مرشد اليوسف
m.yousef@gawab.com
المصادر العلمية الأثرية والتاريخية وعلم مقارنة اللغات وعلم تاريخ الأديان, والتوضع البشري الكردستاني الجغرافي والتواصل الحضاري المستمرعلى أرض كردستان علامات ومؤشرات ودلالات, اذا جمعت في حزمة ترقى الى درجة النظرية العلمية, و تثبت على أن الشعب الكردي الحالي هو حفيد الشعب السومري والسوباري والكوتي والكاشي والهوري – الميتاني والميدي الذي أسس الحضارة الأولى ومقدماتها في تاريخ البشرية ومنطقة ميزوبوتاميا ( الزراعة الأولى وتربية الحيوان , الكتابة الأولى- المسمارية الكردية السومرية , حضارة المدن الأولى, قانون لبيت أشتار وأورنامو الأقدم من قانون حمو رابي, الفكر الميثولوجي والديني الأول, ديانة النبي ابراهيم ,الديانة الايزيدية( ديانة الاله تاووسي ملك) , الديانة الزردشتية), وقد أثبتت هذه النظرية في كتابي الذي يحمل عنوان : دوموزي (تاووسي ملك) بحث في جذور الديانة الكردية القديمة.
والمجال هنا لايتسع
لذكر تلك الأدلة والبراهين( ولكن بوسعكم الاطلاع على الكتاب المذكور).
في الألف الثاني ق.م ظهر الأكاديون على مسرح التاريخ وهم شعب سامي بدوي, غزا بلاد سومر, و في عهد ملكهم ساركون 2350-2300 ق .م احتلوا الممالك السومرية واستولوا عليها بالقوة ,و أسس ساركون مدينة أكاد و جعلها عاصمة لمملكته , ,وسميت بلادهم ببلاد ( أكاد- أجادا), وفي نهاية عصر سركون اندلعت الثورات الكردية السومرية تعبيراً عن الظلم وسوء الأحوال , وتابع ابناءه من بعده عملية القمع ضد الأكراد السومريين,وأطلق السومريون لعنة كبرى على أكاد جراء فعلتها تلك ,و لتتحول إلى خراب و لتفنى إلى الأبد.
وسجل السومريون هذه اللعنة ضمن نص ميثولوجي مقدس يلتهب حقداً و غضباً و كرها تجاه أكاد و أهلها :
( أيتها المدينة يا من تجرأت على مهاجمة الايكور وتحديت انليل, يا أكاد يا من تجرأت على مهاجمة الايكور و تحديت انليل ,عسى أن تنكب غاباتك في اكوام التراب ,عسى أن يعود أجرّ ك إلى الهاوية , وليكن أجوراً ملونا من أنكي, عسى أن تعود اشجارك إلى غاباتها ولتكن اشجاراً ملعونة,عساك تذبحين زوجاتك بدلاً من اغنام الذبح ، عساك تذبحين ابناءك بدلاً عنها, المسرة للقلب , عساه لا ينمو سوى قصب الدموع يا أكاد ، بدل مياهك العذبة الجارية عساها تجري المياه المرة ,ومن يقول أريد أن اسكن تلك المدينة لا يجد مكاناً صالحاً للسكن, و من يقول سأضطجع في أكاد لن يجد مكاناً صالحاً للنوم, ثيران الذبح عساك تذبحين زوجاتك بدلاً عنها, فقراؤك عسى الجوع يجبرهم على اغراض اطفالهم الاعزاء, يا أكاد قصرك المشيد بالفرح عساه يتحول خراباً محزناً وحين كنت تقيمين شعائرك الثعلب الذي يسكن الخرائب عساه يهز ذيله ,عسى قنوات مركباتك لا ينبت فيها سوى الأعشاب الضارة وعسى طرق مركباتك لا ينمو فيها سوى النبات الباكي و فوق ذلك في اماكن جر القوارب والرسو عساه أن لايقدر انسان أن يسير بسبب الماعز الوحشي و الديدان و الأفاعي و عقارب الجبل وسهولك حيث تنمو النباتات.
و ينابيع النص المبيتولوجي السومري ويوضح ما اصاب أكاد:
ولا انسان يستطيع أن يعيش بسبب الماعز الوحشي و الديدان و الأفاعي وعقارب الجبل, وفي السهول حيث ينمو النبات المسر للقلب لم ينم سوى قصب الدموع , وفي أكاد بدل المياه العذبة الجارية جرت المياه المرة, و من قال سأسكن تلك المدينة لم يجد موطناً صالحاً للسكن, و من قال ساضطجع فيها لم يجد للنوم مكاناً صالحاً.
