النقاش العقيم حول جدوى الديمقراطية

درويش محمى

الحديث الذي يتردد صداه قوياً وعالياً منذ فترة في وسائل الاعلام العربية بشقيها الفضائي والارضي، عن فشل واخفاق” الديمقراطية” في العراق، والدعوات الضالة المتنامية التي تقول بعدم جدوى التغيير وابقاء” الحال على ما هو عليه” وعدم صلاحية الفكرالديمقراطي القادم من الغرب وعدم انسجامه مع الثقافة والواقع المشرقي والعربي والاسلامي، حديث يفتقر الى ابسط قواعد اعمال العقل والحقيقة، ودعوات ساذجة موجهة الى جمهور ساذج، لاتصل الى درجة الطرح العقلاني والجدل الجاد القائم على حقائق موضوعية ثابتة.

القول بفشل الديمقراطية في العراق” في حال ـ لا قدر الله ـ للتجربة العراقية الحالية ان تفشل”، وكما هو معروف، التجربة العراقية لم تفشل كما انها لم تنجح بعد، والصراع على اشده والمعركة ماتزال قائمة بين اتباع الماضي وانصار الايدولوجيات العقيمة وتلاميذ الثقافة الاستبدادية ومجاهدي الظلامية والقومية الشعاراتية من جهة، وانصار المستقبل والديمقراطية والثقافة الحرة وحقوق الانسان والحريات من جهة اخرى، واذا افترضنا بفشل وعجز الطرف الاخيروهزيمته، حينها وحينها فقط يجوز ويحق لمن يشاء، الادعاء بفشل الحكومة العراقية وسياساتها المتبعة، وفشل قوى التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، وفشل الانسان العراقي ـ للأسف ـ في استغلال”فرصة من الذهب” للحاق بركب الحضارة والتقدم والتطور والرفاهية، كما يجوز في الوقت نفسه، اعتبار فشل هؤلاء نجاحاً للقومجية والبعثيين وحلفائهم من السلفية الظلاميين وانتصاراً لقوى الاستبداد والفاشية من دول الجوار العراقي، ولكن من غير الممكن، الادعاء والقول بفشل الديمقراطية” كفكر ومنهج”، ولا يعني البتة وبأي شكل من الاشكال، فشلاً لقيم الحرية والديمقراطية والليبرالية، فالفرق شاسع بين فشل الشعب العراقي بأن يتمقرط وبين فشل الديمقراطية في العراق، والامرمختلف كلياً، وخلط البعض لمثل هذه المعادلة، تجني واضح وسخيف جداً للحقيقة.
النقاش حول الديمقراطية وضروراتها من عدمه، نقاش عقيم وجاهل، لان التجربة الديمقراطية العالمية تجربة عريقة، لم تعد محل نقاش وجدال، واصبحت جزءلا يتجزء من الحضارة الانسانية، واللاديمقراطيون على انواعهم امام مشكلة كبيرة، لانهم يفتقدون الى الحجة والبرهان لدحض الديمقراطية ومزاياها العديدة، التي لم تعد مجرد نظرية ولا مجموعة افكار، بل عملية قائمة متكاملة وتجربة ناجحة بكل المقاييس، واضحت الديمقراطية الخيار الوحيد الذي لا بديل عنه، لكل الدول والامم التي تسعى للتطور والعصرنة والازدهار، اعداء الديمقراطية اليوم، لا يواجهون تجربة جديدة ووليدة محدودة الزمان والمكان بعد ان اصبح العالم قرية صغيرة، وبدأت قوة الدول والامم الديمقراطية وازدهارها ظاهرة واضحة، في اكثر العيون عتمة وعمى واكثر العقول تخلفاً وجهلاً واكثر القلوب حقداً وبغضاً.
