 10/12/2006 جلسة لمحاكمة المعارض السوري الدكتور كمال اللبواني مؤسـس التجمع الليبرالي الديمقراطي ، وقد سبق لمحكمة الجنايات و أن أصدرت في الجلسة الماضية بتاريخ 19/11/2006 قراراً بتسطير كتاب إلى إدارة الأمن الجنائي لموافاتها بترجمة للملف المتعلق ببرنامج الزائر الدولي والذي سبق للسيد قاضي التحقيق وأن قرر إرساله للترجمة عن طريق الأمن الجنائي ،
إلا أن إدارة الأمن الجنائي لم تنفذ القرار رغم مرور ما يقارب السنة على استلام الملف المطلوب ترجمته.
بذات التاريخ الواقع في 10/12/2006 أصدرت محكمة أمن الدولة العليا حكماً بالإعدام على محمد ثابت حللي بن نوري و رسمية بعد تجريمه بالانتساب لجماعة الإخوان المسلمين سنداً للقانون /49/ لعام 1980 وللأسباب المخففة التقديرية سنداً للمادة /243/ تخفيض العقوبة بحيث تصبح الأشغال الشاقة لمدة /12/ سنة شاملاً حجز حريته بداً من تاريخ توقيفه الواقع في 11/8/2005 وسوقه إلى شعبة التجنيد بعد تنفيذ العقوبة أصولاً.
كما أصدرت محكمة أمن الدولة حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات على مصطفى فحل بن حسين بعد تجريمه بنقل الأنباء الكاذبة التي من شأنها وهن نفسية الأمة سنداً للمادة /286/ من قانون العقوبات واحتساب مدة توقيفه بدءاً من تاريخ 8/9/2004 ثم تسليمه إلى شعبة التجنيد بعد تنفيذ العقوبة أصولاً.
كما أصدرت المحكمة حكماً بالسجن على المتهم قنبر حسين قنبر من مواليد حلب 1983 بالسجن لمدة خمس سنوات بعد تجريمه بجناية الإنتساب لتنظيم سري ومحاولة إقتطاع جزء من الأراضي السورية لضمه لدولة أجنبية على خلفية انتسابه لحزب العمال الكردستاني وهي الجناية المنصوص عليها في المادة /267/ من قانون العقوبات.
إضافة للحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة شهر للظن عليه بجنحة دخول القطر بصورة غير مشروعة سنداً للفقرة ( أ ) من المادة /13/ بدلالة المادة /1 و 4 / من القانون 42 لعام 1975.
ومن ثم قررت المحكمة دغم العقوبتين وتطبيق الأشد بحيث تصبح العقوبة خمس سنوات ثم للأسباب المخففة التقديرية تخفيض العقوبة بحيث تصبح السجن ثلاث سنوات، وحساب مدة توقيفه بدأ من تاريخ 18/3/2005 ،ثم حجره و تجريده مدنياً ، ثم سوقه إلى شعبة التجنيد بعد تنفيذه للعقوبة أصولاً.
كما استجوبت المحكمة محمد وليد الكبير الحسني بن محمد لطفي والموقوف منذ تاريخ 14/3/2006 بتهمة نقل الأنباء الكاذبة التي من شأنها وهن نفسية الأمة سنداً للمادة /286/ من قانون العقوبات ، إضافة لجنحة ذم رئيس الدولة وفقاً للمادة /376/ من قانون العقوبات العام.
وهو من أهالي الجولان الجريح ( بحسب تعبيره) وهو ضابط سابق في الجيش والقوات المسلحة وجريح حرب و حائز على أحد الأوسمة ، وقد أنكر الكلام المنقول من المخبر على لسانه في مقهى الروضة بدمشق وأضاف بأنه لم يعد يذكر الكلام الذي قاله عن ملس وعن الفساد وغيره بعد مدة بسيطة من قوله وهو لا يذكر مع من تكلم وبماذا تكلم ومن هو المخبر ونفى أن يصدر عنه أي ذم أو قدح أو تجريح وأرجئت محاكمته ليوم 25/2/2006.
كما استجوبت المحكمة الفلسطيني محمد زهير الخالدي وهو طالب بجامعة فهد في الظهران والمتهم بالإنتساب لجمعية تهدف لتغيير كيان الدولة الاقتصادي والاجتماعي أو أوضاع المجتمع الأساسية سنداً للمادة /306/ عقوبات على خلفية اتهامه بتبني الفكر الوهابي.