و غزى الأموريون وهم شعب سامي بدوي أيضا الحضارة الكردية السومرية في عهد الملك الكردي السومري سين أحد ملوك سلالة أور الثالثة 2038 – 2030 واخترقوا تحصيناتها, وسمى السومريون الشعب الاموري البدوي الغازي بالمارتو , ووصفهم السومريون في مروياتهم المقدسة بأسوأ انواع الوحشية والبداوة :
وفي عهد حمو رابي وهو الملك السادس من سلالة الاموريين 1792- 1750 ق .م سقطت سومرالكردية بكامل دولها في أيدي الاموريين وجعل حمو رابي مدينة بابل في الشمال عاصمة له .ومثلما استولى الغزاة على الأرض والموارد استولوا أيضا على الثقافة والعقائد الكردية السومرية, وسلبوا ونهبوا التراث الميتولوجي ونسبوه إلى انفسهم, ولكي يخفوا آثار جريمتهم وسرقتهم التاريخية أضافوا اللواحق اللغوية الخاصة بهم إلى الاسماء و الأماكن ,فالاله السومري الأكبر آن اصبح عندهم آنو, وبدلوا اسماء الآلهة السومرية مع الابقاء على وظائفها وصفاتها, فالإلهة الأنثى انانا اصبحت عندهم الإلهة عشتار و الإلهة الأم نمو اصبحت عندهم تيامه و الإله انليل اصبح عندهم مردوج و الإله أنكي أصبح عندهم أيا, و صاغ البابليون النصوص السومرية بصيغتهم ولغتهم الخاصة مع الاحتفاظ بالمضمون السومري, ورغم التزوير المحكم فإن الحقيقة كضوء الشمس لا يمكن تغافلها أوتجاهلها أوالتلاعب فيها ,فالتشابه القائم بين النصوص الأكادية الامورية البابلية بالمقارنة مع مثيلاتها من النصوص السومرية الأقدم يفضح التوليف والتقليد المزيف ,ويظهر الافتياس بشكله الأمثل في ملحمة التكوين البابلية المعروفة باسم الاينوما ايليش التي تعني عندما في الاعالي و اعتقد انها تعني عندما في الأزل, أي قبل ولادة الزمان و المكان , وهكذا لم يجلب الاكاديون الأموريون والبابليون الى كردستان ثقافة خاصة بهم ليقارعوا بها الثقافة الكردية السومرية الراقية.
و استناداً إلى علم الميثولوجيا واللاهوت والأديان المقارن فإن الباحث المحايد لايحتاج إلى استخدام الكثير من الفكر و الجهد والوقت ليكتشف حجم و مساحة تأثير الثقافة الكردية السومرية السابقة في وجودها و أصالتها في ميثولوجيات و عقائد واديان الشرق القديم و الديانات الكبرى, و يمكن ملاحظة التأثير الميثولوجي الكردي السومري بشكل خاص في النصوص الميثولوجية و اللاهوتية و الدينية التي تركها الأكاديون البابليون و الاشوريون و العيلاميون و الفرس و الكنعانيون و اليونان و الرومان, وتظهر تأثيراتها بشكل واضح في الديانات الكبرى ,اليهودية و المسيحية و الاسلامية(الحياة الأخرى , الجنة والنار وقصة الطوفان, و تحول الاله السماوي السومري الأكير آن الى ايل ثم الى الله ,وتحول أعضاء البانثيون (المجمع الالهي ) الالهي السومري الخمسين إلى الملائكة لدى الديانات السمارية الكبرى ).
و نستطيع ان نقول أن الأفكار الميثولوجية و الدينية لهؤلاء جميعاً تستند في جوهرها بشكل شامل إلى ركيزة أساسية قائمة في المبتولوجيا الكردية السومرية وهي: أن الكون يتسم بالنظام و إن كل ما يمكن أن يدركه الانسان هو انعكاس لتجلي المشيئة الإلهية .
ولا أرى هنا ضرورة لمناقشة نظرية النشوء المتوازي للثقافة و الحضارات التي تقول :
إن ثقافة كا منطقة نشأت بمعزل عن ثقافات المناطق الأخرى فالأدلة و البراهين التي أدرجتها في كتاب دوموزي تثبت من تلقاء نفسها تدريجياً أن الميتولوجيا و الفكر الديني الذي ظهر في ميزوبو تاميا وغرب اسيا هي توليقات و تنويعات واقتباسات من الفكر الميتولوجي الكردي السومري الأقدم ,ولم يعد بوسع القائلين بالمعجزة العربية والتركية و الفارسية و اليونانية و اليهودية و المسيحية و الاسلامية أن يستمروا بالقول أن الثقافة الميثولوجية و الدينية لهؤلاء جميعاً إنما ظهرت متكاملة النمو في بيئتها دون الاستفادة من ثقافة سابقة لها ،