الأجهزة الحكومية وصلت بعد أسبوع فقط من عبور الكارثة هـــل هيئـــة مــواجهــة الكـــوارث هيكـــل حكـــومي بـــلا أجهـــزة استشعــــار؟!
مازن جلال خير بك – علاء الخضر محمود عبدو عبدو
أكثر من أسبوع على مرور العاصفة المطرية التي أفرزت سيولاً وفيضانات وتقصيراً حكومياً واضحاً في معالجة نتائج منحة الطبيعة الزائدة هذه، والتي وقف المواطن أمامها عاجزاً وما كان ليخطر على باله أن الحكومة ستكون قرينته في هذا العجز، فكأنما اجتمع الطرفان على تجاهل هذا المواطن وهو في أشد حالاته احتياجاً لرحمة كليهما دون أن يحصل على رحمة أي منهما.
كثير من التصريحات سمعناها وقرأناها وشاهدنا استعدادات هائلة لفك الحصار المائي عن المنكوبين في الجزيرة السورية نتيجة العواصف المطرية، ولكن كل ذلك بقي بيننا وبين الحكومة والإعلام دون أن يرشح منه شيء إلى المواطن المحتاج في مناطق النكبة.
سطام الديري مواطن يقطن في جنوب الحسكة رفض التوسع في الحديث وقال: أحمد الله أنني لست في شمال الحسكة حيث الفيضان حتى لا أستجدي أحداً ولو كانت الحكومة، بمساعدة لن تأتي حكماً.
ليس بيد الحكومة شيء
عماد عبد الكريم من مدينة دير الزور قال: لم تقدم لنا الحكومة شيئاً، فالصرف الصحي مسدود والمصارف المائية مغلقة والفيضان يجري والمحال طافت وفسدت بضائعها، والحكومة ليس بيدها شيء، ولم تقدم لنا شيئاً لا رزاً ولا سكراً ولا خياماً ولا بطانيات، وإن كان من أحد قد قدم شيئاً فهو الجمعيات الأهلية في القرى، والقرى حصراً.
وعن الجولة الحكومية في دير الزور والحسكة قال عماد عبد الكريم: لا أحد يدري بهم عندما يحضرون فهم يدخلون خفية ويخرجون كذلك، ومع بقائهم بضعة أيام وتلبيتهم طلبات من يريدون أو يهتمون لأمره فالمواطن العادي لا يدري بهم، على أنهم –وبكلمة حق- لا يقصرون أو يدخرون جهداً في إقامة الولائم وذبح الذبائح لوجباتهم، فالبلد صغير «مضيفاً» ولا يخفى على المواطنين شيء، فالحكومة لم تقدم شيئاً وإن قدمت – أقول: إن – فقد قدمت في القرى وعلى حد علمي لم يقدموا شيئاً.
لماذا تتجاهلوننا…؟
السيد أحمد عجاج «محام» يقول: لم تقدم لنا الحكومة شيئاً ولا حتى غرام سكر أو رز والمياه العذبة مقطوعة منذ خمسة أيام، ولم تصل إلى صنابيرنا إلا يوم البارحة فقط، ولونها أحمر عكر، وأقول للمسؤولين الحكوميين: لماذا تتجاهلوننا وكأننا من كوكب آخر؟ فالمحافظ لا يقيم لاحتياجاتنا أي وزن، فالخدمات سيئة والمياه رديئة والحدائق غير موجودة أصلاً، ومع رصد المليارات لمشاريع تنموية لا نطلب سوى كوب الماء النظيف الصافي وأتحدى أن يوجد في دير الزور كلها من يقول إن المدير العام للمياه فيها خطا خطوة واحدة في سبيل المصلحة العامة.