والذي أنكر ما أسند إليه وأفاد بأن لا نشاط ديني له وأنه فوجئ بكلمة سلفي في الفرع وأنه أجبر على الإدلاء بأقواله بالإكراه وأن كتاب (هذا الدين) الذي صودر من منزله كان قد سبق لوالده وأن اشتراه في الستينيات وأكد أنه لا سلفي ولا وهابي وهو مجرد مسلم عادي وأنكر أقواله الأولية وأضاف بأنها أخذت منه بالإكراه وأرجئت محاكمته ليوم 4/3/2006 لتقدم النيابة العامة مطالبتها.
كما استجوبت النيابة العامة كل من محمد علي شيخ حسن من دمشق و عمار عبد الله من رنكوس على خلفية الظن عليهما بجنحة الانتماء لجمعية أنشئت لإثارة النعرات الطائفية على خلفية اتهامهما بالانتساب لجمعية التبليغ والدعوة وقد كررت النيابة العامة مآل إدعائها إلا أن المحكمة أعادة الملف للنيابة العامة لتغيير الوصف الجرمي من جنحة إلى جناية.
كما استجوبت المحكمة عمر حيان الرزوق الطالب في السنة الثالثة تكنولوجيا المعلومات والمولود في بغداد عام 1986 و الموقوف منذ تاريخ 7/11/2005 بعد قدومه من بغداد والمتهم بجناية الانتساب لتنظيم الإخوان المسلمين والذي أنكر ما أسند إليه وأكد أنه لا علاقة له بتنظيم الإخوان المسلمين وأنه لو كان منتسباً للتنظيم لما دخل إلى سوريا وأنه كان يسافر مع والدته حينما كان طفلا وأن جواز سفرهما مشترك باعتباره كان حدثاً وأن مصروفه من والده ولم يتقاضى قرشاً واحداً من تنظيم الإخوان المسلمين وأنه لا ذنب له إلا أن والده كان منتمياً لهذا التنظيم وأنه جاء لسوريا وهو يحلم بأنه سيتابع دراسته ويتوظف ويؤدي خدمته الإلزامية ويتزوج ويكّون أسرة ويبدأ حياته من جديد في وطنه بين أهله وليكون
مواطناً صالحاً فيها وأن كل ما ورد في الضبط كان مكرهاً عليه .
ومن جهة أخرى فقد أرجئت محاكمة أحمد بكر خلو لجلسة 31/12/2006 لورود كتاب محكمة الأمن الاقتصادي ، كما أرجئت محاكمة كل من نضال الخالدي وعبد الله الجبوري وسلمان داوود لجلسة 4/3/2007 لمطالبة النيابة العامة.
المنظمة السورية لحقوق الإنسان إذ تؤكد على مطالبها الواردة في بياناتها السابقة لاسيما المؤرخة في 8/6/2006 و 18/9/ 2006 و 2/10/2006 و 9/10/2006 18/10/2006 و 13/11/2006 و 4/12/2006 فإنها ترى أن المحاكمات عقدت في أجواء مريحة وبحضور مندوبين عن السفارات الأجنبية وقد سمح رئيس المحكمة لذوي المعتقلين بزيارة أبنائهم لمدة دقيقة لكل منهم بعد انتهاء الجلسات وهو أمر بالغ الأهمية من الناحية الإنسانية.
دمشق 14/12/2006
المحامي مهند الحسني
تعقيب
من المحامي مهند الحسني رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان
على القانون /49/ لعام 1980
ينص القانون /49/ لعام 1980 على ما يلي :
المادة 1) يعتبر مجرماً ويعاقب بالإعدام كل منتسب لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين
المادة 2)
أ- يعفى من العقوبة الواردة في هذا القانون أو أي قانون آخر ، كل منتسب الى هذه الجماعة اذا أعلن انسحابه منها خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون.
ب- يتم إعلان الانسحاب بموجب تصريح خطي يقدم شخصياً إلى المحافظ أو السفير لمن هم خارج القطر بتاريخ صدور هذا القانون.
المادة 3) تخفض عقوبة الجرائم الجنائية التي ارتكبها المنتسب الى تنظيم جماعة الإخوان المسلمين قبل نفاذ هذا القانون تحقيقا لأهداف هذه الجماعة ، إذا سلم نفسه خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون لمن هم داخل القطر و خلال شهرين لمن هم خارجه وفقاً لما يلي :
أ- إذا كان الفعل يوجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد كانت العقوبة الأشغال الشاقة خمس سنوات على الأكثر.
