أعراس في بغداد وأخرى في الزرقاء والناس حيارى بين مصدق للخبر ومكذب له ،هل حقا قتل الزرقاوي زعيم القاعدة في بلاد الرافدين؟ هل قتل ذلك الرجل الذي زرع الرعب و القتل في أرجاء العراق ؟ هل حقا قتل ذاك الذي أفتى بتكفير الشيعة وعمالة الكرد للأمريكان ؟ ذلك الشخص الذي فجر أتباعه ومناصروه فنادق عمان فقتل في الانفجار المخرج العالمي الكبير مصطفى العقاد ومعه رفاق أعزاء .
نعم لقد قتل الأسطورة التي دأب العرب على السخرية من وجودها،بل كانوا يصفونها بالدعاية الأمريكية لإطالة أمد بقائهم في العراق ، بضربة صاروخية خاطفة من قبل سلاح الجو الأمريكي وبمساعدة مخابراتية أردنية قتل الزرقاوي ، وأصبح في عداد الموتى ، انضم إلى الآلاف من ضحاياه من العراقيين الأبرياء ، الذين سقطوا جراء سياراته المفخخة وأجساد رفاقه الانتحاريين
حقا انتهى الزرقاوي ولكن الإرهاب والقتل لم ولن ينتهي في العراق في أمد قريب ، فالزرقاوي لم يكن شخصا بل كان يعبر عن فكر مازال حيا وبقوة بين فئة ليست بقليلة من الشعب العربي ،وان أفراح أبناء الزرقاء بما أسموه شهادة المجاهد الكبير الزرقاوي ،وعهدهم على مواصلة طريقه في الجهاد لهو اكبر مثال على هذا الفكر ، فكثيرون من قادة الفكر الإسلامي ومن الدعاة والعلماء المسلمين ما زالوا يشرعون مثل هذه الأعمال ، ويعتبرون العراق أرضا محتلة وان من واجب الشباب العربي والإسلامي أن ينفر إلى مقاتلة الصليبيين ، وحلفاؤهم من العراقيين ، واخذوا يبررون قتل الأطفال والنساء ويكيلون عبر وسائل الأعلام العربية الشتائم والسباب بحق قادة العراق الجدد ،علاوة على إصدارهم الفتاوى التي تشرع قطع الرؤوس وحز الرقاب والتمثيل بالجثث وتكفير كل من يخالفهم الرأي والفكر والنظرة إلى الدين وفقهه ، وهم الذين يوجهون الشباب المسلم نحو العراق في الوقت التي ترفرف فيه أعلام الولايات المتحدة وإسرائيل في بلدانهم وعواصمهم دون أن يملكوا القدرة على رفض ذلك أو التنديد به .
إن مشكلة الفكر التكفيري في العالم العربي والإسلامي ،لم تولد مع الزرقاوي ولن تنتهي معه، بل انه تيار متواجد ومتصاعد بين جموع الشعوب العربية، في ظل انعدام الفكر المعتدل والوعي السليم بقضايا المنطقة، وكيفية حلها ، وفي ظل انعدام الحرية الفكرية والسياسية في الدول العربية ،وبقاء نسبة كبيرة من الشباب العربي، ضائعا بين أفكار مشتتة في ظل أمية متفشية وفقر مدقع ،وانعدام لحرية المرأة ومشاركتها في الحياة العامة ،على قدم المساواة مع الرجل ، فقبل فترة وجيزة نشرت وسائل الأعلام العربية تقريرا أوردت فيه إن النساء المسلمات لا يشعرن بالظلم في المجتمعات الإسلامية، ولكن لم يورد التقرير نسبة النساء المتعلمات المستطلعات آراءهن أو مستوى تربيتهن، والأفكار التي جبلن عليها والوسائل التقنية الحديثة التي يجدن التعامل معها ، ويحصلن من خلالها على معلوماتهن وأفكارهن وهذا شيء ضروري جدا، لان التعليم الحديث المبني على الاعتراف بالآخر ، وتقبل الاختلاف وعدم احتكار الحقيقة، إضافة إلى وجود وسائل الاتصال الحديثة ،هي التي تكون الفكر والنظرة الصحيحة للأشياء ،وتؤمن ذخيرة معلوماتية توصل إلى المعرفة الحقيقية للأمور الجارية من حولنا .
وإذا كانت ما تزال هناك فئة من المجتمع الإسلامي تعتبر الجهاد فريضة على المسلم، فان من واجب العلماء المسلمين أن يجتمعوا ويتفقوا على تعريف واضح وموحد للجهاد، والفرق بينه وبين أعمال الإرهاب التي أخذت تسيء إلى الدين الإسلامي، الذي عرف بتسامحه واحترامه وتقديره لقدسية الدم والجسد الإنساني ، وعلى العلماء المسلمين أن يحصروا الفتوى في رجال معينين، وصلوا إلى درجة عالية من الفهم لمفردات الدين وأصول الفقه والفتوى ، كما يحصل عند الأخوة الشيعة الذين تنحصر إصدار الفتاوى لديهم بالمرجعيات العليا ، وهو ما يجنب الشباب الشيعي الوقوع في أخطاء ومطبات المفتين الكثر هذه الأيام ، وعلى العلماء المسلمين ومن يعتبرون أنفسهم الأوصياء على الدين الإسلامي ، أن ينقذوا هذا الدين من البدع والأفكار التي زرعت الانقسام والتشرذم بين الشعوب الإسلامية ،وسمحت بظهور فتاوى تكفيرية تبيح قتل الإنسان على الهوية والتمثيل بجثث القتلى ، وترسم واقعا مأساويا في العالم الإسلامي الذي أصبح بقعة من اخطر البقاع المتواجدة على سطح الأرض .
هذه المهمة الصعبة والشاقة في حال نجاحها فإنها ستكفل عودة المسلمين إلى سابق عهدهم ، حينما كانوا منارة للعلم والتسامح ،الذين اخرجوا للعالم علماء كبار كابن رشد والفارابي وابن سينا وغيرهم الكثيرون ، والذين غزوا العالم من خلال فكرهم المستنير ، هذا الفكر الذي ترك الكنيسة تقف شامخة إلى جانب المسجد والصومعة إلى جانب المعبد ، ومازالت تماثيل بوذا وآثار العراق شاهدا على هذا التسامح والفكر النير ، فأين علماؤنا الحاليون من هذا التراث العظيم ، وأين نحن من هذه القيم الرائعة ، إننا مازلنا نعيش في دوامة الجهاد والإرهاب والعمليات الانتحارية أو الفدائية ، ودوامة برامج الإثارة السياسية التي جعلت السباب السياسي والشتائم البعيدة عن الآداب خبز الفقير اليومي وزاد الجائع ، في ظل ابتعاد تام عن الواقع المعاش ، ونوم ابدي في قصة مفادها أننا خير امة أخرجت للناس ويفسر علماء الفضائيات الأمة بالعرب أما بقية شعوب الأرض فهي بعيدة عن الفهم الصحيح للعالم ولا تستحق غير اللعن والقتل فإما الإسلام المبني على تفسيرهم الضيق وإما التكفير والقتل دون مناقشة أو تباطؤ .
يا لهذه الأفكار الهدامة التي تروج للقتل وسفك الدماء، كم جرّت من الويلات على بلداننا وما تزال ،وكم هي ماضية في جرّ الأمم والشعوب إلى صراعات عنيفة في معركة غير متكافئة ، يدفع ثمنها بالطبع المواطنون الفقراء ، و التعساء ، والبؤساء من كلا الطرفين