لماذا السمّ في الدسم ؟

 بقلم: إبراهيم ولي عيسى

نشرت جريدة ( الأسبوع الأدبي) في عددها رقم 1015مقالة للكاتب عبد الغفار نصر بعنوان الأكراد في المجتمع العربي ، وجدت فيها الكثير من المغالطات التي لابد من التوقف عندها ومناقشتها،لما فيها من تزوير وإساءات واضحة.

حقيقة ، كم كنت أتمنى أن يتناول الكاتب المسألة بموضوعية وحيادية، بحت ، لأن تناول موضوع كهذا، إن لم يكن دقيقاً، فانه يفقد مذاقه ومعناه ، الا أن الكاتب، وللأسف، حاول أن يجير لا التاريخ فحسب، بل وحتى تفسير الآيات القرآنية الكريمة ، على مزاجه وهواه….!
أولا: يا سيد عبدالغفار عن الإمبراطورية الإسلامية لم تكن إمبراطورية قائمة على أساس عرقي أو قومي، بل كانت إسلامية ، لأن الدين الإسلامي هو دين أممي وليس ديناً قومياً ، حتّى ولو كان القرآن بلغة العرب، فهذا لا يعني أن الديانة الإسلامية هي دعوة للقومية العربية، لا بل إنها كانت ولاتزال ديانة أممية /عالمية، نعم لم يكن فيها تمايز عرقي او قومي ،لان الإسلام ساوى ويساوي بين جميع المكونات القومية الداخلة فيه، وقد اتفق معك بان الاسلام وليست القومية العربية – كما تزعم- الرابط الأساس والحامي الوحيد في هذا المجال ….! وان قيادة العناصر العربية للدولة الإسلامية لا يعني بأي حال من الأحوال بان الدين الاسلامي هو دين عروبي /أي دين قومي/قطعا.

وهذا ما عناه الرسول الأعظم حين قال: سلمان منا آل البيت ( وكذلك قوله عز وجل: إن أكرمكم عندالله اتقاكم)، ولو كان الاسلام دعوة للعروبة- كما تزعم- لما كان الله عز وجل يقول في محكم تنزيله: الأعراب اشد كفراً ونفاقاً , فالأمثلة كثيرة لا تعد ولاتحصى، اما قولك يا عزيزي بأن القرآن الكريم قد ميز العرب عن غيرهم ،فهو عار عن الصحة، فاذا كان قصدك بالآية الكريمة (كنتم خير امة اخرجت للناس) (بأنها) الامة العربية فانك واهم ، فما قصده عز وجل هو: الامة الاسلامية، فقط، وما دليلك بان قيادة الدولة الاسلامية ابان عهد الخلفاء الراشدين كانت للعناصر العربية، فهذا صحيح ، لأن الدولة كانت صغيرة ،وغير منتشرة إلا في الأماكن العربية، ولم تكن منتشرة بين الأقوام الأخرى ,ومن هنا فان الشعوب التي اعتنقت الإسلام ورضيت به، دينا ً،تخلو مطالبتهم بدولتهم القومية لا لسبب فقط لأن الإسلام ساوى بين جميع هذه الأقوام ،وكانت هذه تمارس نشاطها في ظل تعاليم الدين الإسلامي، دون أي تمييز بين فئة وأخرى، ومن هذه الأقوام هم: ( الكرد ) حيث كانوا موجودين على أرضهم منذ ما قبل الإسلام ،وحتى لا نتيه في غياهب التاريخ ، فإنهم موجودون كأقل تقدير منذ 1500 عاماً في هذه المنطقة , وما قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حين قدم له أحد الكرد قطع حلوى من صنع الكرد في العراق ( إذا كان نوروزكم هكذا، فنورزونا كل عام!) فيا عزيزي أنا لا افهم معنى الأقلية سوى تلك الطارئة المهاجرة على البلد .

وأنا اتفق معك بأن قيادة الدولة الإسلامية ولفترات طويلة كانت من قبل عناصر غير عربية، سواء كانوا من الفرس أو الكرد او الترك وغيرهم، وقد لعب هؤلاء دورا عظيما في الذود عن حياض الوطن وتطويره ،وتقدمه، وان تحقيق صلاح الدين الأيوبي للانتصارات العظيمة الرائعة، كان آنذاك على الأرض الإسلامية، ولم تعرف آنذاك بأنها ارض عربية، او غير ذلك , وما قتاله الصليبيين الا دفاعا عن الاسلام فحسب.

