عراق جديد … راية جديدة

الدكتور شمدين شمدين
قبيل سقوط النظام في بغداد بأشهر قلائل ، قامت إحدى المحطات الفضائية بإجراء مقابلات مع العراقيين المهجرين في الخارج ,لاستطلاع آرائهم وأفكارهم حول عراق المستقبل ، وفي إحدى هذه المقابلات التقت المذيعة مع عامل عراقي يعيش في إحدى الولايات الأمريكية ، وسألته عن أوضاعه في الغربة وعن عمله، فأجابها العامل العراقي انه يعيش في أمريكا منذ سنوات
قبيل سقوط النظام في بغداد بأشهر قلائل ، قامت إحدى المحطات الفضائية بإجراء مقابلات مع العراقيين المهجرين في الخارج ,لاستطلاع آرائهم وأفكارهم حول عراق المستقبل ، وفي إحدى هذه المقابلات التقت المذيعة مع عامل عراقي يعيش في إحدى الولايات الأمريكية ، وسألته عن أوضاعه في الغربة وعن عمله، فأجابها العامل العراقي انه يعيش في أمريكا منذ سنوات ، وهو يعمل حلاقا في إحدى الأحياء ذات الغالبية العربية وهو عندما جاء إلى أمريكا هاربا من ظلم النظام لم يكن يحمل في جيوبه فلسا واحدا ، ولكنه استطاع أن يقنع البنك بمساعدته في فتح صالون للحلاقة الرجالية ،وفعلا أعطاه البنك قرضا على مدى خمس وعشرين سنة للسداد  ،وهو الآن يعمل بجد ويشتغل عنده سبعة عمال وهو يعيل أسرته ويدفع أقساط القرض للبنك بانتظام  ، وعندما سألته المذيعة عن نيته العودة للعراق عند تغيير النظام أجابها وبتأكيد بالغ لا بالطبع ، وبرر رفضه العودة للعراق حينما  قال وبأسى إن الغربة قاتلة ، ولكن المشكلة لا تنحل فقط بتغيير رأس النظام إنما المشكلة في العقلية التي رسخها النظام  ،فالنظام حول العراق إلى ثكنة عسكرية كل من يعيش داخلها  أصبح يملك عقلية عسكرية ، ويتصرف تصرف العسكري المتعجرف  ، لذلك من الصعب – قال الحلاق العراقي- العودة إلى العراق لأنني لا أريد أن يعيش ويكبر أطفالي في أجواء  ثكنة عسكرية أو ثكنة مدنية بنفسيات عسكرية تحتاج إلى عقود كي تتحرر من هذا الفكر العسكري الفظيع  ،هذا إن استطاعت التحرر!.
ما دعاني إلى إيراد هذه القصة ، هو الوضع العراقي الذي يزداد تأزمه يوما بعد يوم ،والذي أخذ ينحو منحى الحرب الأهلية أو الطائفية،فالقتل اليومي  الجماعي على الهوية يجعل الإنسان يعي تماما ما كان يقصده ذلك الحلاق العراقي البسيط من إن العقول التي تربت على الخنوع والرضوخ الدائم للأعلى ، ستمارس نفس هذه الممارسات والسياسات إن استلمت هي السلطة،وذلك طالما بقي  القانون غائبا أو مغيبا ،فما معنى أن نقول عراق جديد وهدفنا هو العراق الجديد ومئات المسلحين التابعين للمليشيات الحزبية والطائفية تحتل شوارع بغداد ، وتصنع لنفسها إمبراطوريات ضمن دولة العراق ، حتى أصبح القرار الفصل في معظم الأمور السياسية والحياتية بيد الحزب أو الجماعة التي تملك أكثر المليشيات قوة وعددا، وكأن الأمر في العراق أصبح أشبه ما يكون بوضع الاتحاد السوفيتي بعيد السقوط ، حين انتشرت المافيات في معظم أرجاء البلاد السوفيتية ، وبدل أن يحتمي المواطن المسكين بالدولة وقواها المختلفة اخذ يحتمي بالمافيات المسلحة التي فرضت على المواطن اتاوات مقابل حمايته وحماية مصالحه من المافيات الأخرى، وهكذا كان الوضع السوفييتي بعيد السقوط مافيات تنشر الرعب والقتل ومافيات تحمي والكل يفرض الاتاوات على المواطن المسكين.
هل تحول الوضع في العراق إلى وضع شبيه بذلك ؟ ربما ،ولكن الفرق بين مافيات الروس ومليشيات العراق إن الأخيرة تأخذ اتاواتها من بعض المسؤليين في الدولة أو من الوارد النفطي أو الخارجي ، بينما المافيات الروسية كانت تأخذ اتاواتها من المواطنين ولكن لا فرق كبير، ففي النهاية الذي يدفع الثمن هو الوطن ، وبالتالي المواطن الفقير والضعيف الذي اخذ يغرق في مستنقع الدم العراقي المراق ،الذي لم تعد انهار دجلة والفرات تتحمل المزيد منه ،هل عاد المغول ياترى من جديد ليحرقوا بغداد بعقلية قرونهم الوسطى ؟هذه العقلية التي نمت على نفي الآخر،والتي مازالت تعيش أوهام ماض عتيد، كانت فيه جماعات تسيطر على جماعات ، وأقوام تفرض آراءها وأفكارها على أقوام بقوة السيف ، ربما نعم.
ولكن اليوم يعيش العراقيون أمل مرحلة جديدة ، يُبنى فيها عراق جديد والعراق الجديد يحتاج ثوبا جديدا ، ثوبا يضم كل العراقيين ضمن أمتار قماشته، و يحتاج إلى تمزيق الثوب القديم الذي يمثل للبعض رمزا للظلم والقتل والاضطهاد ، يحتاج العراقيون اليوم إلى راية جديدة تمثل كل أطياف الشعب العراقي  ، راية جميلة كالعراق الذي نتمناه جميلا، راية تُحمل في القلوب ، قبل أن تحمله البنايات والمقرات الحكومية والمؤسسات العامة ، راية يتوافق عليها الجميع حول طاولة الحوار ، التي هي الملاذ الأول والأخير لدرء الفتن التي تحاول بعض الأطراف الداخلية والخارجية، وبعض المؤسسات الإعلامية اختلاقها وزرعها بين صفوف أبناء الوطن الواحد .
اليوم ينفض العراق الجديد بل يحاول أن ينفض عن جسده غبار الماضي الحزين ، ويعمل بهمة أبنائه المخلصين على بناء دولة حرة عصرية ، دولة جميلة مشرقة والدولة الجديدة حتما تحتاج لراية جديدة طال انتظارها ، وهفت القلوب لرؤيتها ترفرف على كل دوائر العراق بدءا من كردستان وانتهاء بالجنوب ،فالي متى ينتظر العراقيون ساستهم وبرلمانهم كي يحددوا ويختاروا رمز العراق الجديد ، رمز التوافق العراقي ،علم العراق الفيدرالي؟.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…