ب- إذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى كانت العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
المادة 4) يعفى من عقوبة الجرائم الجنحوية المرتكبة قبل نفاذ هذا القانون ، تحقيقاً لأهداف تنظيم جماعة الإخوان المسلمين كل منتسب إلى هذه الجماعة إذا سلم نفسه خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون لمن هم داخل القطر و خلال شهرين لمن هم خارجه.
المادة 5) لا يستفيد من التخفيض والعفو الواردين في هذا القانون الذين هم قيد التوقيف أو المحاكمة.
المادة 6 ) ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ صدوره.
دمشق 8/7/1980
حافظ الأسد
وباعتبار أن القانون /49/ لم يعرض يوماً على محكمة النقض العليا على اعتبار أن هذا القانون لم يطبق في المحاكم العادية وغني عن الذكر أن أحكام المحاكم الاستثنائية مبرمة ، وبالتالي فالاجتهاد القضائي لم يتعرض يوماً للقانون /49/ في كل ما يتعلق بالتطبيق القانوني للقانون المذكور.
و لاستشفاف إرادة المشرع من سن القانون /49/ لعام 1980 اضطررنا للعودة لمحاضر جلسات مجلس الشعب حيث عقدت لجنتا الأمن القومي والشؤون الدستورية والتشريعية اجتماعا مشتركاً يوم الأحد في 6/7/1980 برئاسة السيد عبد الرزاق أيوب رئيس لجنة الأمن القومي و استمعت اللجنة المشتركة لإيضاحات السيد وزير العدل والذي أكد أن الهدف من المشروع هو الرغبة في ترك فرصة أمام من تورط في تنظيم جماعة الإخوان المسلمين لإعلان انسحابه منها وتخفيض عقوبته أو الإعفاء منها.
وقد جاء في محاضر الجلسات ما يلي : نتيجة المناقشة ما بين السيد وزير العدل والسادة الأعضاء تبين أن الهدف من هذا المشروع هو الميل إلى الرأفة تجاه المغرر بهم وخاصة من هم دون سن الرشد وكذلك الذين ندموا على القيام بأعمال تهدد الوحدة الوطنية الذي يواجه تحديات مصيرية ويقف بصلابة بوجه الهجمة الإمبريالية والصهيونية التي تهدف للنيل من مقدسات شعبنا وأمتنا.
وقد تحدث في جلسة المناقشة كل من الأعضاء التالية أسماؤهم محمود كللو وجمال عبد الدين و وحيد مصطفى و تحسين الصفدي و محمد جمعه تفتنازي بعدها تمّ التصويت على المرسوم وأعقبه كلمة للسيد مقرر اللجنة جمعة عبدون ثم ورد اقتراح من السيد جميل الأسد واختتم الرئيس كلامه بأن الهدف من القانون /49/ معاقبة المجرمين ولا معاقبة أولادهم.
وبالعودة لمعظم النقاشات التي دارت في مجلس الشعب قبل ما يزيد عن ستة وعشرين عاماً نجدها ترّكز على ما يلي :
– مواجهة الهجمة الشرسة الإمبريالية والصهيونية وعملائهما التي كان يتعرض
لها القطر وذلك ببتر جذور الخيانة والتخريب ولتبقى سوريا القلعة التي تتكسر
عليها حراب الإستعمار والصهيونية والرجعية.
– الوقوف بوجه مخططات القتل والتدمير بحق المدنيين و العلماء و الأطباء والعسكريين والتي وصلت ضحاياه حتى للمواطنين السوفيت… وكذلك المجازر الجماعية بالعبوات الناسفة بحق وسائل النقل الجماعي والمدارس التي كانت تحيكها الأوساط العدوانية لحلف كامب ديفيد والتي وصلت حتى للمؤسـسات الاقتصادية.
– فسح المجال أمام المغرر بهم للانسحاب والعودة لجادة الصواب كمواطن شريف يأخذ دوره في بناء الوطن و إنقاذ نفسه من الورطة التي وقع بها.
– وقد حذر بعضهم من احتمال المغالاة عند تطبيق هذا القانون واستهداف الأبرياء من خلاله وأن يذهب الصالح بجريرة الطالح.