رسالة لأصحاب القرار
وعن موقف الأهالي تجاه ما يجري حالياً قال المحامي عجاج: نحن المحامين نعتزم توجيه رسالة استغاثة لأصحاب القرار ليطلعوا على ما يجري في دير الزور على أرض الواقع، وأعتقد أن الرسالة لم تقتصر على المحامي بل من الممكن جداً أن توجهها جماهير دير الزور كلها، فكلنا فداء لسورية الأسد، ويضيف أحمد عجاج: إنه مع بعض المحامين من رفاقه يعتزمون رفع دعوى قضائية ضد مصلحة المياه والبيئة لتجاهلها المصلحة العامة والحاجات العامة لأهالي المحافظة، ويختم حديثه بالقول: أين تذهب المليارات التي ترصد لمصلحة المنطقة الشرقية ودير الزور تحديداً وكل ما يحيط بنا سيئ هذا إن وُجِد أصلاً؟ ويسوق المحامي أحمد عجاج في هذا الإطار طُرفة عن محافظ دير الزور فيقول: قبل زيارة رئيس الحكومة إلى محافظة دير الزور باشرت أجهزة المحافظة إيجاد شارع نموذجي، فوضعت الإسفلت ودهنت الأرصفة وخططت الشارع فقط ليمر فوقه موكب رئيس الحكومة مدة لا تتجاوز 30 ثانية، فليت رئيس الحكومة يخصص من وقته يوماً واحداً لجولة في شوارع دير الزور علها تصبح نموذجية.
التقصير الحكومي أشد وقعاً من السيول
السيول والعواصف الأخيرة التي ضربت المنطقة نتيجة المنخفض الجوي العام الأخير أودت بحياة الكثيرين، إضافة إلى الخسائر المادية ونفوق كثير من رؤوس الحيوانات وغمر الأراضي الشاسعة، وشملت الخسائر مناطق واسعة، لكن أكثرها تأثيراً وشدة كانت محافظة الحسكة وخاصة المدن التي تقع على أطراف نهر الخابور كـ«رأس العين ـ الحسكة وغيرها».
عجز وعدم جاهزية
مدينة رأس العين الحدودية أكثرها ضرراً نظراً للسيول الأخيرة التي اجتاحتها إضافة إلى عديد من القرى المحيطة بها، وبعض هذه القرى تضررت بصورة كبيرة كقرية تل حلف التاريخية وقرية المناجير وتل حمام وتل تمر وغيرها، ولوحظ عجز البلدية والهيئات ذات العلاقة أثناء الأزمة، وعدم جاهزيتها للطارئ كما كان واضحاً من خلال أدائها وعملها.
ففي حارة المحطة الشمالية التي كانت أكثرها ضرراً وغرقاً في مدينة رأس العين ارتفع منسوب المياه الجارية من 1.5 متر حتى المترين.
وترافقت الأمطار الغزيرة بوصول سيول ومياه من تركيا.
وعن الإشاعات التي سرت في رأس العين أن تركيا أنذرتهم مسبقاً اتصلنا بالسيد المهندس مزاحم عبد المجيد رئيس بلدية رأس العين الذي أكد أنه لم تفتح أي قنوات أو عنفات من الجانب التركي وإنما نتيجة الفيضانات والسيول الكثيرة التي وصلتهم وامتدت إلينا وهذا يظهر من خلال الدمار الحاصل في الخط الحديدي لسكة القطار الذي أدى إلى انقلاب القطار التركي نظراً لسرعة وقوة السيول والأمطار، وبخصوص علمنا بالأمر نحن لم نسمع قط بالأمر وما سمعتموه ليس سوى إشاعة بما حدث بل جاءت الفيضانات أكثر من المتوقع وأكثر من نسبها، والآن الوضع مستقر وجيد إضافة إلى متابعة الأمر مع المحافظة والجانب التركي للحيلولة دون تكراره.
وكون منازل المنطقة وقراها مبنية أصلاً من الطين والتبن زاد من عملية الهدم والانجراف والانهيار فما زال عديد من العوائل في منازل أقربائهم وأغلقت المدارس لعدة أيام، وشبكة الصرف الصحي غير المؤهلة لهذه السيول ما زاد من حجم الكارثة وأوجد كثيراً من الأسئلة المتعلقة بالخدمات وتحضيرات الطوارئ وخاصة نحن في أول الغيث وبداية الشتاء ومواسم المطر القادمة.
