تركيا.. والاتحاد الأوروبي وسيل المذابح

عمر كوجري

  لقد كان لتصريح الرئيس الفرنسي الديغولي “جاك شيراك ” أبعد الأثر وأعظم الألم في نفسية الساسة الأتراك بشكل عام ،وعلى وضع أردوغان وحزبه على وجه التخصيص .حيث طلب الرئيس وفي زيارته مؤخراً إلى أرمينيا من الحكومة بل من تركيا عامة الاعتذار على المذابح التي ارتكبتها تركيا إبان الحكم العثماني بحق الأرمن والتي راح ضحيتها ما يزيد عن مليوني أرمني في بدايات القرن الماضي من العزل والمدنيين من الشعب الأرمني بدعوى أنهم كفرة ومشركون بالله وقتلهم حلال حسب الأعراف والاجتهادات والثقافة الدينية الفاشية التي كان تنتهجها السلطنة العثمانية

ومؤسس الدولة التركية الحديثة، وكل الساسة الأتراك الذين تناوبوا على سدة الحكم في تركيا.حيث الولاء الخالص للعنصر التركي ومحاربة كل من يعتقد خلاف ذلك ، وتربية الأجيال على ثقافة التركي العظيم ، والأسطوري وقاهر الأعداء وصاحب الأمجاد الغابرة ،واعتبار ماعداه عبيد ورعاع وقطيع خادم للأمة التركية “العظيمة” وتنامى هذا الشعور الاستعلائي أثناء حكم كمال أتاتورك ذي الأصول غير التركية أصلاً .
وقد جعل شيراك اعتراف تركيا بخطئها التاريخي ذلك شرطاً رئيسياً لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

وهذا ما أثقل كاهل حزب رئيس الوزراء التركي الذي كان يطمح إلى أن يسجل نصراً تاريخياً لخطه السياسي ،وبرنامج حزبه، إذ1علمنا أن المؤسسة العسكرية”مجلس الأمن القومي التركي” التي تدير تركيا من خلف الطاولات ليست راضية تماماً عن أداء حزب أردوغان في الحكم، وتطالبه بالمزيد من القمع والتنكيل “بالكرد خاصة”وأردوغان يتذكر جيداً وليس غبياً حتى ينسى إطاحات العسكر للحكومات المدنية اعتباراً من عدنان مندريس الرئيس التركي الذي سجن في سجن “إيمرلي وأعدم فيما بعد ومروراً بتورغوت أوزال وغيرهما  ،حيث كانت تشهد الساحة التركية انقلاباً عسكرياً كل عقد من الزمن .فأردوغان كسياسي ذي مستقبل غير واضح المعالم يسيل لعابه من الآن وهو يتحضر ويتهيأ للانتخابات المقبلة، ويصبو إلى النجاح فيها ، وإلا فقد يصبح حزبه محظوراً مثل أسلافه من الأحزاب الإسلامية ذات التوجه الراديكالي “الرفاه الذي أصبح فيما بعد حزب الفضيلة بقيادة مهندس الميكانيك الدكتور الجامعي “نجم الدين أربكان” الذي حرم وتنظيمه السياسي وقتها من ممارسة السياسة كلياً .
التخوف المشروع يأتي خصوصاً من أن سجل الحكومة الحالية غير نظيف من نواح عدة، والفساد لا يزال يلاحق العديد من رموز السلطة التركية ، والمافيات السياسية تنتعش يوماً فيوم هناك  ناهيك عن فشل الحكومة في القضاء أو تقويض التضخم الرهيب الذي يعاني منه الاقتصاد التركي المتهالك الذي يشجع الترك إلى الهجرة في شتى أصقاع العالم .

وكان أردوغان يمني النفس بتحقيق شيء ذي أهمية للشعب التركي.

