Slmanss@yahoo.com
هي تلك المسافة التي تفصل دمشق العاصمة عن قريتنا التي ولدنا فيها وكبرنا مع الأيام نرضع من حليبها ونأكل من خبزها أما الآن فقد تركناها للعجزة والشيوخ .
هي تلك المسافة التي تختصر الكثير من القضايا والمشاكل وتختزن ذاكرتنا وصورنا .
وكنا قد تعودنا أن نزور أهلنا في المناسبات والأعياد فقط بسبب المسافة الطويلة والظروف المعشية السيئة ولكن هذه المناسبة مختلفة جدا عن سابقتها بسبب موت احد أفراد أسرتنا نتيجة جلطة قلبية حسب تقديرات الأطباء.
طوال تلك المسافة التي تفصلنا عن قريتنا التي سننزل فيها ، تلك القرية المكان الوحيد والشاهد على ولادتنا وسعادتنا وفرحنا وفقرنا وموتنا ، كانت الأفكار تراودني من فينة و أخرى عن أسباب فقرنا ويأسنا وعن الظروف التي تدفعنا للهجرة إلى العاصمة دون أن نصل إلى إجابات مقنعة وواضحة .
مسافة 900 طويلة بكل الأحوال ومكلفة بسبب غياب وسائل النقل الحكومية الحديثة مما يوقعنا تحت رحمة استغلال شركات النقل الخاصة حيث تستغرق الرحلة اثنتي عشرة ساعة ونقضي نصف نهارنا في هذا الباص من غير أن ندرك متى سيأتينا الموت .
تخرجت من الجامعة في نهاية علم 2001 من قسم الصحافة الوحيد الذي يصارع الموت منذ تأسيسه إلى الآن مثل آمالنا وأحلامنا التي بدأت تموت شيئا فشيئا كلما نستقبل يوما جديدا دون أن نشعر بوجودنا كبشر أو يشعر بنا الآخرين فكأننا نعيش على هامش الحياة وننتظر قدرنا من جديد .
كلما تقدمت لوظيفة كان الجواب واحد في كل مرة بأنك ” أجنبي” وإذا أردت أن ابحث منفذ أو واسطة لتأمين فرصة عمل اصطدم مرة أخرى ” بأنك لا تحمل الجنسية السورية لذلك لا يحق لك التوظيف” .
هذه ليست مشكلتي أنا فقط انما يعاني منها الكثير من أبناء المحافظة الذين لا يجدون سوى الهجرة حلا لهم سواء إلى العاصمة أو إلى خارج القطر واغلب الأحيان تكون بطرق غير شرعية وخاصة الشباب العاطل عن العمل الذي يشكل نسبة كبيرة في المحافظة حيث تفتقد لسبب أو دون سبب لمشاريع زراعية وصناعية أدى في نهاية الأمر إلى غياب فرص العمل وانتشار مرض البطالة رغم ان هذه المحافظة هي أم الذهب الأسود والأبيض والخبز السوري ولكن ليس لأبنائها بل لغيرها ، ” هذه حقيقة “
لقد ترافقت رحلتنا مع قدوم موسم الحصاد الذي ننتظره بلهف وشوق ربما يزيح عنا بعض المصاعب والمتاعب المادية ويعيد الحياة من جديد إلى تلك المنطقة الغنية بالموارد الزراعية والنفطية ، غير أننا لم نشاهد خلال عقود طويلة أي تحسن في مستوى المعيشة بل على العكس فقد تضاعف الفقر بشكل اكبر في محافظتنا دون أن تبالي الدولة بأمرنا ، وبأمر باقي المدن حيث يتضاعف هذا المرض وينتشر ويشكل تحديا كبيرا للدولة .
إن فقرنا وعجزنا دفعنا إلى العاصمة كغيري من الشباب بيد أننا كسرنا حالة العجز والإحباط لدينا وأكملنا دراستنا الجامعية متحدين كل الصعوبات بما فيها أجنبي وبدأنا نستعيد تفاؤلنا من جديد رغم أن ما يظهر على الساحة لا يبشر بكثير من التفاؤل والخير .
إذ أن الفقر تبعا لأخر الإحصائيات هي الأعلى في المناطق الشمالية الشرقية وتنتشر أكثر في المناطق الريفية حيث نسكن فيها وما تردد أخيرا ان الحكومة وضعت في خططها تنمية هذه المناطق وفتح مشاريع استثمارية حتى شعرنا بشيء من الأمل حتى ولو كان بعيدا… وها نحن ننتظر وأملنا الأول أن تزيل الحكومة من قاموسها هذه الكلمة ” أجنبي” والعام ( 1962 ) حتى نشعر أننا مواطنون مثل غيرنا ولنا دور وان الوحدة الوطنية التي ترددها الحكومة للخارج هي حقيقية …