فيا صديقي، ارجو ان تفتح يصرك وبصيرتك، وتقرأ التاريخ بنظرة حيادية، ومالي اراك والتعصب القومي قد ضلل بصيرتك الى حد ان تفسر كل الوقائع التاريخية من منظورك فحسب.؟ فاذا كنت ترى ان سياسة التتريك قد دفعت العرب الى اليقظة القومية، فلماذا لا ترى ان سياسة التعريب التي جرت وتجري الآن هنا هي التي تدفع الكرد مثل غيرهم من مكونات الشعب السوري الى التفكير جديا بالنضال للتحرر.
وكي لا استطرد معك بالدخول في سجالات تاريخية دعني الدخول معك في موضوع ما نشرته مجلة سورغول في عددها رقم /35/ ايار عام 2004 تعليقا على احداث 12 اذار 2004 , نعم انها لم تأتي من فراغ ولا تمت تحت تأثير تدخل خارجي , وانا أضيف على ماجاء بأن
العامل الداخلي هو العامل الرئيس لأية معضلة .

نعم أتت أحداث القامشلي نتيجة لاحتقان سياسي واقتصادي واجتماعي واضطهاد قومي بل وتمييز قومي مزمن عايشه الكرد مثل بقية مكونات الشعب السوري العرقية , جراء الغبن والتهميش وممارسات تعسفية قلما تجد له مثيلا حتى في أشد البلدان تخلفا وانت بالذات تعرف ذلك جيدا .

فأنا لا اعرف كيف تقرأ اللوحة، ولماذا أتى مقالك عن الكرد في هذا الوقت بالذات، وهل من الأمانة أن يفسر المرء الوقائع التاريخية حسب هواه، لانه بهذا الشكل يخضع التفسير للمزاجية، وبالتالي للتزوير، فاذا كنت اخاطبك بمنطقك نفسه ، فلا يسعني الا ان احيلك الى مذكرة قرينك محمد طلب هلال سيء الصيت عن الكرد، والذي قدمه الى القيادة السياسية في عام 1958، والذي تم بموجبه تجريد الكرد من هويتهم الوطنية، لا لسبب فقط لأنهم ولدوا من أبوين كرديين، وكأن انتماءهم القومي عار عليهم , أحيلك إلى هذه المذكرة لترى كيف أنه قد وثق تاريخ مجيء العشائر العربية إلى الجزيرة السورية وعن كل عشيرة على حده .

وأنا اسألك بالله ،متى كان السوريون يشعرون بالتمايز ومنذ متى بدأالتمايز بين مكونات المجتمع السوري , وإذا كنت لاتدري اسأل: من هو أكبر منك
سناً؟ , ولو كان هناك ثمة تمايز بين هذه المكونات لما هب جميع هذه المكونات للنضال من أجل استقلال سوريا، وربما كان للكرد النصيب الأكبر في شرف النضال ؟، أليس محو شاشو الذي أطلق أول رصاصة ضد الفرنسيين ؟ ثم ألم يكن ابراهيم هنانو كرديا وكلك احمد بارافي وسعيد آغا الدقوري وحتى يوسف العظمة والشيخ ابراهيم الخليل في عفرين و….ولقد تم نفي الشيخ احمد الخزنوي والشيخ ابراهيم الكرصواري الى دير الزور ستة اشهر نتيجة مواقفهما الوطنية من فرنسا ؟بل وغيرهم وغيرهم كثيرون…..

.

جميل يا صديقي لقد اعترفت بأنه لم يكن وجود لظهور التعصب القومي للمكونات القومية والاثتية للمجتمع السوري , فأنا أود سؤالك عن السبب ؟ فاذا كنت لاتعلم فإن السبب الرئيس هو عدم سيطرة التيار العروبي على الحكم وبالتالي لم يكن فيها للتمايز أي اثر اما بعد سيطرة التيار العروبي على مقاليد الحكم في سوريا في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، وأقدموا على اقصاء كل من هو من غير العنصر العربي وحتى بدأوا بتغيير اسم الدولة من الجمهورية السورية الى الجمهورية العربية السورية وهذا مما اثار حفيظة بقية مكونات المجتمع السوري وبدأ الشعور القومي يزداد بين الناس وبدؤوا بتأسيس جمعياتهم وأحزابهم بدأ من الاكرادوغيرهم فيا صديقي عندما تقول ان لسياسة التتريك دور في نمو الشعور القومي فانا اقول لك نعم ان لسياسة التعريب ايضا دور كبير في نمو وتعاظم الشعور القومي وتعاظمه عند الاكراد وغيرهم .

فاذا كان ذلك من اسباب نمو وتعاظم الشعور القومي فمالحل فالحل ياصديقي يكمن في بناء دولة المواطنة الحقيقية التي تكون المساواة المطلقة بين كافة مكوناتها وعلى اختلاف انتماءاتهم الاثنية والمذهبية هي السمة البارزة لها ،لأن كل من ساهم وقدم التضحيات من أجل استقلال وتأسيس هذاالوطن السوري ، هو من أصحابه ، ويجب ان يحصل كل أبنائه على استحقاقاتهم ، وبذلك نبني وطناً متماسكا متضامنا، يشعر فيه كل من تحت سقفه بمواطنته، ويحصل فيه على كامل حقوقه، ويمارس كافة واجباته….! وبذلك نكون قد
بنينا وطنا محصنا أمام تكالب ومطامع الأعداء المتربصين بأرضه وخيراته……!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…