ولعل أهم حلم يراود المخيلة العامة التركية هو الدخول إلى النعيم الأوروبي.
حسناً فعل الزعيم الفرنسي لأن سجل تركيا قديماً وحديثاً مليء بالمجازر التي تندى لها جبين الإنسانية إن بحق الأرمن أو الكرد أو با قي أطياف الشعوب التركية
والتي يشكل الشعب التركي الأصلي أقلية بالطبع .وأكاد أجزم أن هذا الشعب الذي يحتل كردستان حالياً، وباسم الدين الإسلامي احتل البلاد العربية، ووسع من مطامعه في أوروبا وغيرها أيضاً هو شعب لا يملك مقومات الحضارة بل كان في أصله مجموعة من قطاع الطرق واللصوص قدموا من آسيا الوسطى وبحد السيف وبالمجازر البشعة استطاع أن يوطد حكمه في المنطقة .
ومن زاوية الرؤية هذه يبدو أن يافطات “ممنوع الدخول” قد وضعت سابقاً في وجه الحكومات التركية السابقة، وهاهي توضع في وجه حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة ، ومنذ فوزه بآخر انتخابات أجريت في تركيا .فالحكومة الحالية تفوق سابقاتها في سجلها الأسود حيال حقوق الإنسان ،والحلول الترقيعية التحايلية التي أجرتها حكومة أردوغان وخاصة فيما يخص الشأن الكردي من فتح معهد تعليمي كردي هنا ،والسماح بتداول اللغة الكردية على نطاق ضيق ، أو السماح بنشر وطباعة بعض الكتب التي تخص الجانب الثقافي البحت لاتفي بالغرض المطلوب من قبل أوروبا العجوز والتي دفعت ثمناً هائلاً إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من نشر ثقافة الحوار وقيم العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان المستقاة في الكثير من نصوصها من مبادئ الثورة الفرنسية، وغيرها من المسائل التي تحقق للإنسان إنسانيته وتحفظ له كرامته .
إذ ما الفائدة إذا ألغت الحكومة التركية حكم الإعدام “في حالة السلم” ورفعت الحظر الجزئي عن اللغة والثقافة الكردية وفي المقابل اجتاحت جند رمتهاودباباتها القرى الكردية الآمنة ، ومسحتها من الوجود ،واعتقلت خيرة أبناء الشعب الكردي والتركي ووضعتهم في غياهب السجون ، وكل يوم نقرأ عن اعتقال شخصيات لها ثقلها الأكاديمي والإبداعي من حقوقيين وأدباء وغيرهم .

وهاهي اليوم تعادي تطلعات شعب كردستان العراق، وتناصب العداء للمكتسبات التي تحققت بدماء مئات الآلاف الضحايا والشهداء الكرد، وتنوي تقويض هذه المكتسبات وضربها ومعاداة الفيدرالية التي أقرها البرلمان العراقي بأغلبية كبيرة ،وقبل ذلك أقرها البرلمان الكردستاني بالإجماع ، لابل أن السياسي المتصابي ووزير الخارجية التركية عبد الله غول قال جهاراً مرة إنه إذا أعلنت جمهورية كردستان في غابات الكونغو فإن الأتراك سيسعون إلى اجتياحها وتخريبها .هذا جانب والجانب الآخر هو تأهب الجيش التركي حالياً   بالتعاون الرخيص والتنسيق المكشوف مع إيران العمائم المرعوبة من ملفها النووي غير السلمي بالتأكيد للقضاء على حزب العمال الكردستاني ، وملاحقة فلوله في وقت يقرر هذا الحزب ومن طرف واحد تعليق العمليات العسكرية ضد الجيش التركي أملاً ورغبة في إفساح  المجال مرة أخرى للحلول السلمية وطاولات الحوار التي بها وحدها يتوصل الشعبان الكردي والتركي إلى حلول مرضية للطرفين استجابة للدبلوماسية الكردية النشطة هذه الأيام.