معونات تموينية فاسدة
ورغم ما لعبته المحافظة من دور في إغاثة المنكوبين وتقديم المعونة والخدمات إلا أنه بتاريخ 5/11/2006 وبعد مرور تسعة أيام على الكارثة الإنسانية التي تعرضت لها محافظة الحسكة وخاصة منطقة رأس العين نتيجة الأمطار الغزيرة وزّع الهلال الأحمر السوري مجموعة من المواد التموينية تتألف من خمسة كيلو غرامات من السكر والرز وعلبتين من المربى وعلبتين من الحمص وعلبة سمن وعلبة زيت وكيلو من العدس.
ومن كلام الأهالي وملاحظاتهم لـ«الاقتصادية» في مدينة رأس العين الذين أبدوا تذمّرهم وغضبهم من توزيع بعض المواد المنتهية الفعالية:
السيد مسعود ملا درويش «من أهالي الحي الجنوبي» أكد أن علبة المربى قد انتهت صلاحيتها فأراد التأكد فسأل جيرانه عن الأمر وتأكد أنها منتهية منذ الشهر السادس عام ألفين وستة، والرز الأبيض والسكر أيضاً كانا مملوءين بالقمل.
السيد أحمد سيدا «من أهالي الحي نفسه»: لاحظت عند فتحي لعلبة المربى شكلها ورائحتها فطلبت من ابني أن يتأكد من تاريخها، ووجدته منتهياً كما توقعت.
السيد سليان عبدي أبو راكان «من أهالي الحي نفسه» قال: إنه سُعد كثيراً لتوزيع هذه المساعدات لكن فرحه انقلب لحزن عندما لاحظ أولاده العلب المنتهية الصلاحية والسكر والرز المملوء بالسوس والحشرات الصغيرة.
وآخرون أوضحوا وتحدثوا عن المشكلة نفسها حول صلاحية وجودة المواد التموينية الموزعة.
وتوجهت «الاقتصادية» بالسؤال إلى مدير شعبة التموين برأس العين الأستاذ عيد حمدو فأفاد أنهم لم يكونوا ضمن لجان التوزيع ولم يشرفوا عليها، وبخصوص المواد المنتهية قال: إنهم لم تصلهم شكاوى بهذا الخصوص ولو وصلتهم لبادروا إلى القيام بواجبهم من فحص وسحب للعينات المخالفة والمنتهية.
وبعد انحسار مياه الفيضان عن مدينة رأس العين، عاد الأهالي إلى منازلهم ليحصوا ما لحق بهم من أضرار، ومع أن المياه لم تترك خلفها ما يصلح، لكنها رغبة الناجي في البحث عن أي شيء لم يصبه التلف، فالفقر المدقع لن يسمح لهم بشراء أدوات جديدة حتى وإن كانت من الأساسيات كالفرش واللباس.
وسُرَّ الأهالي لهذه الالتفاتة ومشاركتهم أحزانهم وأوضاعهم التعيسة وتوزيع المواد عليهم لكنهم في المقابل تأثروا كثيراً لرؤية المواد التي وزعت عليهم وكأن أرواحهم رخيصة إلى تلك الدرجة.
حفر وخنادق كبيرة
وشهد الأسبوع التالي لموجة السيول الجارفة والأمطار العاصفة ظهور حفر تراوح عمقها بين 2.5-12 متراً نتيجة الانهدام والانهيار في التربة وفي أمكنة مختلفة في المدينة على الشكل التالي: حفرة بجانب مدرسة رأس العين المستحدثة مقابل الرابطة الفلاحية أقصى شرق المدينة عمقها 12 متراً، وحفرة داخل الحديقة العامة الواقعة خلف مؤسسة التموين في حي الحوارنة بعمق 10 أمتار، وحفرة بجانب البلدية أمام مدرسة الشهيد كيفورك بعمق 7.5 أمتار، وحفرة بجانب جامع عبد القادر الجيلاني (جامع الشيخ حواس) بعمق 2.5 متر، وحفرة في منزل المواطن حمود بوكر قرب مدرسة الشرقية (مدرسة الشهيد محمود الشيخ محمود) دون خسائر تذكر وردمت هذه الحفرة على الفور ولم نتمكن من معرفة عمقها.
