سلمان آل خليل
” ويل لأمة كل ُّ قبيلة منها أمة ” جبران
بعد انهيار المنظومة الاشتراكية والتطور الهائل لوسائل المعلومات والاتصال وانطلاق قطار العولمة السريع العابر للقارات وتحول العالم إلى قرية كونية صغيرة ومن ثم سقوط نظام صدام في العراق مما أدى إلى انتشار القيم والمفاهيم التي تدعو إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان .
بدأت نسائم التغيير تهب على منطقة الشرق الأوسط وإن كانت هذه النسائم خفيفة وبطيئة .
مما أفضى إلى وجود هامش من الديمقراطية في بلدنا , سوريا , ليس منّة ً من السلطة إنما خارجا ً عن إرادتها .
الواقع الكردي لم يكن بمنأى عن هذه التغييرات والتطورات خاصة بعد هبّة الكرد في آذار ” إن صح التعبير” عام 2004 م , والالتفاف الجماهيري الكبير والصّدى الإعلامي الواسع لهذه الهبة على الصعيد العالمي وما نتج عنه من اهتمام دولي بقضية الشعب الكردي في سوريا ونتيجة ً لهذه المعطيات دخلت النخب الكردية ” السياسية والثقافية ….” في سباق محموم حول أحقيتها وشرعيتها في تمثيل الشعب الكردي متنقلة ً من منبر ٍ إلى آخر تقدم تحليلاتها السياسية وأفكارها النظرية حول الواقع الكردي بمنطق العقلية الوصائية لتبقى هذه الأقوال بروجها العاجية ولم ولن تتحول إلى أفعال تدخل حيز التطبيق على أرض الواقع .
حتّى الآن لم تستطع هذه النخب الثقافية والسياسية لأن تسهم في خلق فكر جديد , مكتفية ً بتصوير الواقع الكردي عاجزة ً عن تطوير هذا الواقع ؟
وتشكيل – حالة كردية – قادرة على تحويل الشعور المتنامي والوعي المتزايد لدى الشعب الكردي إلى نشاط جماعي فاعل وفعّال .
إذا كانت هبة الكرد في آذار واستشهاد الشيخ معشوق الخزنوي أدّيا إلى حراك جماهيري منقطع النظير , لكن لم يكن هذا الحراك بفضل النخب السياسية والثقافية , إنما كانت نتيجة طبيعية لإحساس الكرد بالظلم وسيطرة مشاعر الغضب لديهم وتراكمات معاناة سنين طويلة .
في هذه الحالة ” حالة الغضب الجماهيري والتجمع ” يكون سمات السلوك الأساسية للإنسان كما يبين عالم الاجتماع الفرنسي ” ليبون ” هي :
1- التجرّد من الصفات الشخصية الأمر الذي يفضي إلى سيادة ردود الفعل النابضة .
2- هيمنة المشاعر على الذهن , الأمر الذي يفضي إلى التعرّض لمختلف التأثيرات .
كان واضحا ً في هبّة آذار وعند استشهاد الشيخ معشوق , إن الجماهير هي التي تقود نفسها بنفسها , أو بعبارة أدق هي التي تقود النخب السياسية والثقافية ؟
نستنج مما سبق أن النخب الكردية ” السياسية والثقافية ” لم تستطع حتّى الآن أن تكون على مستوى الأحداث الهامة لأن هذه النخب ما زالت في دائرة الجمود والركود , رغم حديثها الدائم عن مشكلات ومعضلات الواقع الكردي .
لكن كلٍّ ينحي باللوم على الآخر ليخوضوا فيما بينهم معارك كلاميّة جزئية وقضايا فرعية هامشية مع أن الكل يدرك في قرارة نفسه بأنه جزء من هذا الواقع المرير , وأحد أسباب المشكلات والمعوقات والمعضلات الموجودة في الواقع الكردي , هذا الأسلوب التبريري وإلقاء التهم نوع من أنواع الهروب من جهة , ومن جهة أخرى عائد إلى خلل ٍ ما في وعي هذه النخب .
والوعي موضوعيا ً كما يقول عبد الرحمن منيف معناه ” استعاد للحالة أو للوضع الذي نعيش فيه دون تفاؤل ٍ كاذب ودون تشاؤم يشلّ الإرادة ويساعد بالتالي في صياغة أفكار وشعارات وعلاقات من شأنها التوجه نحو المستقبل وشق طريقه “.
على ما يبدو أن عقلية الكثير من النخب الكردية ” الثقافية والسياسية ” التي ترى نفسها في موقع القيادة والريادة قد وصلت إلى سقف محدد ومقيّد من التفكير والتفسير والتحليل والتعليل , ليس باستطاعتها تجاوزه , لتبقى في حدود الجامد والراكد , مستخدمة لغة الترديد والتكرار القائمة على مخاطبة العواطف واستثمار الشعور القومي والاستخدام النفعي لقضية شعبها الكردي , هذه النوعية تعاني من حالة تقهقر فكري ليس بمقدورها تمثل المعرفة وتوظيفها وإعادة إنتاجها , مما يؤدي بها إلى حالة من التخبط على الصعيد الميداني وتقوقع حول الذات .
رغم التحولات والتغيرات الجذرية والسريعة التي تجري في العالم والتي أسفرت عن تبدلات في الأفكار والنظريات في أصقاع مختلفة من العالم , لكن النخب الكردية ما زالت في عملية مراوحة في المكان على الصعيد الفكري والمعرفي وأن حاولت تقديم أفكار حول الواقع الكردي , لكنها تبقى ضمن إطار العموميات والشكليات التي لم تفيد في تطوير وتغيير الواقع الكردي .
نحن أحوج ما نكون في هذا العصر إلى لغة العقل وليس إلى لغة النقل النظري , إلى لغة المنطق وليس إلى المشاحنات وتبادل الاتهامات , نحن بحاجة إلى لغة الحوار الهادئ والهادف واحترام الرأي الآخر على أنه شريك لنا في هذا الواقع نتبادل معا ً وجهات النظر المختلفة ضمن إطار المصلحة العامة للشعب الكردي .
أن أهم منا في التغيير هو تغيير سلوكياتنا أولا ً ثم الاحتكام إلى لغة العقل والمنطق وإجهاد الفكر للوصول إلى إيجاد منظومة فكرية ومعرفية لها نظامها وآلياتها وقوانينها تتجاوز العقلية العشائرية والنزعة الحزبية والمصلحة الذاتية وتؤسس لوعي مدني ” قومي وطني ” وتساهم في تطوير الواقع الكردي وتنسق جهود هذا الشعب الرائع لأنها الخطوة الأولى و الأساسية لوضع قضية الشعب الكردي على الطريق الصحيح وتحقيق مطالبه القومية المشروعة.