ولا يخفى على ذي بصيرة أن العمال الكردستاني لديه القدرة العسكرية والتكتيك الذي اكتسبه طوال حربه الطويلة ،والتدريب والمجابهة المفتوحة وحرب الكر والفر لضرب المصالح التركية، وإلحاق الخسائر بالجيش التركي المدرب على مستوى عال ويملك بحوزته أسلحة متطورة جداً .

هذا إضافة إلى تنظيمات كردية جديدة تبرز على الساحة حديثاً تؤمن بالحل العسكري خلاصاً للقضية الكردية وكردستان تركيا ، وقامت مؤخراً ببعض العمليات الجريئة والموجعة للمصالح التركية وقتلت بعض ضباطهم .
ضمن هذه العقلية الإقصائية الطورانية لن تشهد بروكسل التي تحتضن مكتب الاتحاد الأوروبي أحفاد عثمان بن أرطغرل وهم يصولون ويجولون في أروقتها ورغم شهرة تركيا بصنع الحلويات إلا أن دمها البارد لا يحلو لبلدان الصقيع والثلج ،ويبدو أنه كتب على ساستها أن يتسولوا في العواصم، ويركعوا لمطاليب صندوق النقد الدولي ، ولا يرون طريقاً إلى هناك..

أوروبا حيث لاحدود ..

لا جغرافيا ..

والشيء المفتوح هو فقط النعيم الأوروبي .
من حقه شيراك ، ومن حقها أوروبا أن تصد الأبواب وتغلق المنافذ أمام الطورانيين الأتراك لأن لا قيمة فعلية لترقيعاتها التي لم ترطب الأجواء الأوربية المرطبة والممطرة والخيرة أصلاً ، وبسبب ارتباط الإسلام ” الـ بن لادني” بالإرهاب والتدمير والأصولية الوحشية فمن حق الأوربيين أن يتخوفوا من تنامي المد الأصولي في تركيا ،وتفريخ الأحزاب التي لا تؤمن بحوار الثقافات والرأي الآخر وترى أوروبا برمتها صليبية كافرة، وينبغي إغراقها بالدماء والقتل ومن الصعب أن يمحو من الذاكرة الأوربية ذلك التركي الذي حاول قتل بابا الفاتيكان “يوحنا بولس الثاني ” الذي حمل عاهة مستديمة  جراء تلك المحاولة استمرت معه إلى حين وفاته .
تركيا منزعجة جداً من انضمام قبرص اليونانية التي غزتها تركيا في أحد أيام سنة1974ولم يعترف بقبرص التركية ولابرؤوف دنكتاش سوى أنقرة من جميع دول العالم.

وهي متألمة أكثر لأن القبارصة اليونانيين لم يوافقوا على الوحدة التي رعتها الأمم المتحدة بين شطري قبرص وهذا إلى عزلة القبارصة الأتراك وتوقعهم نحو الداخل التركي الذي لا يعرف كيف يحل معضلاته .
مسكينة تركيا ضائعة بين أن تطلق لحيتها ،وتلبس العمامة الإسلامية مثل قرينتها التي تتاجر بالدين إيران، وتريد- إيران- التأسيس لمشروع تشيَُعي خطر جداً في المنطقة ، وترغب تركيا باسترجاع أمجاد الامبراطورية العثمانية، وإعلان الخلافة الإسلامية التي لن تعود حتى في الأحلام ،وبين أن تكب الطاقية التركية المشهورة في أقرب حاوية وتستبدلها بالبرنيطة، وتتمنطق ،وتلبس البدلة والكرافة الأوروبية .
مسكينة فلا شدت إلى الإسلام فنفعها ، ولا قدرت فعلياً أن تشد الرحال إلى شواطئ أوروبا الغنية بكل شئ .
تركيا الحالية غارقة تماماً ، ويبدو أنها أرواح الكرد والأرمن وكل الشعوب التي لاقت على يد بن أرطغرل وأحفاده الموت والدمار ، وهاهي تركيا تكافأ على تاريخها الأسود والمليئ بالصفحات السود .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…