وأخليت مدرسة الشهيد كيفورك للتعليم الأساسي ونقل تلاميذها إلى مدرسة عمير بن سعد الأنصاري المتاخمة لها بعد أن ظهرت في أماكن متعددة من مبناها تصدعات وانشقاقات بما في ذلك سورها الخارجي نتيجة للانهيارات والانهدامات التي شهدتها المدينة ولا سيما أن هذه المدرسة الواقعة مقابل مجلس المدينة (البلدية) قد ظهر انهيار أمامها بعمق 7.5م.
هل نحتاج إلى المصائب كي نقف بروح المسؤولية على واجباتنا؟ والتقصير الذي حدث جاء أشدَّ وقعاً من السيول نفسها وخاصة على نفوس أولئك الذين تضرروا وهم أبناء هذا الوطن الفقراء أصلاً الذين أثبتوا من جهتهم تلاحمهم الجماعي من خلال ما قدمه الجميع بصورة تلقائية دون قرارات واجتماعات من مساعدات، كلٌ حسب إمكاناته بأدواتهم البسيطة.
الأزمة «استثنائية»
ولمعرفة إجراءات الجهات المعنية وتعاملها مع الأزمة كان لنا لقاء مع السيد محمد الحيو رئيس بلدية دير الزور الذي خفف من أهميتها وهون الأمر لكونها حالة استثنائية نادرة الحدوث: كان لدينا علم مسبق بالموضوع فقد وصلتنا برقية قبل يوم من الحادثة بوجود منخفض جوي سيضرب المنطقة.
وتعاملنا مع هذه البرقية باستنفار جميع الورشات من دفاع مدني وإطفاء وورشات مجلس المدينة من تحريج وحوض الفرات، وجنّدنا كل هؤلاء مع آلياتهم وبالفعل عند المساء هطلت كميات مطر كبيرة كانت بمعدل 57 مم، وترافق ذلك مع سيول غزيرة ضربت بعض المناطق.
وعند إخبارنا للسيد رئيس البلدية علمنا أن هنالك بيوتاً ومحال تجارية ومستودعات وحتى معمل الورق في دير الزور قد طاف فسوغ السبب بقوله: من المؤكد أنها ستطوف فالسيل الذي ضرب المنطقة لم يحدث منذ 50 عاماً وبالتالي تصميم «الكهريز» لا يتناسب مع الحالات الاستثنائية، وإنما هو يراعي حالات تدفق وسطية لذلك كانت كمية المياه أكبر من قدرة تلك «الكهاريز والقساطل» على الاستيعاب ما أدى إلى تجمع وارتفاع منسوبها في بعض الشوارع والمناطق لكن خلال ساعة ونصف أو ساعتين كانت جميع كميات المياه المتجمعة مستوعبة في «الكهاريز» من ثم عندما تقول إن هنالك بيتاً أو بيوتاً قد طافت نتيجة حدوث أزمة تحدث كل 50 عاماً فهذا لا يعدّ أمراً سيئاً فلم ينفق لدينا ولو دجاجة واحدة بينما في محافظة الحسكة مات فيها حسب معلوماتي 12 شخصاً وحصلت أضرار مادية كبيرة لكن نظراً لكوننا في كامل استعداداتنا وجاهزيتنا فقد أصابنا أقل ضرر ممكن.
وعند سؤالنا عن سبب انقطاع التيار الكامل عن المدينة واستمرار ذلك عدة أيام في بعض المناطق أجاب: المحطة الرئيسية للمدينة ضربها السيل أيضاً لأن المحطة تقع على الضفة الثانية لنهر الفرات وفي منطقة تسمى الـ7 كم دخلت المياه إلى قنوات الكابلات الكهربائية ولكن والحمد لله استطعنا قطع التيار الكهربائي لولا ذلك لكانت الكارثة أكبر.
وحين صارحنا السيد الحيو بالقول: بما أن الأزمة وكما تقولون حلّت بساعة أو اثنتين، لِمَ لم تصل المساعدات إلى بعض القرى المنكوبة أم أنه ليس ثمة مساعدات أصلاً لكي تصل؟ أحال السيد رئيس البلدية مسألة عدم وصول المساعدات للأهالي على جهات أخرى ليست من اختصاصه على حد قوله.