وضرب أحدهم مثلاً : بأن دخل جحا لبيته مسرعاً وقال لزوجته أغلقي الباب دوني ولما استفسرت الزوجة عن السبب أجاب إنهم يمسكون الحمير ، فقالت لزوجها لكنك لست حماراً فأجابها جحا
” حتى يتبين لهم ذلك سيسلخ جلدي”
– وشـدد بعض النواب على ضرورة تحديد المجرمين الذين يجب أن يطبق عليهم القانون وأن يكون القانون للمجرمين فقط وأنه يجب التدقيق في هوية المنتسب و أن يثبت الانتساب بدليل لا يرقى إليه الشك حتى لا يدخل في عداد الجماعة المستهدفة بهذا القانون أبرياء بسبب وشاية أو ما شابه.
– واختتم مقرر اللجنة بأن الهدف من القانون هو الحوار المفتوح للجميع وإعطاء فرصة للرجوع وأن العفو الوارد فيه شامل وأن الأسباب المخففة أشمل بكثير مما ورد في قانون العقوبات.
– ورفض رئيس المجلس اقتراح أحد الأعضاء بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة للمنتسبين بالقول ” نحن نعاقب المجرمين ولا نعاقب أولادهم “
مما سبق نرى في المنظمة السورية لحقوق الإنسان جملة النتائج التالية :
1.
أن الظروف التي جاء القانون /49/ لمعالجتها قبل نيف من ربع قرن قد تغيرت.
2.
أن القانون /49/ لعام 1980 كان قانوناً تهديدياً يعاقب بالإعدام على مجرد
الانتماء أو الانتساب، و بذات الوقت يفسح المجال للعفو التام الشامل في حال
الانسحاب .
3.
بل أكثر من ذلك يعفي من جلّ العقوبة المقررة لمرتكبي الجرائم الكبرى مهما بلغت إذا ما سلموا أنفسهم خلال مدة معينة خلافاً لقانون العقوبات تحقيقاً للغاية المذكورة في الفقرة السابقة.
4.
وهو قانون استثنائي لأنه يعاقب بالإعدام على مجرد الانتساب دون اشتراط القيام بأي فعل مادي مجرم وبالتالي فالعقوبة تترتب من حيث النتيجة على مجرد الاعتقاد والتفكير وهو ما يخالف الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والمعاهدات التي سبق لسوريا وأن وقعت عليها وبخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي سبق لسوريا وأن ساهمت بصياغته عام 1948.
5.
القانون /49/ لعام 1980 قانون جامد لأنه لم يترك للقاضي أي سلطة تقديرية فهو يتضمن عقوبة وحيدة هي الإعدام، كما أن المادة /243 / من قانون العقوبات لا تترك أمام القاضي إمكانية للتخفيف لأقل من اثنا عشر سنة.
والنتيجة المستخلصة من وجهة نظرنا تتمثل فيما يلي : انطلاقا من إيماننا بضرورة تغير الأحكام بتغير الأزمان فإن التنفيذ الحرفي للقانون /49/ لعام 1980 بات يخلف اليوم وبعد أكثر من ستة وعشرين عاماً على صدوره وسريان مفاعيله أوضاعاً إنسانية في غاية الخطورة فهو يستهدف حالات انقطعت صلتها بالإخوان المسلمين وبالخطر الذي كانت تشكله في يوم من الأيام ، كما أنه يستهدف في جزء كبير منه
الجيل الثاني ( الأبناء ) الذين لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا لأب من تنظيم الإخوان المسلمين كحالة الحدث مصعب الحريري و أسامة سايس و عمر الرزوق وغيرهم الأمر الذي يخالف إرادة المشرع الذي سن القانون /49/ لأنه ينكأ جرحاً سعى المشرع في ذلك الوقت لرأبه و معالجة عقابيله لذلك نطالب في المنظمة السورية لحقوق الإنسان السلطات السورية بأن الوقت قد حان لمعالجة الآثار السلبية المتراكمة لهذا الملف وذلك بإلغاء القانون /49/ لعام 1980 وإصدار عفو شامل عن جميع ضحاياه و التعويض على كل من تضرر جراء المغالاة في تطبيقه خلافاً لما أرادة المشرع منه فالقوانين لم تخلق لقهر الناس ولم تبنى السياسة التشريعية في يوم من الأيام على الحقد والانتقام.
المحامي مهند الحسني
رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان