سلطة الفلسفة وفلسفة السلطة!

كلش

قد يستغرب المتصفح لهذا الموضوع عنوانه ، وقد يندهش إذا ما قرأ فحواه ، كون الموضوع جاف ومبهم في بعض مفاهيمه ؟؟
لكن لأهمية الفلسفة في حياتنا ، رغم طابع الرفض لها من الجمهور ، لكن أعتقد أن كل إنسان فيلسوف ، ولكل انسان فلسفته في الحياة ، ويمارس الفلسفة بوعي وبدون وعي أو إدراك منه في اليومي من حياته ، رأيت تسليط الضوء عليه عسى أن يكون ذا فائدة لمن يحب الإفادة؟
الفلسفة كمصطلح تعني حب الحكمة، والبحث عن الكمال والمثالي لخدمة البشر ، فهي تبحث في ” ما يجب أن تكون عليه الأمور ” في مقابل ” ما هو كائن وموجود ” موضوع علوم إنسانية أخرى.


من هنا كان من الضروري أن يعرف كل انسان طبيعة العلاقة بين الفلسفة والسلطة ، كون العلاقة بينهما قديمة قدم التجمع البشري حتى في شكله البدائي.


فالفلسفة تظهر في تجمع بشري لتعلن اكتشاف الفكر،ولتبين ما غاب عن الأذهان ، ولما كان العرف الشائع ، أن الأنظمة الاجتماعية لا تقوم إلا على عقائد موروثة، والفلسفة تدعو إلى التفكير الحر وابتكار الجديد، هنا اصطدم الفكر بالسلطة القائمة أيً كانت ( سلطة التقاليد ، سلطة أنظمة الحكم ، السلطة الدينية ….إلخ).

ولما كان رجال الحكم والدين متشاركون في المصالح في غالب الأحيان ؟! أي الدفاع عن الوضع القائم حدث وبشك تلقائي التعاون بينهما ضد حرية الفكر وضد كسر ما هو مألوف والخروج عما هو شائع ، وهي مهمة الفلسفة وهي دور الفيلسوف في واقعه الذي هو جزء منه.


فيحدث حالة صراع وتصادم ما بين حاملي الفكر الحر ( المشتغلون بالفلسفة ) وبين القابضين على أمور السلطة [ هنا لا أقصد بالسلطة فقط السياسية ] في لحظات ضعف السلطة وليس في قوتها ، رغبة من السلطة في حماية نفسها ضد المفكرين الأحرار ، فتعتمد على السيف [ القوة ] في مواجهة الفكر ؟؟
فيكون الاعتقال والتعذيب والنفي والطرد هما البدائل التي تستخدمها محل الحجة والبرهان والدليل !
لكن العبرة في النهاية ، فالغلبة لحرية الفكر / وهي من عبر التاريخ بقديمه وحديثه / التي تكشف عن ضعف السلطة وتضع حداً للطغيان ، وغالباً ما تفشل السلطة في القضاء على الفكر كما قال نابليون من قبل ،إثر هزيمته لألمانيا عسكرياً ومواجهة المفكر الفيلسوف [ نيتشه ] له بالفكر عندما اعترف : ” لقد هزم القلم السيف “.


تموت الفلسفة إذاً إذا ما انهزمت أمام السلطة ، وتخلت عن دورها في التمسك بحرية الفكر وإبداعه !
وهنا السؤال هل تموت وتحيا الفلسفة ؟؟!
يكون الجواب : نعم الفلسفة مثل الكائنات الحية تموت وتحيا ، ولكن موتها بمعناها الفلسفي هي تحيا عندما تكون إبداع إنساني يتخلق عندما تتهيأ له ظروفه ، وتنقرض [ تموت ] عندما تتغير هذه الظروف ؟
عموماً لم تكن العلاقة بين رجالات السلطة بتنوعها حميمية دوماً مع رجال الفكر و الفلسفة، كان الجانب التصارعي هو الطاغي و عصر محاكم التفتيش في اسبانيا ذاخر بهذه الصراعات والطغيان الذي مارسوه على كل معارض لا يوائم أيديولوجيتهم السائدة آنئذ ،وظهر رجالات ومفكري عصر الأنوار ، حكم علماء وحرّق فلاسفة [ جان دارك ] ومؤلفات وكتب فلاسفة .


لقد وضعوا النقل ( النص الديني ) باعتباره سلطة الدولة والدين في مواجهة العقل والتأويل باعتباره آلة الكفر وسلاح المعارضة، والأنا في مواجهة الغير، والداخل في مواجهة الخارج تقوقعاًعلى الذات .


إن موت الفلسفة وحياتها دورتان مستمرتان تتحركان بعلاقة الفلسفة بالسلطة ففي نفس الوقت الذي تموت فيه الفلسفة ظاهرياً في المجتمعات التسلطية ، كما هي الحال في مجتماعتنا العالمثالثية ؟يتحول الفكر من الصوت المكتوم في النفس عند الفرد إلى الفعل الجماعي السري عند الجماعة ، وينقلب من فكر المضطهدين إلى فكر المناهضين.


من هنا كان الفهم لماذا تحارب السلطة السياسية ” المتفلسفين ” أو تسميلهم وتهادنهم
ولا تلبث اتجاهات المعارضة والأحزاب السرية حتى تنقضّ على السلطة ، سواء في انفجارات شعبية أو انقلابات عسكرية ، والتي طورت وتجاوزت هذه الأساليب في عصر الحضارة الديمقراطية فيتحول المجتمع كله من مجتمع التسلط والفئة الواحدة؟؟ إلى مجتمع الحرية.


ماتت الفلسفة وانقرضت لأننا لا نملك الوعي بالتاريخ ونعيش على أطلال الماضي التليد، ولا يمكن فصل الفلسفة عن باقي العلوم كون الفلسفة هي أم العلوم كما يقال منها انبثقت كافة العلوم التي نراها اليوم ، من هنا صحت مقولة ” لكل علم فلسفته ” وهو الجانب النظري الباحث عن الكمال الذي لا يمكن إدراكه ؟؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…