الهجمة الشرسة على القيم الديمقراطية والافكار الليبرالية في الشرق الاوسط وعلى وجه الخصوص في العالم العربي، تختلف من حيث المصدر والشكل، ولكنها تتفق في الهدف المتمثل برفض التوجه الحتمي لشعوب الشرق الاوسط، نحو تبني قيم الحرية والفكرالديمقراطي والتحرر والانعتاق من ثقافة وسلطة الاستبداد الديني والفاشي القوموي.
الفئة الاولى من اعداء الديمقراطية ” اللاديمقراطيون”،لا يرفضون الديمقراطية كمبدأ “علناً على الاقل”، ربما يعود السبب في ذلك كما اسلفت، لقوة وتماسك الفكر والتجربة الديمقراطية، لذلك نجد هذه الفئة تتماطل وتدعي بالخصوصية المشرقية والقومية والمحلية، كحجة لتبرير رفضها ولتمرير ثقافتها الاستبدادية، وهي شلة منحرفة فكرياً من مثقفي السلطة ومريديها من”قومجية ومصلحجية” وتجارالكلمة، اما الفئة الثانية فهي ترفض الديمقراطية جهراً وعلناً وجملة وتفصيلاً، ويعتبرونها ظاهرة دخيلة تأمرية وبضاعة غربية وغريبة لتجارغرباء، وهذه الفئة تتألف من الاسلاميين والقومجيين المتطرفيين، الفئتين وباختلاف الوانهم وادعائاتهم توحدهم العداء والغاية المشتركة في ابقاء المنطقة وشعوبها في حالة دائمة من التخلف والاستبداد.
المفارقة والمعضلة الحقيقية تكمن في ضعف الوعي السياسي لدى “الجمهور”، والجهل الشبه التام للمفاهيم والقيم الديمقراطية لدى الانسان الشرقي والعربي، حيث”تشكل السبب الرئيس” في استمرار ثقافة الاستبداد، وتأثر هذا الوعي بالثقافة الاستبدادية القومية منها والدينية يجعلها في عداء مع ذاتها ومصالحها، الامر الذي يسهل على اللاديمقراطيين مهمتهم في بقاء الاستبداد كثقافة طاغية، ويسهل لهم كسب حربهم غير المقدسة ضد الفكر الديمقراطي.
بالتأكيد مجتمعاتنا تعاني من أفات وأزمات عديدة لا تحصى، نتيجة لثقافة العنف والاستبداد القومي والديني والقبلي المتخلف، التي حكمت لقرون وماتزال تتحكم بكل مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية، وهذه الظاهرة اللا حضارية، تشكل سبباً اضافياً قوياً لحاجة شعوبنا وبلداننا للنهج الديمقراطي، على عكس مايدعيه مثقفي الاستبداد والفاشية القومية والدينية.
الحرية حق ثابت للانسان والمجتمعات الانسانية، والديمقراطية قيمة ملازمة للوجود الانساني، اي كان انتمائه او لونه اودرجة وعيه وثقافته ومهما كانت درجة تحضره او تخلفه، والتحجج بجهل مجتمعاتنا لرفض النهج الديمقراطي حجة واهية الغاية منها الاستمرار في الثقافة الفاشية والاستبدادية، بل على العكس تماماً، المجتمعات المتخلفة اكثر حاجة من غيرها للديمقراطية واطلاق الحريات، والادعاء بالخصوصية المشرقية او الخصوصية العربية والاسلامية لرفض الديمقراطية، ايضاً حجة واهية كسابقتها، لان الديمقراطية وفقط الديمقراطية تقبل التنوع وتحترم الخصوصية، مهما كان نوعها لانها تقوم على ارادات حرة وغير مقيدة ولاتفرض مسبقاً.
نحن مثلنا مثل غيرنا يا ناس ” ما حدا احسن من حدا” والديمقراطية قادمة لا محالة وهي مسألة وقت ليس الا، والنقاش العقيم حول جدوى الديمقراطية، الجاري اليوم، سينظر اليه في المستقبل القريب باستهزاء واستهجان، وسيقال عن البعض……..، فمن يقبل على نفسه……….، وللحديث بقية ؟؟؟
كاتب كردي سوري
d.mehma@hotmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…